div style="padding:6px;border-style:outset">
دراسة
بمناسبة مرور أربعين عاماً على حرب الأيام الستة، عقد معهد بروكينغز جلسة نقاش حول التوتر المتصاعد في الشرق الأوسط، شارك فيها: بروس ريدل، الحائز رتبة الزمالة في مركز سابان. وروبرت مالي الذي يشغل حالياً منصب مدير الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية ومارتن إنديك الذي يعمل مديراً لمركز سابان لسياسات الشرق الأوسط في معهد بروكينغز. ننشر اليوم مداخلتي مالي وأنديك، بعدما نشرنا بالأمس مداخلة بروس ريدل
نعرض هنا أبرز ما جاء في مداخلتي روبرت مالي ومارتن أنديك
روبرت ماليبما أن السؤال يدور حول إذا ما كنا سنشهد صيفاً ساخناً وطويلاً، اسمحوا لي بسرد سلسلة غير شاملة من النقاط التي يمكن أن تبرز في المستقبل المنظور.
قد تقرر إسرائيل أنها بحاجة إلى شنّ حرب شاملة على حماس في غزّة، إما لأن حماس تكدِّس كميات كبيرة جداً من الأسلحة، أو إذا أصابت صواريخ حماس أو الفلسطينيين، لا قدّر الله، مدرسة وألحقت عدداً كبيراً من الإصابات. وقد تقرر حماس أن من الأفضل لها تصعيد حربها مع إسرائيل، لأنها تجد نفسها مشغولة بالوضع الفلسطيني المحلّي، ولا ترى سبيلاً إلى الخروج منه. والأمر الثالث هو أن إسرائيل قد تجد أنها بحاجة إلى مهاجمة حزب الله ثانية، إما بسبب عمليات نقل الأسلحة، أو لأنها بحاجة إلى الدخول في جولة ثانية من القتال الذي يشعر الإسرائيليون بأنهم لم يخرجوا منه منتصرين في الصيف الماضي. وقد يشعر حزب الله بدافع مماثل للدخول في قتال مع إسرائيل بسبب الأوضاع المحلّية السائدة في لبنان.
قد تشعر إسرائيل بأنها بحاجة إلى مهاجمة سوريا، وقد تشعر سوريا بأنها بحاجة إلى مهاجمة لبنان. قد تندلع حرب أهلية فلسطينية، وقد تندلع حرب أهلية لبنانية. أو قد نشهد امتداداً لحروب المخيمات بحيث تشمل باقي المناطق في لبنان.
لم نتحدّث عن تركيا وكردستان، لأنهما لا يشكّلان جزءاً من هذه المناقشة. كما أننا لم نتحدث عن الولايات المتحدة أو إسرائيل مقابل إيران، وتستمرّ اللائحة.
هذا ما يضفي عليكم شعوراً بأن أيّاً من الاحتمالات التي تحدثت عنها ليس قضاءً مبرماً. لكن بالنسبة إلى الأشخاص الذين لديهم إلمام بعلم الإحصاء، فإنه حتى إذا كان احتمال وقوع كل من هذه السيناريوات ضئيلاً، فإنها تتراكم، بحيث تجد نفسك مضطراً إلى تجنب الوقوع في الأخطاء والحسابات الخاطئة، على كل هذه الجبهات لكي تتأكد من أننا لن نشهد مواجهة أخرى هذا الصيف.
إذا عدنا سنة إلى الوراء، وعقدنا هذه الجلسة حينها، فلن أعرف عدد الأشخاص الذين كانوا سيتكهنون بدخول حزب الله وإسرائيل في حرب ستدوم 34 يوماً. لذلك، ينبغي أن نضيف المجهولات المعلومة، أو المعلومات المجهولة، لا أعرف أي الخيارين أنسب، للاحتمالات الأخرى التي يمكن أن تقع.
