strong>حلا ماضي
  • خدام البيوت في لبنان هل يستمتعون يوماً بحقوقهم الإنسانية وبقانون يحميهم؟

  • احتضنت حديقة اليسوعية في الأشرفية أخيراً حدثاً استثنائياً، إذ خرج عمال وعاملات أجانب من البيوت بألبسة بلادهم التقليدية وزينتها، يتحدثون بفخر عن أوطانهم النامية لكن الثرية بتقاليدها وثقافتها، وكان هذا اليوم أيضاً فرصة للالتفات إلى معاناة نسبة مرتفعة منهم، وإلى أنهم في
    حاجة إلى حماية حقيقية


    كنّ وكانوا... عاملات وعمالاً أجانب من مختلف دول العالم، يرقصون ويتعانقون، ويخبرون قصصهم وهمومهم المتشابهة في «بلاد الغربة حيث يسترزقون»...
    كانوا عشرات يعرّفون بحضارات بلدانهم وتقاليدها وجمالها حين حضروا الأسبوع الماضي إلى حديقة الجامعة اليسوعية في الجعيتاوي حيث نظم مركز الأجانب في رابطة كاريتاس لبنان ومؤسسة السبيل وبالتعاون مع السفارة السيريلانكية، الفليبينية والأثيوبية، معرضاً لتوعية اللبنانيين على جذور العمال الأجانب والتعريف بأثيوبيا والفيليبين وسيريلانكا والهند، وبتقاليدها، وأطباقها، ورقصاتها وموسيقاها، وقد تخلل البرنامج معرض لوحات، وعرض وثائقي عن كل بلد. الاحتفال كان استثناء في يوميات هؤلاء العمال، فهم يُعرفون في لبنان فقط بأنهم خدم، وقليلون يشعرون برغبة في التعرف بثقافتهم والنظر إليهم خارج الإطار الضيق الذي سجنوا فيه، لكنهم خرجوا الأسبوع الماضي تذكيراً بحدث مهم ألا وهو دخول المعاهدة الدولية لحماية حقوق العامل الأجنبي التي من أهم أهدافها حماية حقوق هؤلاء العمال وحمايتهم من الاضطهاد والانتهاكات باعتبارهم فئة ضعيفة.
    في زاوية واحدة من الحديقة، وفي أمتار قليلة، كان «احتفال» هؤلاء العمال والعاملات المتعبين من مزاجية بعض اللبنانيين واللبنانيات، حيث لم تسلم جلساتهم من كلام على ما يعانوه في لبنان الذي يشكل أحد أهم بلدان الاستقبال لليد العاملة الأجنبية في الشرق الأوسط، وهم على ما يبدو بذلوا جهداً كبيراً للظهور بشكل أنيق، على رغم الإرهاق الواضح الذي نتج من الجهد المبذول طوال اليوم. بعضهم حملوا أطباق الأكل التقليدية، وآخرون أتوا ومعهم أشغال يدوية أو زهور.
    حاولت الفتيات اغتنام هذا «اليوم الاستثنائي» للتعريف بمميزات بلدانهن المختلفة والمتباعدة وخصائصها، فكانوا في غاية النشاط، إذ إنهن لسن فقط «خادمات» يحملن المكنسة وينظفن منازلنا ويعتنين بأطفالنا في أغلب الأحيان... لكنهن ينحدرن من حضارات قديمة وعريقة... تقول السيريلانكية كيمونا إن اللباس التقليدي في «بلاد الشاي» هو الـ«ساري» وهو مشغول من الذهب والفضة، وإن رقم سبعة سحري والأرقام الفردية للحظ! ثم تنتقل لتشرح أموراً متعلقة بالأحداث الحزينة ومنها تقاليد دفن الموتى حيث تعطي عائلة الفقيد مساعدات توزع على الفقراء بدلاً من أكاليل الورد على النعش، ويبقى الجثمان في المنزل ويُراقب ليلاً ونهاراً، والويل لمن يموت نهار الثلاثاء لأن السيريلانكيين لا يقيمون مراسيم دفن في ذلك اليوم! تيب كانت تجلس في الجهة المقابلة لكيمونا، وهي عاملة أثيوبية تفتخر ببلادها وتعشق الكلام عليه، تقول إن «حضارة أثيوبيا وجدت قبل المسيح وتسمى أرض الثلاثة عشر شهراً، وإن في بلادها مواطنين ينتمون إلى ثمانين عرقاً مختلفاً ولكل جماعة لغة وعادات خاصة بها، والثقافة الأثيوبية تجمع بين اليونان والعبرانيين ويتفاهم الناس مع بعضهم بلغة Geez (جييز) وهي من أقدم اللغات في العالم»، أما اللباس التقليدي في أثيوبيا فاسمه «غابي أونيتللا» وهو لباس مصنوع من القطن. من أثيوبيا إلى جزر الفيليبين، المزيج البشري في حديقة اليسوعية كان رائعاً وغنياً، أجواء الفرح طاغية، تعكسها ألوان وزركشات الملابس الغريبة التي لم يعتد اللبنانيون رؤيتها.
