نهر البارد ـ نزيه الصديق
النازحون في البـداوي يفضحـون «السماسـرة» والفصائل تحذّر: «لا ترموا حجراً في بئر»

تواصلت يوم أمس العمليات العسكرية في مخيم نهر البارد، ودخلت في مرحلة بالغة الأهمية والدقة، بعدما استمر اشتراك سلاح الطيران الحربي في المعارك إلى جانب القوات البرية التابعة للجيش اللبناني، فضلاً عن انضمام الزوارق الحربية في عملية تضييق الحصار والخناق على مسلحي تنظيم فتح الإسلام المتحصنين في مربع أمني صغير يقع عند الجهة الغربية الجنوبية من المخيم.
وكانت المروحيات العسكرية اللبنانية قد قصفت في الأيام الأخيرة المخيم للمرة الأولى منذ بدء المعارك قبل 85 يوماً، وألقت قنابل عدة تزن الواحدة منها نحو 250 كلغ، على تحصينات ومواقع تحت الأرض للمسلحين، الذين لا يزالون يسيطرون على نحو 15 ألف متر مربع من مساحة المخيم، وتحديداً حول مركز الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـــــ القيادة العامة، وحي المهجرين، و حي سعسع الواطي الذي يضم سبعة ملاجئ متصلة بسراديب وانفاق يُصطلح على تسميتها «ملجأ أبو عمار».
وقبل ظهر أمس دارت اشتباكات متقطعة في عمق المخيم، وتحديداً في محيط أحياء سعسع والغوارنة والجاحولا، وأفيد عن مقتل عدد من المسلحين بعد محاولة هجوم قاموا به على وحدات من فوج المغاوير في أطراف حي الدامون، فيما تقدمت وحدات من المغاوير والمجوقل باتجاه سوق الخضار والحي الشمالي من المخيم.
وبينما كانت الاشتباكات تعنف بين حين وآخر على مختلف المحاور، استكمل الجيش قصف المواقع الباقية لفتح الإسلام داخل المخيم، وعنفت الاشتباكات أكثر من مرة، برغم هدوئها بعض الفترات، وقصف الجيش بشكل مركز مواقع المسلحين بمدفعية غير مرتدة من عيار 106 ملم، في وقت سجلت فيه تحركات كثيفة للزوارق الحربية قبالة المخيم، وشاركت بإطلاق النيران على مواقع المسلحين.
وفي إطار عمليات التمشيط والضغط، دهم الجيش اللبناني عدداً من المواقع والمخابئ داخل المخيم، وعثر فيها على ذخيرة وأسلحة وصواعق ومواد تفجيرية؛ كما تمت السيطرة التامة على حي المهجرين، الذي شكل في الأيام السابقة عائقاً كبيراً أمام تقدم الجيش، وعثر في داخله على أحد الأنفاق الهامة جداً، وفي داخله وحدات سكنية مقسمة إلى عدة غرف مفروشة، تبدو مسكناً لقادة التنظيم، مجهزة بكاميرات مراقبة.
وفي الوقت الذي أُفيد فيه بأن الجيش أحرق أبنية عدة على أطراف المربع الأمني، أكد ناطق عسكري أن «أبنية عدة تم تدميرها بمختلف الوسائل، لتفجير الألغام والعبوات الناسفة» التي يمكن أن تكون قد زرعت داخلها، فيما قال ضابط لبناني إن «روائح كريهة تنبعث من أرض المعركة بسبب تعفن جثث المسلحين في المكان»، بينما أوضح مصدر طبي أن «الكثير من العسكريين اللبنانيين أصيبوا بحالات تقيؤ بسبب الروائح الكريهة المنبعثة، ونقلوا إلى المستشفيات».
وفي الوقت الذي تجمّع فيه عشرات المواطنين قرب مدافن منطقة باب التبانة في طرابلس احتجاجاً، بعدما تلقوا معلومات مفادها أن ذوي شهاب قدور (أبو هريرة) ينوون دفنه في تلك المدافن، أوضح عضو رابطة علماء فلسطين الشيخ محمد الحاج أن «الجيش اللبناني قدم كل التسهيلات من أجل إجلاء من بقي من المدنيين داخل مخيم نهر البارد، وخصوصاً عوائل مسلحي تنظيم «فتح الإسلام»، إلا أن أي نتيجة ملموسة لم نتوصل إليها بعد».
واشار الحاج إلى أن «الحديث عن تشكيل لجنة أمنية فلسطينية مشتركة لحل الأزمة كان مرتبطاً بالمبادرة السابقة التي طرحناها، وهو أمر لم يعد يقبل به الجيش اللبناني الآن، بعد التغيير والإنجازات التي حققها على الأرض»، لافتاً إلى أن «شروط الجيش ومطالبه في هذا المجال واضحة، وهي تتمثل في حل التنظيم نفسه أولاً، وتسليم المسلحين أنفسهم وأسلحتهم إليه ثانياً، ومن ثم إحالتهم على القضاء، مع ضمان إجراء محاكمة عادلة لهم، على قاعدة عدم التدخل في شؤون القضاء وعمله».