دعوني أركّز على سوريا وغزّة لكونهما نقطتين محتملتين. أعتقد أني سأتحدث عن وجهة نظر السوريين والفلسطينيين بشكل أساسي. وسأترك لمارتن مناقشة كيفية قراءة إسرائيل للأحداث. وأعتقد أيضاً أنه في كلتا الحالتين، لا توجد حظوظ كبيرة لاحتمال وقوع مواجهة شاملة. لكن المشكلة في هاتين الحالتين هي أننا أمام وضع ليس فيه نقاط مرجعية مشتركة، ولا هيكلية، سواء أكانت عملية سلمية أم شيئاً آخر. لذلك لدينا لاعبون، وكيانات، وحركات تتبع نمطاً افتراضياً قائماً على العنف إذا لم تترك لها مخارج منطقية.
لقد عدت للتو من رحلة زرت فيها إسرائيل وسوريا أخيراً، ووجدت أن الإسرائيليين مقتنعون بأن السوريين يستعدّون لخوض حرب هذا الصيف، ووجدت أن السوريين مقتنعون بأن الإسرائيليين يستعدّون لخوض حرب هذا الصيف أيضاً. في اعتقادي، الفريقان على خطأ. لكن هنا أيضاً، يعطيك هذا التحليل حساً بمدى محدودية الفهم في كلا الجانبين.
من وجهة نظر سورية، الفكرة التي أسمعها في بعض الأحيان في إسرائيل، والتي تقول بأن سوريا تفكر في شنّ هجوم لكي تفعل ما فعل أنور السادات في عام 1973، بعبارة أخرى، لفت الانتباه الدولي، وحمل الجهات المعنية على أخذ المصالح السورية بعين الاعتبار، وفهم حقيقة أنه يتعين من حيث الأساس تلبية بعض الاحتياجات السورية، فكرة خيالية بالكامل. وأنا لم ألتقِ بسوري واحد، داخل الحكومة أو خارجها، يؤمن للحظة بأن ذلك النظام سيخاطر بكل شيء، لأنه سيخاطر بكل شيء فعلاً، من أجل الدخول في مواجهة مع إسرائيل لن تخرج سوريا فائزة منها.
مارتن إنديكنعرض في ما يلي أبرز ما جاء في مداخلة مارتن إنديك:
ما نشهده اليوم من وجود «حماس» بوصفها نموذجاً مثالياً للعنف يحضِّر نفسه للعودة إلى المواجهة مع إسرائيل، ووضع لبناني متأجج شمالاً وجنوباً وموقف سوريا التي تلتف لتدافع عن نفسها. وفي الوقت نفسه تحاول إدارة دفة اللعبة في شمال لبنان، يوحي بوضع تنزلق فيه المنطقة نحو الحرب، وبروز «عصابة الأشرار» الذين يعيدون ترتيب أجندة المنطقة، وكل ذلك ليس إلا نتيجة لضعف أساسي ومستحكم في حكومات الدول ذات العلاقة. وهو أمر ينطبق على إسرائيل تماماً كما ينطبق على جيرانها؛ فرئيس الوزراء الإسرائيلي يخوض صراع بقاء في الساحة السياسية، وشعبيته تراجعت إلى حد كبير. فأولمرت بالكاد نجا من تقرير فينوغراد عن أدائه خلال الحرب على لبنان، لكن هذا التقرير هو التقرير المؤقت، أما التقرير الثاني فيبقى معلقاً كسيف مصلت على رقبته، ومن المتوقع أن يصدر خلال شهر آب، لكن هناك احتمال في أن يتأخر قليلاً. ومع التغييرات التي حصلت بعد انتخابات حزب العمل، يمكن القول بأن أولمرت يستطيع الصمود لفترة من الزمن فقط، لأنه ليس هناك أحد في الكنيست أو في الأحزاب السياسية الإسرائيلية يرغب في إجراء انتخابات مبكرة في الوقت الحالي. ومن المتعارف عليه في إسرائيل أن الحكومات الائتلافية تصمد لمدة سنتين من أصل أربع، هي مدة ولايتها، وبعدها ينهار كل شيء. وقد مضت سنة واحدة من عمر حكومة أولمرت، وبالتالي ما زال هناك المزيد من الوقت، على الرغم من أنّ عقارب الساعة تدق منذرة برحيلها. وبالتالي، فإن هذا الصراع من أجل البقاء، بحسب رأيي، يخوضه أولمرت باتجاه واحد فقط، وبالتأكيد هذا الاتجاه ليس خوض حرب جديدة.
