عرفات حجازي
لم تفضِ اللقاءات والمشاورات التي أجراها وما زال يتابعها السفير السعودي في لبنان الدكتور عبد العزيز خوجة إلى أي خلاصات يمكن أن تشكل مرتكزاً لمبادرة ما على أبواب استحقاق مفصلي تشتعل أجواؤه كلما اقتربنا من موعده المحدد.
فالتحرك الاستطلاعي للسفير خوجة لم يخرج بعد من إطار تقريب وجهات النظر بين القيادات اللبنانية لمساعدتها على التوصل إلى مخرج لإنهاء الأزمة الراهنة من دون أن يطرح أفكاراً واضحة لتقليص مساحات التباعد والخلاف بين الموالاة والمعارضة، ويوفق بين أولويات متعارضة. أقلية تشترط تأليف حكومة وحدة وطنية مدخلاً لبدء الحوار في الرئاسة من زاوية التوافق على اسم الرئيس الجديد للجمهورية، وأكثرية تشتبه في نيات المعارضة لإسقاط الموقع الدستوري الأول وأخذ الحكومة بالثلث المعطل وسعيها إلى أخذ الرئاسة بعنوان التوافق.
وإزاء هذه السقوف المرتفعة يحاول السفير السعودي من خلال نقله لأفكار الطرفين التوصل إلى جوامع مشتركة حول النقاط المطروحة ووضعها في سلة واحدة ومقاربتها مع صيغة حل يقبل بها الجانبان بدعم ومؤازرة من القيمين على المبادرتين الفرنسية والعربية. وبات في قناعة السفير خوجة، كما في قناعة كل العاملين على خط معالجة الأزمة أن من غير الممكن اجتراح أي حل من دون إزالة أزمة الثقة التي تتحكم بمواقف الأطراف المتنازعة، وإن بدايات الحلول تكمن في إجراءات إعادة بناء الثقة، ما يفتح الطريق أمام حوار هادئ لإنتاج تسوية لا غلبة فيها لطرف على آخر.
ولم يعد خافياً أن العقدة التي تصطدم بها المبادرات هي آلية التوفيق بين طرحي أولوية الرئاسة أو الحكومة، ففريق الموالاة متمسك بمسألة التزامن بين الموضوعين الحكومي والرئاسي، بمعنى إذا تم الاتفاق على موضوع الحكومة وفق القاعدة المعروفة، وتم الاتفاق على رئيس الجمهورية، تتوجه الأكثرية والمعارضة نحو جلسة 25 أيلول في ظل حكومة وحدة وطنية لتنتخب رئيس الجمهورية المتوافق عليه. لكن نظرية التزامن هذه لا يمكن ترجمتها عملياً، لأن الحكومة يمكن أن تولد الآن، أما الانتخابات الرئاسية، فلا تصح قبل الخامس والعشرين من أيلول المقبل. من هنا إصرار المعارضة على فهم التلازم وفق الصيغة المعقولة التي طرحها الرئيس بري على الوزيرين الفرنسي والإسباني، وخلاصتها تأليف حكومة وحدة وطنية مع ضمانة بعدم استقالة وزراء المعارضة منها والاتفاق على رئيس توافقي ينتخب وفق الأصول الدستورية مع تشكيل لجنة من الطرفين لوضع حكومة الوحدة موضع التنفيذ خلال أسبوع.
إلا أن نقطة الضوء في مسار المعالجات المعقدة للأزمة القائمة هي تسليم الجانبين بضرورة احترام المهل الدستورية وعدم تعطيل جلسة الاستحقاق، إدراكاً منهما لمخاطر الفراغ، إضافة إلى أن فكرة الرئيس التوافقي التي يروج لها الرئيس بري والبطريرك نصرالله صفير ليست مرفوضة من أحد، لأنها لا تقوم على مبدأ استبعاد أي مرشح، سواء من 14 آذار أو 8 آذار. فقد يحصل التوافق على مرشح من هذا الطرف أو ذاك، وإذا تعذر، فمن خارج الثلثين، المهم هو احترام قاعدة التوافق.
من هنا ربما تريث فريق السلطة في حسم مسألة اختيار مرشح من صفوفه قبل أن تتحدد المواصفات والمعايير لهذا الاختيار، وهل سيكون مرشح تسوية أم مرشح معركة؟ أم أن الأسلم هو اعتماد سلم متحرك للخيارات، في حين أن المعارضة تبتعد حتى الآن عن الدخول في معترك التسمية، لأن أي جنوح منها في هذا الاتجاه قد يعني فرضية تخليها عن المرشح الأوحد لديها، هو العماد ميشال عون.
وإذا كان الطرفان يحاذران الكشف عن أوراقهما الرئاسية، فإن المعلومات الشحيحة التي تسربت عن قمة الرئيس الاميركي جورج بوش والفرنسي نيكولا ساركوزي، وكان لبنان حاضراً فيها بين جملة ملفات، ذكرت أن الرئيس الفرنسي الذي قدم قراءته لأزمة لبنان والمخارج المحتملة لها ناقش مع نظيره الأميركي إمكان الوصول إلى تفاهم على رئيس جديد للجمهورية في لبنان لا يشكل تحدياً لأحد ويكون على مسافة واحدة من الطرفين المتنازعين، ويمكن أن يشكل نقطة تقاطع بين الدول المعنية والفاعلة في الأزمة اللبنانية. كما تفيد المعلومات بأن ساركوزي ناقش مع مضيفه الأميركي اقتراحاً فرنسياً يعطي الأولوية لمؤتمر دولي إقليمي سبق للدبلوماسية الفرنسية أن طرحته للتشاور مع السعودية ومصر والجامعة العربية وفرقاء النزاع في لبنان، والهدف منه إيجاد حل مستدام للأزمة في لبنان.
لكن ما ظل غامضاً حتى الآن هو عدم صدور إشارات عن مصير المبادرة الفرنسية، وإذا ما كانت السياسة الفرنسية ستظل ملحقة بالقاطرة الأميركية وتخضع للمؤثرات والعوامل الأميركية في الداخل اللبناني أم أنها ستتحرك وفق خريطة طريق متفاهم عليها مع الأميركيين بعد إقناعهم بجدوى دعم التحرك الفرنسي لإنقاذ لبنان، ولا سيما أن هذا التحرك غير المنحاز يلقى قبولاً من العواصم الفاعلة في الملف اللبناني.
ويقول متابعون دبلوماسيون للشأن اللبناني إن الوقت غير مفتوح أمام الجانب الأميركي الذي يشكل محوراً أساسياً لكل أزمات المنطقة، فالإدارة الأميركية مضطرة إلى حسم خياراتها في الأشهر القليلة المقبلة، وليس من مصلحتها تصعيد المواجهات في المنطقة والدخول في غمار حروب جديدة. ورأى هؤلاء في موقف بوش الأخير منع التعامل مع ما يمس الديموقراطية في لبنان وحديثه عن تجميد موجودات الأشخاص الذين يسهمون في تهديد الاستقرار نوعاً من الضغوط لتأمين حصول انتخابات الرئاسة وقطع الطريق على أي خيارات تصعيدية قد يلجأ إليها البعض ودفع اللبنانيين إلى التوافق على الرئيس الجديد وإعادة التسوية إلى اجتماعهم السياسي ومؤسساتهم الدستورية.