آمال خليل ـــ بسام القنطار
في 12 تموز 2006 كان تاريخ عملية «الوعد الصادق» الهادفة إلى تحرير الأسرى اللبنانيين من السجون الإسرائيلية. في 14 آب 2006 خمسة أسرى جدد انضموا إلى اللائحة و«زادوا الحمل» على «حزب الله» في عملية التفاوض لإبرام صفقة التبادل التي ينتظرها الجميع... لكن «الانتظار» بالنسبة إلى عوائل الأسرى له شكل آخر

بكلّ يقين، يقدّم ذوو الأسرى اللبنانيين الذين اعتقلوا خلال عدوان تموز 2006 «الولاء الخالص للمقاومة التي ستعيد لهم أبناءهم عمّا قريب». هذا ما كتبوه في الرسائل المتبادلة بينهم وبين أبنائهم عبر «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» في شهرَيْ أيلول ونيسان الفائتين.
هم يجمعون على أن استشهاد أبنائهم «أهوَن بكثير من الأسر بيد العدو»، لا بل يتمنون كأبنائهم، لو نالوا شرف الشهادة. لذا يحاولون في حزنهم وصبرهم وفخرهم، التصرّف كأنهم ذوو شهداء، وخصوصاً أنهم «عاشوا بهذا الجو» في الفترة الفاصلة بين فقدان قادة المقاومة الاتصال معهم وإعلان اسرائيل أسرهم. وقد قسّمتهم اسرائيل لاحقاً إلى قسمين: عسكريين (عددهم ثلاثة) يُحاكمون أمام المحكمة العليا الإسرائيلية وترفض اسرائيل اعتبارهم أسرى حرب وتحتجزهم في معتقل هداريم الإداري، ومدنييْن محتجزيْن في أشموريت في سجن الرملة من دون محاكمة.
حالة اليقين والفخر التي يعيشها الأهالي لها سبب إضافي لا يخفونه، وهو فرحهم الدفين بالحظ الكبير الذي جعل أسر أبنائهم يأتي بالتزامن مع وجود الثمن الجاهز لحريتهم «التي مهما تأخّرت فإنها ستبزغ بالطبع قبل 29 عاماً مثلاً».

محمد سرور يستحق الذكر!

الاسم: محمد عبد الحميد سرور. تاريخ ومكان الولادة: 2/12/1986. الوضع الاجتماعي: أعزب. تاريخ الاعتقال: 1/8/2006.
هكذا اختار محمد التعريف عن نفسه في المقابلة التلفزيونية الأولى التي أجريت مع أسرى «حزب الله» أخيراً، لأن الرئيس فؤاد السنيورة ووزراءه، برأيه، لا يعرفونه هو ورفاقه ولا يطالبون بإطلاق سراحهم، أقلّه، بحجم تذكّرهم للأسيرين الإسرائيليين لدى حزب الله. لذا رأى محمد ضرورة أن يؤكد لهم أنه «لبناني منذ أكثر من عشر سنوات، فهل أستحقّ الذكر؟».
ابن عيتا الشعب لا يحتاج إلى التدقيق الكثير ليُستدلّ على هويته المقاومة المتأصلة في محمد وأهله. فوالده، عبد الحميد، استبق التحرير بخمس سنوات، وغادر البلدة إثر تضييق العملاء الخناق عليه واعتقال ابنيه حسين وزينب في معتقل الخيام، ففضّل المغادرة على الخضوع لهم، حتى أرجعه يوم التحرير. ويكفي محمد أن يجلس خمس دقائق على شرفة منزله الذي «زحل» إلى مكان آخر حتى اختفى تماماً، ليضع آلاف الخطط لعمليات المقاومة ضد المواقع الإسرائيلية قبالته.
أما والدته صبحية رضا فهي أمينة صندوق المقاومين في حفظها سلاح ابنها، ومن راحتيْها كان خلال العدوان خبزهم وقوتهم. المرة الأخيرة التي رأته فيها كانت قبل أن يعتقل بثلاثة أيام. كعادته جاء ليأخذ زوّادة رفاقه، لكنه هذه المرة ودّع أمه وطلب دعاءها المعتاد بالنصر والشهادة وأصرّ عليها بأن تغادر البلدة. في اليوم الثاني غادروا وفي الثالث أسر محمد فيما استشهد رفيقاه محمد يوسف سرور وآخر لا يزال يرسل إليه سلامه الحار في رسائل عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، على أنه حيّ. أما في اليوم الرابع فقُصف البيت الذي لم يُعِد أهله بناءه بعد، وأول الأسباب أنهم ينتظرون سواعد محمد لتشاركهم البناء وآخرها أنهم لم يقبضوا تعويضهم بعد.
يمتاز محمد بروح مرحة ونكاته التي لا تنتهي، هوايته المفضّلة التمثيل، وخصوصاً دور الشهيد الذي يصرّ على تأديته تمثيلاً إلى أن يؤديه حقيقة. ويوصف بأنه «حامل همّ أمه» وتوّاق إلى أن يخفّف من حزنها باستشهاد والديها وأخيها قبل أيام من اعتقاله.