أما بالنسبة إلى سوريا، فأنا أعتقد أن الرئيس السوري، بعد رحلته الأخيرة إلى إيران، أمر جنرالاته بالاستعداد للحرب، وليس ضرورياً الرجوع إلى التقارير الاستخبارية لنستنتج ذلك، إذ إن التصريحات والخطابات التي تصدر عن دمشق يومياً تقريباً تشير إلى ذلك.
ويقول السوريون إنهم يستعدون للحرب، لأنهم يتوقعون هجوماً إسرائيلياً، لكن الإسرائيليين حين يرون هذه التحضيرات للحرب والتسلح بأنظمة دفاعية جديدة، وتعزيز المواقع السورية بمحاذاة مرتفعات الجولان، يشعرون بأن طبول الحرب تقرع من جديد.
كيف يستجيب أولمرت لكل ذلك؟ من خلال التأكيد أن الجيش الإسرائيلي سيكون جاهزاً هذه المرة. ومن ناحية أخرى، من خلال إرسال رسائل متعددة إلى سوريا مع مختلف المسؤولين الغربيين مفادها أن إسرائيل «ليس لديها نيات لخوض حرب مع سوريا». وقد تحولت هذه الرسائل إلى دعوات تعبِّر عن الرغبة في التوصل إلى تسوية سلمية مع سوريا.
وبشكل مشابه، فإن أولمرت متردد في موضوع إعادة اجتياح غزة، ومع أنه بذل جهداً لا يستهان به من أجل الحد من تساقط صواريخ القسام على المستعمرات جنوبي إسرائيل، إلا أنه ما زال متردداً لأسباب متعددة، منها علمه المسبق بأن حماس مستعدة لمثل هذه الضربة، ولعلمه أيضاً بأن المعارك ستدور من شارع إلى شارع في غزة وفي مخيمات اللاجئين، وأيضاً لأن هناك سؤالاً يقض مضاجع الإسرائيليين: إذا ما دخلنا، فكيف سنخرج؟ فإسرائيل انسحبت أصلاً من غزة لأنها لم تعد تريد البقاء هناك، فإذا ما عادت إلى هناك فكيف ستخرج ثانية؟ وأخيراً، مع كل هذا القلق الذي ينتاب الجيش الإسرائيلي من النيات السورية، فلا أظن أنه يريد التورط في حرب في غزة إذا كان هناك حرب ستشن في الشمال مع سوريا وحزب الله. لذلك لا أظن أن أولمرت سيجد خلاصه السياسي في شن الحرب. فهل يمكن أن يحقق خلاصه من خلال إحلال السلام؟
يمكن أولمرت أن يعتمد على صدقية وزير الحرب الإسرائيلي الجديد إيهود باراك، الذي يعدّ من أكبر أبطال الحروب الإسرائيلية، للسير قدماً باتجاه السلام، لكن للأسف ليس لدينا أي فكرة عما سيود باراك أن يقوم به، وخصوصاً أنه خاض معركته في حزب العمل وسط صمت مطبق عمّا يجب أن تفعله إسرائيل بخصوص إشكالية الحرب والسلام. وإذا ما راجعنا مواقف باراك أخيراً، نجد أنه كان من المؤيدين لانسحاب أحادي الجانب، لكن الخطوات الأحادية واجهت الكثير من الانتقادات أخيراً بسبب الحرب على لبنان. وإذا ما راجعنا مواقف باراك في الماضي، نرى أنّه يعتقد بأن حل إشكالية الحرب والسلام التي تعيشها إسرائيل يبدأ من إقامة سلام مع سوريا، وبالتالي يمكن أن يدفع باراك أولمرت بهذا الاتجاه، وخصوصاً أن خيار الانخراط في مبادرة سلام مع سوريا يحظى بشعبية داخل إسرائيل اليوم بالذات من مؤسسة الأمن القومي في إسرائيل التي تدفع الحكومة بهذا الاتجاه، وخاصة لكونه بديلاً من خيار السلام مع الفلسطينيين.