إبراهيم الأمين
بدو أن السجال السياسي القائم سوف يتجدّد بقوة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وسوف يكون فريقا النزاع أمام استحقاق الإجابة عن سؤال حول اسم المرشح الرئاسي لكل منهما وحول برنامجه التوفيقي مع القسم الآخر من اللبنانيين. وإذا كان فريق السلطة أكثر ارتباكاً لكثرة المرشحين في صفوفه، فهو يحظى مسبقاً بدعم من قسم لا بأس به من اللبنانيين، وبدعم قوى مؤثرة في البلاد العربية وفي العالم، بينما تبدو المعارضة أكثر ارتياحاً لناحية أن مرشحها الوحيد هو العماد ميشال عون، الذي يحظى بدعم جدي من كتلة شعبية كبيرة تمثل أكثر من نصف اللبنانيين، لكنه يحتاج الى تغطية ولو جزئية من بقية اللبنانيين ويحتاج أكثر الى دعم القوى المؤثرة إقليمياً وخارجياً.
وبناءً على ذلك، يبدو أن فكرة «التسرب» من قوى 14 آذار تبدو أقرب الى العقل، لناحية بروز أسماء تريد أن تقول إنها تملك القدرة على التمايز ما يمنحها هامشاً يقرّبها من فريق المعارضة، وإنها تحظى بقدر مقبول من التقبل أو التفهم العربي والغربي، وهو الأمر الذي يهدّدها بحملة من صقور 14 آذار الذين سيتعاملون معها وفق «حكم المرتد»، ما يعني أن التسوية الاضافية تتطلب تنازلات كبيرة، وهي الفكرة الموجودة الآن لدى الفريق العامل في وزارة الخارجية الفرنسية الذي يتصرف على أساس أن ما قام به حتى الآن يوفر له فرصة التواصل مع القوى اللبنانية كافة للقيام بدور معها إما لمنع الانفجار أو لاحتوائه إذا وقع. وهو منطق يقوم على فكرة تسوية تأتي برئيسين للجمهورية والحكومة من خارج الاستقطاب الحاد القائم، وما يقود الى اتفاق على قانون جديد للانتخابات النيابية تنتج عنه سلطة قادرة على قيادة الدولة خلال السنوات المقبلة.
وإذا كان فريق المعارضة يقترب من إعلان موقف نهائي ورسمي من ترشيح العماد عون، فإن فريق 14 آذار بدأ مداولات أولية حول هوية المرشح، بين رأي يقول بمرشح واحد تخاض لأجله معركة داخلية وخارجية، وبين رأي يقول بمرشحين أحدهما لمعركة مواجهة وآخر لمشروع تسوية، على أن تُقيَّد كل القوى المنضوية في إطار فريق 14 آذار بالتزام خطة موحدة بشأن أسلوب التعامل مع طريقة انتخاب الرئيس إذا فشلت التسوية، وهو الأمر الذي يحتاج الى مصادقة من اطراف خارجية في مقدمها السعودية والولايات المتحدة الاميركية، علماً بأن الكلام عن دعوة واشنطن أركان 14 آذار الى اختيار سريع للمرشح الرئاسي لم تؤكده قوى بارزة في هذا الفريق، لم تنف وجود تيار يدعم بقوة ترشيح النائب السابق نسيب لحود الذي يحظى بدعم من القيادة السعودية ولا ممانعة من الولايات المتحدة وفرنسا.