    مارو فيليبينية تولت خلال الاحتفال الحديث عن مميزات بلدها، إذ هو خليط من عدة حضارات، ويمكن القول إنه حيث يلتقي الشرق والغرب، فالأجداد من أصل أندونيسي وماليزي و«فيه عناصر إسبانية وصينية»، شعب يتميز بحسن الضيافة ويستمتع برفقة زواره. ونجد في الفيليبين أكثر من 111 لغةبسرعة البرق مرّ ذلك اليوم الاحتفالي، بعض العمال والعاملات لم يشعروا به فـ«الفرح ينتهي سريعاً»، وقد أسهب العمال والعاملات الأجانب الذين شاركوا في هذا المعرض في شرح التقاليد والأعراف والعادات في بلدانهم، آملين أن يخفف هذا اليوم أعباء الأيام المقبلة وأن ينسيهم ولو لساعات المعاناة اليومية التي يمرون بها مع بعض ربات المنازل وأربابها. مشاكل العامل الأجنبي في لبنان تبدأ منذ توجهه الى مكتب الاستخدام في بلده حتى وصوله الى لبنان. وسيُصاب السائل بالذهول والغضب عند سماعه حكايات عن معاناة بعض العاملات الأجنبيات في المنازل اللبنانية. رانيا حكيم المشرفة على تنظيم المعرض، قالت إن «من السهل جداً انتهاك حقوق الأجانب أو تجاهلها بسبب وضعهم الحساس، وآخر بدعة بدأت تتفشى في معظم المنازل اللبنانية، هي ظاهرة عدم دفع الأجور عن عدة أشهر للعاملة بحجة الخوف من هربها».
    وتشير حكيم الى ان مركز الأجانب في مؤسسة «كاريتاس» يتلقى عشرات الاتصالات اليومية من العاملات الأجنبيات اللواتي يشتكين من عدم تلقي رواتبهن. وتتحدث حكيم عن أحدث حالة وصلت الى المركز، ومفادها أن إحدى ربات المنازل غضبت من خادمتها الفيليبينية، فما كان منها إلا أن أحرقت أصابع الخادمة وكسرت يدها، وعندئذ شعرت سيدة البيت «بالهدوء والراحة»، وقالت الحكيم «للأسف لم نستطع نشر الصور الموجودة في المركز بسبب ضرورة احترام السياق القانوني للموضوع، ولكنها بلا شك «مشاهد ممنوع عرضها لمن هم دون العشرين سنة لشدة قساوتها»!
    وتحدثت الحكيم أيضاً عن حالة ثانية تمثلت بإرغام «الخادمة» على النوم في الحمام حيث تأكل وتشرب أيضاً، إضافة الى إقفال البراد «حفاظاً على صحة الخادمة». كثيرة هي الحوادث وأساليب الاضطهاد التي تُمارس ضد الخادمات الأجنبيات بشكل خاص، وحين تفتح الحكيم «السجل» قد يحتار المرء في تحديد أي حادثة هي الأكثر إيلاماً.
    في كاريتاس عولجت حالة العاملة (VAS) فاس، الشابة التي تعرضت بعد حوالى ستة أشهر من وصولها الى لبنان لتحرش جنسي من جانب كفيلها ما دفعها الى الهرب، فأقام الكفيل دعوى ضدها متهماً إياها بسرقة مجوهرات، ، لكن المحكمة أعلنت براءة فاس التي عادت إلى بلدها. وما عانته السيريلانكية نين نموذج لما عاشته العشرات، فهي توقفت عن متابعة دروسها في سيريلانكا وأتت الى لبنان بهدف العمل لتوفير قوتها وقوت ابنتها الصغيرة، ولم يُنظم كفيلها أوراقها،ولما سقطت من الطابق الخامس، كانت وحيدة في المستشفى ولم تتذكر وجه كفيلها ولا عنوانه.