حسين سليمان أَسر وأُسر

لدى والديْ الأسير حسين سليمان (23 عاماً) مبرّرات كثيرة لتعذره على ظهوره على شاشة التلفزيون الإسرائيلي خلال العدوان وردّه على أسئلة عن دوره في عملية الأسر وما تبعها. والده علي يقول إنه «لم يقل شيئاً جديداً، فهذه أشياء تعرفها إسرائيل. وإن لقناة «العربية» دوراً مشبوهاً في عرض هذا الفيلم الذي أعيد تقطيعه وتركيبه من قبل الاستخبارات الإسرائيلية وبثته المحطة بهدف الضغط على حزب اللهوالدته أسامة رحال تشارك زوجها في ترتيب عباراتهما الدفاعية عن ابنهما البكر، وتؤكد «أن كل محاولات إسرائيل للضغط على عائلات الأسرى وجمهور حزب الله من خلال إظهار ابنها في مقابلات تلفزيونية ستبوء بالفشل».
كل من يعرف حسين يستغرب كثيراً تحدّثه أمام الكاميرا. فهو «بئرهم الكتوم، كلامه قليل ولا يعرف أهله عن حياته الغامضة تفاصيل كثيرة، ويكره الظهور في الصور منذ كان صغيراً». تقول والدته إن «حسين الحنون وسند الظهر رسم حياته بنفسه باكراً. منذ كان في الثامنة من العمر كان يقسّم وقته بين المدرسة والعمل في كاراج خاله ثم في تعاونية حتى نيله شهادة في العلاقات التجارية في 6 تموز، اليوم عينه الذي ودّع فيه أهله قبل ذهابه «في مشوار». هو حسين كما ظهر في المقابلة التلفزيونية، «رسمي» حتى في كلامه إلى والدته. لا يهمّه سوى الحرية التي ستعيده إلى ساحة مقاومته في الجنوب ليحقق الوعد الذي قطعه على نفسه «بألا يموت على فراشه».

ماهر كوراني: «راجع بس مطوّل»

آخر ما قاله ماهر حسن كوراني (31 عاماً) فجر 12 تموز لزوجته إسراء سويدان وسلاحه بيده: «ديري بالك على حالك وعلى ابننا حسن (3 سنوات). رايح يمكن راجع بسرعة ويمكن رح طوّل ويمكن ما إرجع بالمرة».
أصاب ماهر الاحتمال الثاني «راجع بس مطوّل»، إذ اعتقل في 9 آب، فيما لم يرجع أصدقاؤه الأحبّ إليه لأنهم استشهدوا وهو لا يعلم، بل لا يزال يرسل إليهم سلاماته الحارة ويطلب إليهم أن يطمئنوه عليهم.
لكن ماهر يعرف أن بيته في بلدة ياطر صار ركاماً. لا يهمّ، لأن إسراء حفرت الأنقاض بأظافرها لتنقذ صور الأسرة الصغيرة وأغراضاً كان يحبها. كتبه ودفاتره وثيابه وخصوصاً كنزة رياضية مكتوب عليها اسم فريقه المفضل «ريال مدريد». غسلتهم وكوتهم وعلّقتهم في الخزانة ريثما يعود.
تحاول إسرائيل والهيئات الدولية الضغط على ماهر إنسانياً بطفله حسن. لكن الطفل مشغول بلعبه واهتمام الجميع به ولا «يقضيها»، كما يصوّرونه، كئيباً ومحل شفقة وعطف. فهم لا يعلمون أن حسن بخير أكثر الآن لأن والده فشل في تحقيق حلمه بالشهادة واكتفى بالأسر لسنتين أو ثلاث، لا فرق فهو عائد حتماً بعدما كان موته قد بات أمراً واقعاً لأيام.
الطفل يرى رجلاً ما في الصور علّمته أمه أن يناديه «بابا»، وروت له بأنه بطل موجود الآن في فلسطين يقاتل الإسرائيليين وسيعود قريباً.