وأولمرت مفوض من الشعب الإسرائيلي بالانسحاب من الضفة الغربية. فعلى هذا الأساس خاض معركته الانتخابية، لكنه لم يعد مخولاً أن يقوم بهذا الأمر بشكل أحادي، بعد حرب الصيف الماضي على لبنان. لذلك، فإنه يتطلع بشكل متزايد على الدول العربية، فقد قبل النظر في المبادرة العربية، وأعلن أنه على استعداد للانخراط مع العرب في العملية السلمية على أساس هذه المبادرة، سواء أكانوا قادرين على أن يكونوا أوصياء على الالتزامات الفلسطينية تجاه السلام أم لا. إلا أن أطرافاً في الرباعية العربية مثل مصر والسعودية، قرّرت أن تجمد العملية السلمية بانتظار انتخاب الرئيس الأمريكي الجديد، قبل أن يفكروا بشيء جدي على صعيد التسوية السلمية.
لذلك فإن ما لدينا الآن، بحسب اعتقادي، هو رئيس وزراء إسرائيلي يرغب في الانخراط في تسوية سلمية ليس من أجل تحقيق خلاصه السياسي، لكن لا خيارات جيدة في هذا المجال، كما ليس لديه القوة للمضي قدماً. وفي الظروف الطبيعية، فإن ضعف الأطراف يمكن تعويضه بشكل أو بآخر من خلال تأثير الولايات المتحدة على الأطراف المعنية. لكن وضع الإدارة الأمريكية ليس في أحسن أحواله، وخصوصاً أن بوش لديه أقل من سنة ليصبح بعدها بطة عرجاء، غير قادرة على القيام بأي دور فاعل. لكن باعتقادي أن الولايات المتحدة يمكنها أن تضع تصوراً لأفق سياسي للتسوية السلمية، وقد سبق للرئيس الأميركي أن وضع البنود الأساسية في هذا المجال، حين تحدث عن إنهاء الاحتلال الذي بدأ عام 67، وعن توطين الفلسطينيين في البلدان التي تستضيفهم. وبالتالي، فإنّ بإمكانه وضع المزيد عن القدس وعن موضوع الحدود، في رزمة يمكن أن تكون أقرب إلى المعايير التي وضعها الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون. وحينها، يمكن أن تنخرط الأطراف العربية، بما فيها سوريا، والرباعية الدولية إلى جانب إسرائيل في اجتماع يضمها لتضع تصوراتها عن الحل النهائي للصراع العربي الإسرائيلي.
هل يمكن تحقيق ذلك؟ إن هذا الأمر يعتمد على قدرة كل هؤلاء اللاعبين الضعفاء على التعاون مع بعضهم إزاء التهديد المتمثل بالفوضى والتطرف الإسلامي، وإذا ما كان ذلك سيدفعهم إلى المضي قدماً باتجاه مختلف أكثر إيجابية مما يلوح في الأفق هذا الصيف.
المصدر
معهد بروكينغز
(5 حزيران 2007)
العنوان الأصلي
A Long, Hot Summer: What The Lebanon and Gaza Crises Mean For U.S Policy in the Middle
East
المشاركون في النقاش: بروس ريدل، روبرت مالي، ومارتن إنديك
اجزاء ملف "ما الذي تعنيه أزمتا لبنان وغزّة بالنسبة إلى السياسة الأميركية؟":
الجزء الأول |
الجزء الثاني