strong>مهدي السيّد
عام على عدوان تموز والسجال سيد الموقف في إسرائيل. عام مضى لم تعرف فيه الحلبة السياسية والإعلامية والأمنية والشعبية في إسرائيل، يوماً من الهدوء. ولو قُدر لمنصف أن يحكم على تحضيرات الحرب، مسارها ونتائجها، لاكتفى بحدة السجال والنقاش الدائر في إسرائيل حولها، وبرصد وابل تبادل الاتهامات بين المسؤولين عنها. فالنصر يُحتفى به، والإنجازات تعاني كثرة مُتبنيها، وحدها الخسارة والهزيمة تبقى يتيمة، يتجنب الجميع تجرع كأسها المرة، ولا سيّما في إسرائيل

من نافل القول أن مراجعة الذات ومحاسبتها، دراسة الفشل لاستخراج العبر، تحديد مكامن الخلل ومواضع القوة، وغيرها من القواعد والمبادئ ذات الصلة، أمور لا يختلف اثنان على صحتها وضرورتها وعلى كونها ظاهرة صحية وإيجابية في المجتمع الذي يُطبقها. بيد أن المشكلة في إسرائيل تحديداً تكمن في أن اللجوء إلى هذه الأمور له دلالات معنوية ونفسية واستراتيجية كبيرة. ذلك أن المجتمع الإسرائيلي بُني على قاعدة مفادها أنه منتصر دائماً، وأن جيشه لا يُقهر، وعقله لا يُضاهى، وجرأته لا يجاريه أحد فيها، وأن عدوّه جبان ومتخلف. فضلاً عن أنه (المجتمع الإسرائيلي) غير مهيأ نفسياً ولا سياسياً لتقبل فكرة الهزيمة، ولا سيما من «العربي»، ففكرة التفوق تسيطر عليه، وهي أشبه بـ«تابو» ممنوع كسره، وهي «تابو» نفسي واستراتيجي. ولأنها كذلك، ثمة تداعيات نفسية واستراتيجية وردعية لاهتزاز فكرة التفوق في نظر الإسرائيليين أولاً، وفي نظر خصومهم وأعدائهم ثانياًويمكن القول إن فهم هذه الخلفية يُشكل مدخلاً لفهم واستيعاب حجم الصدمة التي عمت المجتمع الإسرائيلي بمستوياته كافة، والتي وجدت تعبيراً لها في هذا القوس الواسع والمتنوع من لجان التحقيق، وموجات الانتقاد، وتبادل الاتهامات بين المسؤولين، حيث الكل يحاول تبرئة نفسه من «دم هذا التابو» الذي انكسر.
هذه المحاولة ظهرت جليةً في شهادات المسؤولين الإسرائيليين التي نُشرت بعد الحرب، ولا سيما الوزراء منهم الذين سعوا جميعاً أمام لجنة فينوغراد للنأي بأنفسهم عن مسؤولية الفشل. وكشف هذا السعي، من حيث لا يدرون أو يريدون، عن فضائح أخرى تتعلق بكيفية اتخاذ قرار الحرب، وحقيقة الإنجازات التي حققتها، فضلاً عن موقف الجيش المُضلل أو المتغطرس وثقته المفرطة بتحقيق النصر. ذلك أن من يُطالع شهادات الوزراء الإسرائيليين أمام لجنة فينوغراد، أو ما سُمح بنشره منها، يقع على جملة من الحقائق والمؤشرات الدالة التي تطرح بدورها الكثير من علامات الاستفهام حول آلية صنع القرار واتخاذه في إسرائيل، وحول رزمة المصالح والاعتبارات التي تتحكم فيه.
من المعروف أن قرار إسرائيل شن العدوان على لبنان عشية الثاني عشر من تموز من العام الماضي، قد اتُخذ بالإجماع في الحكومة الإسرائيلية. بيد أن مراجعة شهادات الوزراء أمام لجنة فينوغراد، ولا سيما أعضاء «منتدى السباعية»، يُظهر جملة من الأمور المثيرة للتساؤل. فقد اعترف أحدهم بأنه ما كان ليأخذ قرار الحرب لو كان مكان أولمرت، وأقر آخر بأن القرار كان انفعالياً، ولفت ثالث الى أنه لم يكن على بيّنة من حقيقة القرار، ورابع أيّد الحرب تضامناً مع الحكومة ورئيسها والجيش، فيما اعتقد خامس أن ليس لمعارضته أي تاثير، لذلك وافق، فيما اتهم سادس زملاءه بأنهم وقعوا على القرارات بشكل أعمى، وهلم جرا.