خضر زيدان أو الشهيد الحي

من المؤكد أن خضر أحمد زيدان (26 عاماً) يدرك تماماً مدى الشحوب الذي يخيّم على منزل أسرته الصغير في منطقة البسطة منذ اعتقاله في الغندورية في 4 آب، أي بعد 20 يوماً على احتفاله بعيد ميلاده. كان يومها على الطريق بين بيروت والجنوب ينقل المعونات والمؤن للصامدين في قرى المواجهة بعدما شارك في استقبال النازحين إلى بيروت ودعمهم.
حتى الآن لم توجّه اسرائيل لخضر تهمة مباشرة سوى القبض عليه متلبّساً في المكان، لذا انتظرت شهرين لتعلن أنه لديها. وفي هذين الشهرين، جهد «حزب الله» في البحث عن أثر له في الجنوب، أما أخوه فقد كان يفتش عنه بين الجثث في برّاد مستشفى صور الحكومي على اعتبار أنه صار شهيداً. فأقيمت له مراسم استقبال للمهنئين والمعزّين في منزله، فيما مكثت أمه في المستشفى أياماً طوالاً حتى علمت بأن صغيرها لا يزال حياً.
عندما يعود خضر إلى المنزل الصغير، سيجد كل شيء بانتظاره، وقبل أي شيء المفرقعات التي اشترتها أخواته ميرفت وهناء وزينب وخطيبته سوزان لإطلاقها لحظة وصوله، وقميصه الصامد منذ أكثر من عام على الحائط حيث علّقه في 1 آب، حينما جاء ليسلّم على أهله للمرة الأخيرة. سيدرك كم أن الشمس على كبرها تشرق من سقف هذا المنزل الصغير الذي أنجبه.

حسن عقيل وتقارير الأطباء

حسن عقيل (مواليد 1958) من بلدة الجبّين الحدودية. اعتقله الجنود الإسرائيليون في 16/8/2006 في منزله حيث فوجئوا بوجوده بعد دخولهم إلى البلدة التي لم يغادرها طوال أيام العدوان، فيما لم يعد أهلها إليها إلا بعد أسابيع من خروجهم منها.
وعلى الرغم من ذلك، فإن اسرائيل لا تتمنّع فقط عن إطلاق سراحه، بل أيضاً تمنع اللجنة الدولية للصليب الأحمر من زيارته بشكل دائم وتوفير العلاج الذي يحتاج إليه، علماً أن حسن بقي في عداد المفقودين بعد شهرين من اعتقاله لأن إسرائيل لم تقرّ بوجوده لديها وتكتّمت لفترة طويلة عن الكشف عن مكانه. وكانت المرة الوحيدة الأخيرة التي اطمأنت زوجته وأطفاله الأربعة عليه قبل 6 أشهر.
واللافت أن إدارة سجن أشموريت في الرملة حيث يحتجز، تأكدت من حالته الصحية السيئة بعد الكشف عليه، وتبين أنه يعاني انفصاماً في الشخصية واضطرابات عصبية ونشفاناً في الشرايين المغذية للذاكرة ما يؤثر على سلوكه وشخصيته ويجعله يقوم بتصرفات غير مسؤولة بحسب تقرير طبيبيه المعالجين فايز عز الدين والنائب في البرلمان علي المقداد.




إسرائيل والأسرى: غيض من فيض نظر السيد إلى صورة عميد الأسرى على الكرسي وقال: «إنّهم أغبياء لأنهم احتفظوا بسمير القنطار». وراح يعدد الخيارات المتاحة لاستعادته. وفي نهاية الخطاب أشار إلى الصورة العملاقة لعملية أسرى الجنود الإسرائيليين الثلاثة في مزارع شبعا وقال: «بهذه الطريقة سنعيد سمير القنطار وكل الأسرى (...) ولكن في المرة القادمة أعدكم بأن نأتي بالأسرى الصهاينة أحياء».
فهمت القيادة العسكرية الإسرائيلية مغزى كلام السيد، ومن لم يفهم جاءته التقارير الميدانية عن عمليات عسكرية لأسر جنود ينفذها حزب الله. ووصف رئيس هيئة الأركان العامة الأسبق في الجيش الإسرائيلي موشيه يعلون سمير القنطار على أنّه «مسمار من دون رأس». كان يدرك أن الاحتفاظ به مشكلة وإطلاق سراحه مشكلة أخرى.
اليوم إسرائيل بات تدرك أنها يجب أن تنزع سمير القنطار من سجونها، ليس مقابل دليل حياة (أو موت) عن رون أراد، بل مقابل دليل حياة (أو موت) عن «غولدفاسر» و «رغيف». تغيرت المعادلة في 12 تموز 2006 ومسامير عدة دقت بعضها برأس وبعضها بدونه.

