strong>حوراء حوماني
... وسقطت المروحية «يسعور».
إنه 11 آب، الحرب شارفت على الانتهاء، والإسرائيلي يريد الانتقام من القرية التي سدّدت له الضربة تلو الأخرى كعادتها منذ عقود. لكن منطقة «مريمين» في بلدة ياطر كانت شاهدة على سقوط ورقة جديدة من سلاح الجوّ الإسرائيلي.
مجاهدو البلدة كانوا يتوقعون ردّاً كبيراً على إنجازاتهم، بعد أيام طويلة من المواجهة يروي لنا الحاج (ح) بعضاً منها: «صبّ العدو جهده للسيطرة على ياطر، وكنا نتوقع عملية إنزال في تلالها على غرار ما فعله في تلتي «طيرهرما» أو «رأس الشرقي» في عدواني عامي 1993 و1996».
زاد من هذا الاحتمال التصعيد الاسرائيلي من خلال شلالات القصف «بهدف تقليل ضخّ صواريخ المقاومة التي كانت تمنع الآليات الإسرائيلية من التقدّم نحو قرى مثل دبل وعيتا الشعب». رغم ذلك استمرت قيادة المقاومة في «إصدار أوامرها لكل الجبهات في وقت واحد لتؤكد إمساكها بزمام الأمور».
ويذكر الحاج (ح) مرة أطلق فيها المقاومون صليات عدة «ضربة واحدة» من محيط الأرض التي كان يظنّ العدو أنها صارت جاهزة للإنزال «ما أذهله كثيراً فاعترف حينها بمقتل 3 مستوطنين وجرح 4».
جدّد العدو بعد ذلك حزام النار غير العادي على البلدة، فضرب 2500 قذيفة بسلاح البرّ والجو والبحر معاً، بين كل اثنتين خمسة أمتار فقط، بالإضافة الى قصف دخاني لحجب الرؤية، واعتمد حركة تمشيط واسعة منفّذاً عملية تدمير ممنهج وسلسلة من الاعتداءات الوحشية بدأت من منطقة التركيبة إلى الكسّار إلى أطراف البلدة.
معظم خطوات الردّ على إطلاق المقاومة للصواريخ كانت تأتي بعد أن يكون «الذي ضرب ضرب» لذا كانت الأماكن المأهولة بالمدنيين تقصف عشوائياً في محاولة للتعويض عن الخسائر. فكانت ياطر ضحية لمجزرتين الأولى في منزل أبو عقيل سويدان راح ضحيتها الحاجة أم عقيل وابنها الشهيد علي إلى جانب الشهيدين محمد علي سويدان وفادي عبد الله. كما استهدفت الصواريخ المعادية منزل حسين جعفر فاستشهد ابنه محمد جعفر إلى جانب الشهيدين حسين علي كوراني وحسن علي كريم.
لكن العدو استنتج أنّ الغارات لم تستطع إيقاف صواريخ المقاومة لذا عقد العزم على السيطرة الفعلية على ياطر ليستطيع بذلك حماية دخول آلياته الى القرى الحدودية والإشراف على الساحل من جهة أخرى نظراً لجغرافية القرية المساعدة لتحقيق هذا الهدف.
ويروي المجاهد الذي أسقط المروحية أن العدو أنزل، قبل سقوطها بيوم، مشاة يقدرون بـ400 إسرائيلي من عشر طائرات في منطقة تقع تحت نظر موقع بلاط مباشرة حتى يظلوا على تواصل، وجاءت مروحيتان للتشويش صوتياً على عملية الإنزال. «كانت خطتهم تقضي بأن يصل المشاة إلى منطقة «خلة العذب» ثم الى «الكسار» لعلوهما، ومن هناك يستطيع العدو السيطرة الكاملة على القرية ومن ثم إعاقة حركة المقاومين».
لكن المقاومة ردّت بأسلحة متنوّعة من مدافع الهاون والرشاشات والمدافع المباشرة بالإضافة إلى قصف من فرق الإسناد من خارج القرية. فسقط جرحى إسرائيليون على طول خط
سيرهم.
يضيف المجاهد أنهم أرادوا سحب جرحاهم، فجاءت المروحية «يسعور» من فوق مستعمرة «زرعيت» بمؤازرة مروحيتين فوق «الصالحاني» و«طيرهرما» كتأمين. و«يسعور» مروحية من صناعة وتصميم الولايات المتحدة الاميركية واسمها سيكورسكيCH53 لكن العدو أدخل عليها تحسينات في نظام الرؤية والتحسّس كما أضاف بعض الأنظمة ضد الصواريخ المضادة للطائرات. وهي بطول 27 متراً وعرض 5 أمتار وارتفاعها 7,9 أمتار، تتسع لـ35 شخصاً، وطاقمها الإسعافي والقيادي يحدد بـ5 أشخاص (قائد الطائرة وهو ضابط من سلاح الجو الاسرائيلي وطيارين ورامي رشاش بالاضافة إلى مساعد له). وتتميّز هذه المروحية بقدرتها العالية على المناورة ورمي رشاشات وصواريخ بالاضافة إلى كونها ناقلة جند.
ويذكر أنهم اكتشفوا وجود امرأة من ضمن الطاقم بعد أن رأوا حذاءها النسائي مع غنائم تحطم المروحية.
ويضيف أن صاروخ «وعد» ضرب خزان وقود «يسعور» بعد 3 ثوان من إطلاقه مضيفاً: «هوت الطائرة أفقياً ككتلة نار بالترافق مع وميض يتجدّد كل بضع ثوان نتيجة الموجات الانفجارية
المتتالية».
الخوف من اقتراب المقاومة إلى مكان سقوط المروحية، دفع العدو الى حماية محيط المروحية بالقصف العنيف ورماية صواريخ 70 ملم على الأحراج، فيما أطلقت المقاومة قذائف لإضرام النار في بقايا «يسعور»، فاستمرت الانفجارات لساعات عدة.
بعد وقف إطلاق النار، طلب العدو، بالتنسيق مع الأمم المتحدة، 48 ساعة للمّ أشلاء المروحية على محيط 500 متر بمساعدة الكلاب البوليسية. لكن الحاج (ح) يذكر أن أهالي القرية وجدوا عظاماً وبطاقات جنود وقطعاً حديدية صغيرة من المروحية في مناطق لم يبحث فيها العدو. بالاضافة الى أنهم حظوا بالعديد من الغنائم (ذخائر ومؤن) في مناطق بعيدة عن مكان إنزال المشاة، إذ كانت الطائرات ترمي حاجات الجنود من علو يقذف فيه الهواء المنطاد الى مكان غير الهدف المحدد.
وإلى الآن، بقيت قصة المروحية قصة بطولة يتناقلها أهالي القرية بالإضافة إلى جعل المنطقة المحروقة في مريمين مزاراً لتأكيد اندحار الجيش الذي لا يقهر على أيدي شباب آمنوا فانتصروا.