ونفى الحاج وجود أي مبادرة جديدة لدى الرابطة بهذا الخصوص، لافتاً إلى أن «الجيش يرفض الحديث في أي تسوية لا تتضمن موضوع تسليم المسلحين أنفسهم بالدرجة الأولى»، مشيراً إلى أن «الشروط التي وضعها شاهين شاهين، أحد قادة التنظيم، لتسليم المسلحين أنفسهم لم يقبل بها الجيش».
وفي مخيم البداوي (عبد الكافي الصمد)، خرجت أزمة نازحي مخيم نهر البارد، في اليومين الماضيين، إلى العلن بشكل لم يكن مفاجئاً لأحد، وإن كان أكثر من طرف فلسطيني حاول استيعاب حال التذمر الشديد الذي بدأ يسود أوساط النازحين، من غير أن يفلحوا في منع صدور بيانات، وللمرة الأولى، تتهم «جهات معينة»، لم تسمها، بمحاولات طيّ ملف عودتهم إلى بيوتهم، واستغلال حملات الإغاثة من أجل تحقيق مكاسب مادية خاصة.
فبعدما كان مثل هذا الكلام يدور همساً، خشية انفلات الأمور أولاً، ومن أجل عدم الالتهاء بالقشور والقضايا الجانبية على حساب عودة النازحين ثانيا، وزّع نازحو مخيم نهر البارد المقيمون في مخيم البداوي بيانين من جهات غير معروفة سابقاً، كان لافتاً فيهما شدّة لهجتهما الانتقادية، وحجم الاتهامات التي وزّعت في غير اتجاه، من غير إخفاء عبارات الإنذار، والتهديد بقيامهم بتحركات احتجاجية.
فالبيان الأول الذي حمل توقيع مهجري مخيم نهر البارد، أشار إلى أنه «بدأت تتكشف حقائق وخفايا ما خطط ويخطط لمخيمنا، ابتداء من تحميلنا وزر ظاهرة «فتح الإسلام»، مروراً بتهجيرنا وتدمير مخيمنا وبيوتنا واستباحة أموالنا وممتلكاتنا، وصولاً لمحاولات طيّ ملف عودتنا إلى مخيمنا عبر أساليب متدرجة، وحلول جزئية لا تشي إلا بنتيجة واحدة مؤدّاها أن مخيم نهر البارد هو تل زعتر جديد».
وأعلن النازحون في البيان عن «رفضهم المطلق لأي مشروع إسكان في محيط مخيم البداوي أو أيّ مكان آخر»، مطالبين «باستئجار أراض في محيط مخيم نهر البارد»، وداعين الأونروا إلى «الإسراع في تلبية احتياجات النازحين لمواجهة فصل الشتاء الذي بات على الأبواب»، معلنين رفضهم أن «تقوم أيّ جهة بالتكلم أو التفاوض باسمنا»، ومهددين بأنهم «مستمرون في التحركات إذا لم يذعن لمطالبنا المحقة والعادلة، وقد أعذر من أنذر».
أمّا البيان الثاني الذي حمل توقيع «لجان الرعاية الصحية والاجتماعية ومكافحة الفساد»، فتساءل عن ذاك «السمسار الذي أساء للكويت وشعبها والهلال الأحمر الكويتي، من خلال شرائه أرزّاً يسبح فيه السوس، وشاياً من أردأ الأصناف، وحصراً رقيقة، وأواني بلاستيكية لا تخدم يوماً واحداً، وكرتونات إعاشة سُرقت منها طناجر الطبخ»، لافتاً إلى أن هذا السمسار «وضع تسعة أعشار المبلغ المقدم له في جيبه»، مطالباً بمحاكمته، ومحمّلاً المدير العام للأونروا في لبنان، والسفير الكويتي في بيروت «مسؤولية متابعة هذا الموضوع».
هذا التطور استدعى اجتماعاً طارئاً لقيادة المقاومة واللجان الشعبية الفلسطينية في الشمال، نوقشت فيه «البيانات غير المسؤولة التي تم إصدارها بأسماء مختلفة»، وتم التنبيه عبره من «مغبة سعي البعض لتكرار مشاهد التظاهرات الدموية التي حدثت في مخيم البداوي، والتوتر الشديد الذي ساد العلاقات مع محيطه، لأنه إذا رمى مجنون حجراً في بئر، فإن مئة عاقل لا يستطيعون إخراجه منه»، على حد ما قال مسؤول في اللجان الشعبية لـ«الأخبار».
وأعقب الاجتماع بيان طالب الأونروا بـ«الإسراع في استئجار عقارات على تخوم مخيم نهر البارد، لطمأنة أبناء شعبنا بأن عودتهم أكيدة إلى المخيم، والتعجيل بإقامة السكن المؤقّت واللائق في محيط مخيم البداوي، ضمن رؤية المقاومة للحفاظ على النسيج الاجتماعي والوطني لأبناء شعبنا، ولإنقاذ العام الدراسي 2007 ـ 2008». وأشار البيان إلى أنه تمّت الدعوة «لعقد اجتماع جماهيري لتدارس قضية إعمار مخيم نهر البارد والعودة المحتّمة إليه».