خطف المدنيين

منذ أن عاودت القوات الإسرائيلية احتلالها بعض الأراضي اللبنانية خلال عدوان تموز، عادت إلى ممارسة الانتهاكات وعمليات خطف المواطنين نفسها التي انتهجتها لأكثر من 22 عاماً حتى اندحارها من الجنوب في أيار عام 2000. ولم تتوقف هذه الانتهاكات مع توقف إطلاق النار في 14 آب بل استمرت خلال فترة وجود القوات الإسرائيلية في بعض القرى الحدودية. واللافت أن إسرائيل كانت تدّعي أنها تقوم بخطف المدنيين اللبنانيين «لأنهم عناصر في حزب الله» قبل أن تتراجع هي نفسها عن ذلك وتطلقهم بعد ساعات أو أيام قليلة.
ومن بين هؤلاء: معين فارس، علي فارس، محمد سليم، حسن نصر الله، بلال نصر الله، محمد شكر، حسن البرجي، أحمد العوطة، عبد الله ملك، محمد عبد الحسين، حسن عبد الحسين، حسن الصغير، محمود الخطيب، حسين قاسم، يوسف ياسين، حسن دقدوق، طاهر طحيني، كامل حاريصي، محمد سرور وعلي قاسم.

نسيم نسر: هل يتحول إلى محتجز إداري؟

إذا صدقت إسرائيل مع مواطنها السابق نسيم نسر، فإنه سينهي مدة محكوميته بعد عام واحد ويتحول إلى سجين إداري إثر تنفيذه الحكم القضائي الذي أوصى بسجنه لمدة ست سنوات بتهمة التجسس لمصلحة حزب الله، علماً بأن نسيم المولود في بلدة البازورية في قضاء صور من أب لبناني وأم يهودية الأصل، تمكن من الحصول على الجنسية الإسرائيلية بعد مرور سنة على دخوله أراضيها عام 1992، ما حال دون إطلاقه في صفقة تبادل الأسرى الأخيرة ‏بين حزب الله واسرائيل عام 2004. وقد طالب نسر بسحب الجنسية ‏الإسرائيلية منه ووافقت المحكمة الإسرائيلية العليا على ذلك، ما أدى إلى انفصال زوجته الإسرائيلية عنه وضمّها ولديهما لرعايتها.

المفقودون أحياء إلى أن يثبت العكس

في ذمّة إسرائيل العديد من المفقودين وعلى رأسهم الأسير يحيى سكاف من المنية ـــــ الشمال. وقع في الأسر في 11/3/1978 أثناء تنفيذ عملية استشهادية بقيادة الشهيدة دلال المغربي بين حيفا وتل أبيب، وما زالت قوات الاحتلال تنكر وجوده، على رغم أن عائلته وبعض الأسرى المحررين يؤكدون وجوده في المعتقل.
وفي 23 تشرين الأول 2005 اختفت آثار الصياد محمد عادل فرّان (21 عاماً) من مدينة صور، قبالة شاطئ الناقورة. وبعد أربعة أيام، سلّمت إسرائيل إلى قوات الطوارئ زورقه (موهانا) الذي عثر عليه في نهاريا وعليه آثار دماء ومصاب بطلقات نارية عدة من سلاح رشاش. أما محمد فقد أعلنت إسرائيل أنها لا تعرف شيئاً عنه، فيما لم يلفظ البحر حتى الآن جثته. لذا أسرة فران إضافة إلى كل الأطراف اللبنانية تتّهم إسرائيل بخطف محمد.
ويضاف الى هؤلاء قائمة طويلة بأسماء المفقودين الذين تؤكد عائلاتهم أنهم معتقلون لدى قوات الاحتلال الإسرائيلي، من بينهم: موسى الشيخ سلمان، بلال الصمدي، إبراهيم زين الدين، محمد سعيد الجرار، محمد علي حوا، جميل أمهز، محمد علي غريب، حسن رامز بلوط، ماهر قصير، محمد علي العبوشي، جمال حبال، سمير محمد الخرفان، حسن سامي طه، حسين محمد زيد، إبراهيم نور الدين، محمد المعلم، نزار علي مرعي، سهيل رمال، خالد قشمر، خالد شاهين، علي عبد الكريم قشمر، سعيد بليبل، طالب أبو ريا وأحمد هرباوي.