نهر البارد ـ نزيه الصديق البدّاوي ـ عبد الكافي الصمد

الأونـــروا تقتـــرح منـــازل مؤقّتـــة في البـدّاوي والنـازحون يطالبـون بالعودة و«الإسهام بالإعمار»

يمكن اعتبار يوم أمس يوم الطيران بامتياز، بعدما شاركت طائرات للجيش على دفعتين، في قصف مواقع مسلحي تنظيم فتح الاسلام في مخيم نهر البارد، الأمر الذي ساعد على ما يبدو، في إلحاق إصابات مباشرة بالملاجئ والأبنية التي يتحصن بها المسلحون داخل المربع الامني من المخيم القديم.
وكانت الدفعة الأولى من الطائرات، وعددها ثلاث من طراز غازيل، قد أغارت امس بين السادسة والنصف صباحاً والسابعة إلا ربعاً مطلقة صاروخين أصابا مباشرة مواقع للمسلحين، بعدما نفّذت جولة استطلاعية في سماء المخيم، وأعقب ذلك قصف مدفعي عنيف ومركّز على محيط مقر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـــــ القيادة العامة عند المحور الجنوبي، وعلى مثلث مركز ناجي العلي الطبي ـــــ التعاونية ـــــ مستوصف الشفاء، عند المحور الشمالي الشرقي، حيث «ما يزال موقعان جنوب التعاونية يتحصن بهما مسلحون يواجهون تقدم الجيش»، حسبما أفاد مصدر عسكريأما الدفعة الثانية من الطائرات فأغارت على المخيم قرابة الساعة الرابعة والربع عصراً، مطلقة أكثر من صاروخ على مواقع المسلحين، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع سحابة واسعة من الغبار فوق سماء المخيم، إضافة الى الدخان الأسود الذي انبعث جراء اشتعال حرائق كبيرة في وسط منطقة سعسع.
وترافق الهجوم الجوي مع اشتباكات عنيفة اندلعت قرابة السادسة صباحاً، وخفّت ظهراً قبل أن تعاود وتيرتها المرتفعة قبل العصر، استطاع فيها الجيش التقدم داخل السوق القديم مسافة تقدر بنحو سبعين متراً، أسهمت في شق المخيم القديم نصفين، وجعلت حركة المسلحين واتصالاتهم في ما بينهم مقطوعة، بعدما باتت إقامتهم في الملاجئ الأمر الوحيد المتاح أمامهم.
وكانت معلومات قد أفادت بأنه تم إحباط محاولة تسلل نفّذتها بها مجموعة مسلحة صباح أمس باتجاه مواقع الجيش عند المحور الشمالي، وأنه تم قتل عدد من أفرادها. كذلك حققت وحدة من مغاوير البحر فجراً اختراقاً مهمّاً عند المحور الغربي، إذ باغتت مجموعة من المسلحين على مدخل مخبأ في محيط حي المغاربة، فقتل أفراد المجموعة وجرح ثلاثة آخرون، وتمت السيطرة على المخبأ الذي بدا مثل غرفة عمليات. كذلك سيطرت على مواقع للقناصة حيث كانوا يتمركزون في مبان عالية.
وعلى صعيد الاتصالات التي تبذلها رابطة علماء فلسطين من اجل إيجاد مخرج نهائي للأزمة، أشار عضو الرابطة الشيخ محمد الحاج لـ«الأخبار» إلى أن «الجيش أمّن كل التسهيلات لدخولنا، بعدما أوضح لنا أن لا مشكلة لديه في ذلك»، لافتاً إلى أن «المشكلة التي ما تزال تواجهنا هي تعذّر الاتصال بأي من قادة فتح الاسلام ومسؤوليها، إضافة الى المخاطر الامنية نتيجة وجود ألغام كثيرة في الشوارع والأحياء داخل المخيم».
وفي مخيم البداوي، يدور منذ أيام نقاش حام وحاد بين مسؤولي الفصائل الفلسطينية في المخيّم ومسؤولي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، يتناول الخطوات الواجب اتخاذها لمعالجة قضية النازحين من مخيّم نهر البارد، قبل حلول شهر رمضان وموسم المدارس وفصل الشتاء.