    لا تقتصر مشاكل العاملات الأجنبيات على الأذى والتعذيب الجسدي، فاستناداً الى دراسة قامت بها منظمة «كاريتاس» ـــــ مركز الأجانب، الأمر يتعدى ذلك الى التعذيب النفسي، كحرمان الخادمة لساعات من الطعام، أو احتجاز أوراقها الثبوتية (كجواز السفر)، وحرمانها من راتبها الشهري، وتعريضها لتعنيف معنوي وجسدي، وإرغامها على العمل في منازل الأقارب، كما تُجبر بعض العاملات الأجنبيات وخاصة الفيليبينيات على ممارسة البغاء.
    وحكيم قالت إن «القانون اللبناني لم ينص على أية حماية كبيرة للعاملين الأجانب في لبنان، إضافة الى عدم وجود عقد عمل موحد، فالعاملة تحصل على عقد عمل في موطنها من قبل مكتب الاستخدام، ليكون مختلفاً عما ينص عليه في أغلب الأحيان في لبنان، وهذا ما دفع بالكثيرات لدى وصولهن الى لبنان للهرب أو الانتحار أو الإحباط...».
    الوضع «اللاإنساني» للعاملات الأجنبيات في لبنان، دفع ـــــــ قبل نحو خمس سنوات ــــــ مركز الأجانب في كاريتاس بالتعاون مع المؤسسات الحكومية، وخصوصاً المديرية العامة للأمن العام ومنظمات دولية ومحلية ونقابة المحامين، إلى العمل على وضع إطار قانوني يكون عادلاً للطرفين، وإيجاد عقد عمل موحد ومترجم الى اللغتين (العربية ولغة الموطن). وقد باشرت وزارة العمل تأليف لجنة تتولى هذا الملف، وأُطلق مشروع «حماية الحقوق الإنسانية للعمال الأجانب واللاجئين وطالبي اللجوء» الذي بدأ المركز بتنفيذه منذ عام 2002 بتمويل من الاتحاد الأوروبي، والهدف منه ترسيخ احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. وتشير دراسة قامت بها أخيراً الطالبة في الجامعة اللبنانية سوزان منعم تحضيراً لرسالة الماجستير عن العمالة الأجنبية في لبنان وتأثيرها على المجتمع اللبناني، إلى أن من أبرز المشاكل التي يواجهها العمال الأجانب في لبنان هي دوام العمل الطويل، إضافة إلى الاختلاف بين العقود التي يوقّعها العمال في بلدانهم والعقود الموجودة في لبنان، والتحرش الجنسي الذي يكون في الغالب من قبل أولاد أصحاب المنازل.
    وتعتبر منعم من خلال معاينتها حالات عمال وعاملات أن «الثغرة في معالجة مشاكلهم تكمن في الناحية القانونية، فالعمال الأجانب في لبنان يخضعون لقانون الموجبات والعقود لا لقانون وزارة العمل، مع أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (كانون الأول 1948) في المادة الأولى منه ينص على: «يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء».




    أرقام وإحصاءات

    وقد أظهرت دراسة قامت بها أخيراً منظمة «كاريتاس» عن المشاكل التي يعانيها العمال الأجانب في لبنان، أن ستين في المئة منهم يتعرضون لتعنيف وأذى جسدي، ويمكن القول إن أنواع الأذى التي يتعرضون لها كالآتي: 50 في المئة منهم يتعرضون لتعنيف معنوي، و40 في المئة يواجهون تحرشات جنسية، و39 في المئة يعملون طوال النهار مدى سبعة أيام في الأسبوع من دون وجود يوم للراحة، و20 في المئة لا يخضعون لمراقبة طبية، و10 في المئة لا يتلقون رواتبهم بشكل منتظم.
    ويشير أحد الإحصاءات التي جمعتها كاريتاس أواخر عام 2005، إلى أن عدد العمال الأجانب الموجودين في لبنان بصورة شرعية قارب 101470 شخصاً، وهم 29426 فيليبينياً، و40714 سيريلانكياً، و19983 أثيوبياً، و1364 هندياً، و9983 من جنسيات أخرى.
    أما المعاهدة الدولية لحماية كل العمال الأجانب وأفراد عائلاتهم، فقد وضعتها منظمة الأمم المتحدة واعتمدتها الجمعية العامة في 18 كانون الأول 1990 ووُضعت قيد التنفيذ في الواحد من تموز (يوليو) 2003.