وللوهلة الأولى يخرج المراقب بقناعة مفادها أن أحداً من الوزراء لم يرد الحرب، وأنها فُرضت عليه. لكن المراجعة السريعة لسير الأمور تُظهر عكس ذلك، وهو ما يبعث على الحيرة الشديدة، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار أن قسماً كبيراً من الوزراء هم من المخضرمين الذين يعملون في الحقل السياسي منذ عقود، وتولوا العديد من المناصب الوزارية الرفيعة، فيما يملك قسم آخر خلفية أمنية وعسكرية كبيرة، وبالتالي من المفترض أنهم يتمتعون بالتجربة والحنكة والخبرة السياسية والعسكرية العالية، وهو ما لا ينطبق على ثالوث الحرب: أولمرت، بيرتس، حالوتس، وهنا تكمن ربما المفارقة الكبرى.
وحتى لا يبقى الكلام مجرد تحليل، تكفي العودة الى ما أدلى به الوزراء أنفسهم. فشمعون بيريز الذي أصبح الآن رئيساً لإسرائيل، والذي يُعد من أكثر السياسيين الإسرائيليين خبرة وتجربة وحنكة، قال في شهادته إنه لو كان الأمر متعلقاً به لما دخل هذه الحرب. ومع ذلك، أيّد قرار شنّها، وصوّت لها، لا بل نظّر وشجّع عليها طيلة أيامها، وهو لم يعلن موقفه المعارض لها إلا أمام لجنة فينوغراد. والمفارقة المثيرة للدهشة هي أنّ بيريز علل تصويته إلى جانب قرار الحرب في الحكومة، رغم موقفه الذي كشف عنه أمام فينوغراد، بأنّه ينبع من تضامنه مع رئيس الحكومة. وهذا اتهام بحد ذاته، ذلك أن الحرب وقرارها ليسا مسألة شخصية وخاصة، وهو ما يُضيء على العديد من الأمور، وخاصة أن بيريز لم يقصر انتقاده على قرار الحرب، بل انتقد أيضاً أهدافها عندما قال «لو كان الأمر يتعلق بي أيضاً، لما كنت وضعت قائمة أهداف للحربموقف بيريز ليس فريداً. فزميله حاييم رامون، وزير العدل وعضو المجلس الوزاري المصغر خلال العدوان، والنائب الحالي لرئيس الحكومة، لم يتردد خلال شهادته أمام لجنة فينوغراد، عن الندم على طريقة الخروج إلى الحرب، معتبراً أنه كان «من الممنوع أن يبدو شنّ الحرب رداً غرائزياً»، مشدداً على ضرورة وجود «رأي ثانٍ» في آلية صناعة القرار في إسرائيل، مهمته الدفع إلى التريّث في اتخاذ القرارات. وللتذكير أيضا، فإن رامون هذا صوّت إلى جانب الحرب، لا بل إنه كان من أبرز الداعين إلى تدمير القرى والبيوت على رؤوس المدنيين اللبنانيين.
في المقابل، ثمة من الوزراء من فضل التحلي بصفة الحماقة والبساطة، هرباً من تحمّل المسؤولية عن القرار. وربّما يكون هؤلاء معذورين لأنّهم قد يكونون قد وقعوا ضحية تضليل ثالوث الحرب. لكن إذا كان القانون لا يحمي المغفلين، فإن التاريخ لا يرحمهم. وفي هذا المجال، يبرز موقف وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، التي قالت في شهادتها إنها كانت تحسب أن قرار الحرب الذي صوّتت له كان مجرد «حملة عسكرية يُفترض أن تنتهي في الليلة نفسها، وسقفها كان ظهيرة اليوم التالي».
أما زميلها، الوزير رافي إيتان، الذي كان مسؤولاً كبيراً في الموساد سابقا، فقد برّر موافقته على قرار الحرب بأنه حسب في بداية الحرب أن الأمر يتعلق بحملة عسكرية لا بحرب، مضيفاً أن هذا الاعتقاد لم يكن حكراً عليه، بل إنه كان شريكاً في هذا الاعتقاد مع زملائه في الحكومة. وقال «قدّرت أنه لن تحصل حرب حقيقية، بل عملية عسكرية تستمر على أبعد تقدير أسبوعاً أو أسبوعين».
وفي المجال ذاته، قال وزير الأمن الداخلي، آفي ديختر، الذي شغل سابقاً منصب رئيس الشاباك، أنه كان مقتنعاً بأن القتال سيدوم بضعة أيام فقط وكشف أنه لم يعارض الهجوم في جلسات الحكومة لأن هذا «كان صعباً وغير شعبي بالتأكيد».
وسُئل ديختر عن سبب تصويته لمصلحة شن الحرب على الرغم من شكوكه، فقال إنه رغم كل شيء قدّر أن الحرب لن تدوم أكثر من أيام.