وارتفعت وتيرة هذا النقاش أخيراً، بسبب عدم اتخاذ الأونروا أي خطوات عملية على الأرض حتى الآن، على الرغم من ضيق الوقت ومداهمة أكثر من استحقاق، خصوصاً بالنسبة للأفراد والعائلات النازحة والمقيمة في المدارس والمساجد، وخشية أن تتم تسوية الأمور بشكل هامشي وجزئي ومؤقت، لتصبح مع مرور الأيام تسويات دائمة وحاضرة بحكم الأمر الواقع، مع ما سينتجه ذلك من عدم استقرار على الصعد الأمنية والسياسية والاجتماعية والصحية والإنسانية.
ومع أنّ أفكاراً وخططاً وبرامج كثيرة طرحها أكثر من طرف لمعالجة موضوع النازحين، وتجنب تداعياته السلبية نتيجة التراكمات العديدة المتعلقة به، فإن الأونروا ما تزال تتردد حتى الآن في اتخاذ خطوات جدية وملموسة، في أمور متعلقة بها أولاً، ذات طابع قانوني وإداري محض، وأخرى تتحمّل الفصائل الفلسطينية والحكومة اللبنانية جزءاً منها، بسبب الروتين الإداري والبيروقراطية ورتابتها.
فبعدما اصطدم خيار اسئتجار الأونروا عقارات في جوار مخيم نهر البارد لإقامة مساكن مؤقتة عليها لإيواء النازحين، إلى حين إعادة إعمار المخيّم وعودتهم إلى منازلهم، بعوائق وإشكالات قانونية متعلقة بملكية العقارات، تدرس الأونروا اليوم أكثر من عرض مقدم لها بهذا الخصوص، مع تشديدها على أن تكون هذه العقارات قانونية مئة في المئة، إلى جانب ضرورة أن تكون هذه العقارات في جوار مخيم نهر البارد وقريبة منه، وهو المطلب الأساسي الذي ركزت عليه أغلبية النازحين ومسؤولي الفصائل.
ومع أن العروض المقدمة إلى الأونروا بهذا الخصوص كانت كبيرة، وهو أمر بدا لافتاً بعدما كانت التوقعات تشير إلى أن الأبواب ستوصد أمام أي اقتراح لإقامة مخيم بديل، ولو مؤقتاً، لمخيم نهر البارد بعد الأحداث الأخيرة التي ما تزال دائرة فيه، فإن الأونروا ما تزال تشترط انتهاء العمليات العسكرية، قبل إقدامها على أي خطوة بهذا الخصوص.
ولاقى القرار المبدئي للأونروا رفضاً فلسطينياً جامعاً في الشمال، لأن انتهاء العمليات العسكرية غير معروف، ولأن أوضاع النازحين لا تستطيع الانتظار أو التحمل أكثر من ذلك.
لكن الأونروا عرضت في المقابل إقامة نحو 1100 وحدة سكنية مؤقتة في محيط مخيم البداوي، وهي مسألة ما تزال موضوع أخذ ورد، لأن هذه الوحدات لا تكفي سوى ما يقارب خُمس العائلات النازحة من مخيم نهر البارد، والتي بلغ عددها حسب الإحصاء الأخير للأونروا 5125 عائلة.
مسؤول الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين في الشمال أبو لؤي أركان بدر شدد لـ«الأخبار» على ضرورة أن تتم إعادة الإعمار «بمساهمة أبناء المخيم ومساعدتهم اختصاراً للوقت وتسريعاً في عملة العودة»، مؤكداً على «ضرورة أن تحافظ عملية إعادة الإعمار على النسيج الاجتماعي لمخيم نهر البارد، وعلى خصوصيته الجغرافية والسياسية والاقتصادية، خصوصاً أنه سوق تجاري رئيسي للجوار اللبناني في عكار والمنية وطرابلس».