عمر نشابة
نشرت «الأخبار» منذ صدورها مقالات عديدة حول مشكلة قانونية واجتماعية ومؤسّساتية تعانيها الجمهورية اللبنانية منذ تأسيسها، وهي التعذيب الجسدي والنفسي الذي يمارسه بعض الاحيان رجال الأمن خلال التحقيقات الجنائية. وكانت آخر هذه المقالات قد نشرت أمس نقلاً عن قرار ظني صادر في 9/7/2007 عن قاضي التحقيق الرئيس ماجد مزيحم الذي ذكر حرفياً «أنكر المدعى عليه إقدامه على ترويج المخدرات وأضاف أن ما ذكره في التحقيق الاولي لهذه الناحية كان تحت تأثير العنف والاكراه. وتبيّن أن الطبيب الشرعي عاين المدعى عليه ونظّم تقريراً مفاده وجود آثار للعنف على جسمه». نشرت «الأخبار» أجزاءً من القرار الظني الصادر عن النيابة العامّة اضافة الى تقرير الطبيب الشرعي حرفياً ولم تضف أي رأي أو تعليق في هذا الشأن.
إن نشر المقال يتعلّق بالشفافية الضرورية في الانظمة الديموقراطية الحريصة على العدل عبر المساءلة والمحاسبة. وهو يتعلّق أيضاً باحترام حرية الصحافة الملتزمة أخلاقياً ومهنياً. ليس نشر مقال عن لجوء الشرطة الى التعذيب خلال التحقيقات الجنائية موقفاً سياسياً تتخذه «الأخبار» من قوى الأمن الداخلي أو بعض ضباطها وعناصرها كما افترض أحد العمداء الذين نقدّر ونحترم. وكان العميد الصديق نفسه الذي يتمتّع بخبرة طويلة في مجال مكافحة الجريمة، قد أصدر أوامر صارمة بمنع التعذيب وقام بجهود حثيثة للتقيّد بمبادئ حقوق الانسان التي وعد باحترامها المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء أشرف ريفي في خطاب تسلّمه إدارة مؤسسة الشرطةالرئيسية.

مشكلة التعذيب

يُعد التعذيب مشكلة خطيرة وطارئة لأسباب عدّة أهمّها خمسة:
أوّلاً، ان التعذيب مخالف للقانون اللبناني وتحديداً قانون اصول المحاكمات الجزائية وقانون العقوبات وقانون تنظيم قوى الامن الداخلي (القانون 17) اذ تنصّ المادة 47 من قانون اصول المحاكمات الجزائية التي تعنى بحقوق الموقوفين على ما حرفيته: «ان امتنعوا أو التزموا الصمت فيشار الى ذلك في المحضر ولا يحق لهم (لرجال التحقيق) إكراههم على الكلام أو استجوابهم تحت طائلة بطلان إفاداتهم». اضافة الى ذلك، إن المادة 401 من قانون العقوبات تعاقب بالحبس حتى ثلاث سنوات من يمارس ضروب تعذيب لا يجيزها القانون بغية انتزاع إقرار عن جريمة أو معلومات بشأنها.
ثانياً، إن التعذيب مخالف للمذكرات الداخلية الصادرة عن قيادة الشرطة القضائية، وكان آخرها مذكّرة الخدمة التي صدرت في 26/7/2007 عن العميد أنور يحيى قائد وحدة الشرطة القضائية. وبالتالي فإن قيام المحققين في قوى الأمن بتعذيب الموقوفين يُعد مخالفة لأوامر القيادة وتترتّب على ذلك إجراءات مسلكية عقابية.
ثالثاً، إن التعذيب مخالف للدستور اللبناني إذ إن الفقرة «ب» من مقدمة الدستور تنصّ على أن «لبنان عربي الهوية والانتماء وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتجسّد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقوق والمجالات دون استثناء». وتنصّ المادة الخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: «لا يعرّض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطّة بالكرامة».
رابعاً، إن التعذيب مخالف للاتفاقات الدولية التي تعهّد لبنان احترامها ومنها معاهدة مناهضة جميع أشكال التعذيب والمعاملة القاسية والمهينة. كما نصت المادة 7 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي وقّعته الحكومة اللبنانية على أنه «لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطّة بالكرامة». أما المادة 14 فقرة 3 بند «ز» من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية فنصّّت على أن «لكلّ متهم بجريمة أثناء النظر في قضيته وعلى قدم المساواة التامة الحقّ بالضمانات الدنيا التالية: ألا يكره على الشهادة ضدّ نفسه أو على الاعتراف بذنب».
خامساً، إن الدراسات العلمية أثبتت أن التعذيب خلال التحقيقات الاستنطاقية قد يؤدي الى معلومات مغلوطة إذ إن الموقوف المعذَّب قد يدلي بمعلومات تناسب المحقّق حتى يتوقّف الألم الذي يحدثه التعذيب في جسده.

تسييس مناهضة التعذيب؟

كلّ شخص يقوم بتعذيب شخص آخر، بغضّ النظر عن الأسباب والدوافع، هو مخالف للقانون ويفترض محاكمته علناً ومعاقبته بحسب الاصول. ولا يلحظ القانون أية استثناءات، وبالتالي كلّ تبرير للتعذيب هو غير مقبول من أي جهة أتى. ولا فرق بين المعذّب المقرّب من المعارضة أو ذلك المقرّب من الموالاة. ولن تتردّد «الأخبار» في توجيه النقد لكلّ من يرعى أو يشجّع أو يساهم في التعذيب في مؤسسات الدولة وفي خارجها.
إن قسم «العدل» في «الأخبار» يعمل بحسب مبادئ محدّدة كنت قد شرحتها للأصدقاء في قيادة قوى الأمن الداخلي قبل انطلاق الصحيفة، وهي:
أولاً: التزام المهنية في العمل الصحافي. فإذا وصل الى الصحيفة تقرير صادر عن طبيب شرعي يشير الى آثار تعذيب على جسد موقوف لا يجوز مهنياً التحفّظ عن نشر التقرير حرفياً كما لا يجوز التحفّظ عن نشر ردّ أو توضيح أو حتى مذكرة خدمة داخلية صادرة عن قيادة الشرطة في هذا الخصوص.
ثانياً: التزام المناقبية والابتعاد عن التهجّم أو الانتقاد الشخصي والبقاء ضمن حدود النقد العلمي البنّاء للمؤسسات والادارات العامّة والخاصّة.
ثالثاً: الارتكاز على القانون المحلي والدولي ومبادئ العدالة والمساواة في نقل أخبار القضاء والأمن.
رابعاً: متابعة الخبر، إذ إن «الأخبار» ستستمرّ في نشر كلّ ما يتعلّق بمشكلة التعذيب في الدوائر الامنية إذا استمرّت، وستطرح المزيد من الاسئلة على القيّمين على إدارة شؤون الناس اليومية التي نعتبرها أولويتنا.