strong>وفاء عواد
المشهد الأول: مقاتلون يخوضون مواجهة بطولية ضد قوات العدو الإسرائيلي في ساحة جديدة مرجعيون، فيدمّرون دبابتي «ميركافا» ويوقعون سبعة من عناصرها بين قتيل وجريح.
المشهد الثاني: على «سطيحة» أحد المنازل القريبة التي مرّ بها المقاومون، أثناء قيامهم بمسير في الأحراج لـ«التخفّي» بعيداً عن مكان العملية، كانت «ختيارة» تستريح وزوجها بعد هدوء «عاصفة» القصف. مشهدهم المقاتل كان كافياً للترحيب بهم ودعوتهم للاستراحة وتناول التين، وخلال الاستراحة عرف المقاومون أن الاسرائيليين دخلوا ثكنة الجيش.
بين المشهدين، تعود به ذاكرته المثقلة بالتفاصيل الى العاشر من آب 2006، وتحديداً الى الساعة الثالثة فجراً منه، حيث «كنا ننتظر بفارغ الصبر ما تمنّينا حصوله طوال 28 يوماً، أي الإلتحام بالعدو الجبان».
هو «الآمر»، وفق هويته العسكرية، قاد مجموعات من «الرفقاء» الذين قرّروا أن يترجموا قناعاتهم، وتحديداً في مرجعيون وسهل الخيام، «أحد معاقل القوميين». تقدّموا بإجازاتهم السنوية للالتحاق بالجبهة وتأدية واجبهم تجاه قضية «تساوي وجودهم»، تحت لواء جبهة المقاومة الوطنية ـــــ مجموعات «الفداء القومي».
يستعيد «الآمر» اللحظات التي رافقت تنفيذ العملية، بكثير من السعادة الممزوجة بالاعتزاز: «أعلمتنا فرق استطلاعنا بأن طلائع الدبابات تقترب. أصدرت أمراً قضى بمنع إطلاق النيران إلى حين اجتياز الدبّابات نقطة الاشتباك، أي مرمى نيراننا الفعّال... كانت أجواء جديدة مرجعيون تضجّ بأصوات هدير محرّكات وصرير جنازير دبابات الميركافا التي كانت تتقدّم على ثلاثة محاور في اتجاه القليعة، طريق الـ504، وسهل الخيام، وكنا قادرين على رؤية عناصر المشاة الراجلين. ولدى إعلان «النقطة الصفر» تمّ «إمطار دبّابتي الميركافا الأماميتين بالقذائف الصاروخية ما أدّى إلى تدميرهما وسقوط سبعة من جنود العدو بين قتيل وجريح، واختلطت أصوات أزيز الرصاص والقذائف بهدير الدبابات التي تراجعت وصراخ من بقي من جرحاهم حياً».
بعد أقلّ من ربع ساعة «لاحت مروحيات العدو التي استنفرت لنجدة قواتها المهزومة. وانكشفت إحدى مجموعاتنا فتعرّضنا لنيران كثيفة بمشاركة طائرات الـF16 التي انهالت علينا بالقنابل العنقودية والثقيلة، وتوقّع كلّ منا أنه ربما يكون هو الوحيد الذي بقي حياً». وبعد قليل، «بدأنا نسمع أصوات الدبابات تبتعد عنا في اتجاه آخر.. فيما ارتفعت أصوات الطائرات بشكل خيالي».
وتفادياً لردّة فعل «حتمية» من الإسرائيليين، اختار المقاتلون القيام بمسير في الأحراج، بقصد «التخفّي» بعيداً عن المنازل، الى حين هدوء «جنون» سلاح الجو المعادي، وفي الطريق أخبرتهم «الختيارة» التي صادفوها بنبأ انسحاب قوات العدو الى داخل ثكنة مرجعيون، يشير «الآمر» الى أن هذا النبأ «لم يؤخذ إلا في إطار الخبرية، إذ رجّحنا أن يكونوا قد انسحبوا باتجاه القليعة».
ونظراً إلى كون الثكنة بعيدة عنهم فهم «لم يوفّقوا» برؤية ما كانت عليه المشاهد «المخجلة والمذلّة» داخل الثكنة: دبابات العدو.. العميد داوود يتسامر مع الضابط الإسرائيلي.. أكواب الشاي.. العلم الأبيض يرفرف فوق الثكنة.. السلاح المتخلّى عنه...
هذه المشاهد نقلها إليهم بعض أهالي مرجعيون. أما عن شعور المقاومين في لحظة تلقّيهم أخبار «الفضيحة» فيلخّصها «الآمر» بالقول: «لم نفاجأ عندما علمنا، لكن كل الكلمات عجزت عن التعبير عما كان يجول في خواطرنا، حيال عميل جبان».
أما لماذا لم يتمّ تنفيذ قرار قصف الثكنة، الذي لم يكن ينتظر سوى «إعلان النقطة الصفر»، فيوضح «الآمر»: «وجدنا أنفسنا في حيرة، فكيف يمكننا أن نوجّه ضربة أخرى لهذا العدو المحتمي بجنود وطننا؟». وبناءً على «اتصالات تنسيقية لازمة»، بقي قرار نسف الثكنة في إطار التمنّيات التي «تغلّب عليها الحرص على عدم إصابة أي لبناني بأذى».
وبكثير من الأسى الممزوج بالغضب، يؤكد «الآمر» أن السلوك الذي اتبع في الثكنة «لم يكن طارئاً»... أما الـ«لماذا»، فلها في رأيه جواب قاطع لا يقبل التأويل: «فضيحة مرجعيون كانت تتمة لأحداث شهدناها لهذا لم نفاجأ بالخبر». ويستعيد بمرارة تجربة المقاومين مع العميد عدنان داوود: «في إحدى المرات، تسنّى لنا سماع صراخه وهو يوجّه الأوامر للعسكريين، خلال قيامه بجولته المعتادة في أحياء مرجعيون: ما بدنا أي عمل مقاوم بوجه الإسرائيليين». و«تحت ذريعة الحفاظ على الأمن نشر مخبريه من أجل تقصّي تحرّكاتنا بهدف منعنا من القيام بأي خطوة مقاومة». وفي إحدى المرّات، قام بـ«تطويق إحدى نقاط كمائن مجموعاتنا، حيث كنا مموّهين ومختبئين بشكل جيد. وعندما لم يوفّق بالعثور على أحد، بدأ بالصراخ مصدراً تعليماته لمرافقيه على مسمع منا: يا ولاد الكذا، كل مرة بتقولوا انهم هون أو هونيك، وما منلاقي حدا.. شو عم تجيبولي أخبار عن أشباح.. انقبروا جيبوا خبرية مظبوطة شي مرّة.. وإذا شفتو حدا منن اعتقلوه فوراً».