وإذا كان فريق السلطة لعب كثيراً على نتائج الانتخابات الفرعية في المتن الشمالي بقصد القول إن الدعم المسيحي للعماد عون تراجع، فإن هذا الفريق اضطر الى لعبة مذهبية داخل الطرف المسيحي من شأنها إثارة الكثير من المشكلات الكبيرة بالنسبة إلى بقية المرشحين، إذ إنه لا يعقل أن يخرج مرشح من هذا الفريق ويدّعي أنه يملك قوة في الوسط الماروني توازي القوة التي حصل عليها الرئيس أمين الجميل في ظروف خاصة، وما ناله من أصوات له صلة بأمور كثيرة لا يمكن أن يحصل عليه أي من المرشحين الآخرين لـ14 آذار، فببساطة شديدة لم يكن أي مرشح آخر غير الرئيس الجميل في الانتخابات الفرعية الاخيرة، ليحصل على هذا الاستنفار ولا على هذا القدر من الأصوات، وهو أمر من شأنه فتح الباب أمام سؤال: هل بين شخصيات 14 آذار الرئاسية من هو اليوم أقوى من الرئيس الجميل؟ وهل يقدر الأخير على ادعاء أنه يملك نصف قوة العماد ميشال عون خارج المتن الشمالي؟
ولأن فريق السلطة يتصرف دون رقابة ودون مساءلة، فهو يذهب بعيداً في المغالاة، مثل أن يصنع لنفسه نصراً من تمر ثم يباشر بأكله وتوهّم أشياء كثيرة من حوله، فإن المشكلة الرئيسية لدى فريق السلطة ستظل في الدور الحقيقي الذي تضطلع به «القوات اللبنانية» وقائدها سمير جعجع الذي عاد الى لعبته التي جرّبها وخبرها في سنوات الحرب الأهلية حين كان يعمل دون توقف على التخلص من خصومه المسيحيين أولاً، وهو الآن يتصرّف على أساس أن عون خسر وأن الجميل خسر وأن عليه الآن التخلص من آخرين من المرشحين الاقوياء حتى يصل بالوضع الى حدود القول إنه ليس هناك شخص قادر غيره على مواجهة مرشح المعارضة، ولا سيما ان جعجع يستطيع اليوم ادعاء أن ما يعلنه كل من سعد الحريري ووليد جنبلاط من مواقف أساسية مطابق لما يقوله هو وما يفكر به هو منذ سنوات بعيدة، وأن الأركان المسلمين في 14 آذار هم من جاء صوب خطاب الفريق المسيحي في 14 آذار، وبالتالي فإنه يقدر على القيام بالدور الاضافي الذي يسمح له بالقول إنه مرشح حقيقي.
إلا أن اللاعب الأضعف في كل المعركة المقبلة سوف يكون هذه المرة البطريرك الماروني نصر الله صفير، الذي يبدو أنه وصل الى مرحلة لم يعد فيها قادراً على أن يمون على أحد من القوى المتنازعة، وجاءت تجربة المصالحة التي لم تحصل في المتن الشمالي لتفقده دوراً مزعوماً بالتأثير على قوى 14 آذار حتى لو لم تتوقف هذه القوى عن القول إنها تحت أمر بكركي وسيدها، ليضاف ذلك الى مشكلة صفير الدائمة مع العماد عون وفريق المعارضة، ما يجعله غير قادر إلا على الصراخ تماماً كما كان يفعل في الفترة السابقة على تسلم فريق 14 آذار السلطة، مع فارق أنه كان في تلك الفترة الوعاء الذي يجمع كل المعارضين للسلطة ولسوريا. وبالتالي لا أحد في الفريقين المتنازعين يقبل تصويتاً لبكركي بقصد حسم الموقف، وإذا حصل أن دعم ترشيح أحد من 14 آذار فسوف يكون في مواجهة حقيقية لا شكلية مع الآخرين، وإذا تجرأ على تبنّي رأي غالبية المسيحيين بدعم العماد عون فهو سيواجه بلامبالاة فريق الاكثرية تماماً كما حصل مع مشروعه للتسوية في المتن، وهذا الأمر سوف يكون له تأثيره الكبير إلا إذا بادر الفاتيكان الى دور إنقاذي لموقع الكنيسة في هذه المرحلة أو إذا ربط الفريق المسلم موقفه من الملف الرئاسي بموقف بكركي منعاً لمزيد من الانقسامات الداخلية.