وفي موقف يمكن اعتباره فضيحة سياسية، قال الوزير إيلي يشاي، رئيس حركة شاس «لو كان صوتي مقرراً، لصوّتّ ضد، لكن بما أن صوتي لم يكن مقرراً فقد أردت الحفاظ على التضامن». وتابع «لقد أردت أن تنتهي الحرب خلال أيام معدودة، وأردت أن تُضرب البنية التحتية (لحزب الله) بشدة، وخفت من التوغل البري في عمق لبنان».
لكن يبقى التعبير الأشد والأقصى عن واقع الوزراء الإسرائيليين، هو ذاك الذي عبّر عنه الوزير أوفير بينس، عندما وصف أعضاء المجلس الوزاري الأمني بـ«الختم المطاطي»، في إشارة إلى طريقة موافقتهم على القرارات من دون نقاش أو اعتراض. وتجدر الإشارة الى أن بينس عبّر عن موقفه من شن العدوان على قاعدة ضرورة الرد كي لا يُفسّر السكوت على أنه ضعف، معلّلاً موقفه المؤيّد للرد باعتقاده أنه ستُنَفَّذ هجمات جوية واسعة وقاسية، بهدف استعادة قوة الردع الإسرائيلية. وقد أكّد أنّه أيّد تنفيذ عملية عسكرية بعدما تأكد وحصل على إيضاحات من رئيس الوزراء إيهود أولمرت بأن العملية ستكون جوية لا برية «لأن تجربتنا مرة في العمليات البرية في لبنان»، وهو ما تأكدت صحته بالفعللا يمكن المرور مرور الكرام على شهادات واعترافات الوزراء الإسرائيليين إزاء موقفهم من قرار الحرب. فهم، وإن كانوا يسعون لتبرير موقفهم وللتنصل من مسؤولية الفشل، إلا أنهم أثاروا جملة من الاحتمالات أحلاها مر، وهي احتمالات تبعث كلها على الدهشة والاستغراب. وربما لا يكفي تبرير التنصل من المسؤولية وحده للإضاءة على حقيقة الأمور. والمسألة الأكثر إثارة للدهشة تتعلق بالسؤال التالي: كيف يمكن لوزراء على قدر كبير من التجربة والخبرة السياسية والأمنية، أن يقعوا «ضحية» قرار ثالوث الحرب، فيوافقوا عليه، رغم أن معظمهم كانت لديه تحفظات، أو مخاوف، او حتى اعتراضات؟
الاحتمال الأول هو أنهم ربما وقعوا فعلاً ضحية تضليل رئيس الأركان دان حالوتس وقائد سلاح الجو، اللذين وعدا بحسم الحرب جوياً وسريعاً، فوافقوا رغم تحفظهم؛ وهو ما ذهب إليه وزير البنى التحتية بنيامين بن أليعازر عندما وجّه تهمة خطيرة إلى رئيس الأركان، معتبراً أنه ضلل رئيس الحكومة، وأوضح أمام لجنة فينوغراد «لقد نجح حالوتس في إقناع أولمرت بأنه يمكنه حل المشلكة من الجو. وإلّا فكيف يمكن تفسير أنه بعد أيام قال رئيس الحكومة إننا ربحنا الحرب، وإن ثمة شرقاً أوسط جديداً، أنا أعتقد أنهم ضلّلوه. أنا أقول ذلك بدقة كبيرة جداً». وهذا ما ثبّته رامون أيضاً عندما أكد أنه صدرت أقوال صريحة من جانب قادة سلاح الجو الإسرائيلي تفيد بأنه يمكن اقتلاع تهديد الصواريخ من لبنان وحسم الحرب ضد حزب الله من دون الحاجة إلى شن عملية برية.
والاحتمال الثاني، هو أن بعض الوزراء أيّد قرار الحرب إرضاءً لرئيس الحكومة وتضامناً معه. وهذا أمر بالغ الخطورة وشديد السلبية إزاء آلية اتخاذ القرار وصنعه في إسرائيل، ويشير الى مدى ارتباط المصالح بين قادة الصف الأول. هذا الاحتمال أشار إليه أكثر من وزير أبرزهم شمعون بيريز، وقد أحسن بينس إجماله عندما وصف الوزراء بأنهم «ختم مطاطي» في يد رئيس الحكومة.
يُضاف الى هذا الاحتمال، احتمال ثالث ينبع من واقع الحياة السياسية في إسرائيل، وهو مراعاة السياسيين لميول الرأي العام وخضوعهم له، وهو ما عبّر عنه ديختر عندما قال إن موافقته على الحرب نبعت من أمور لها علاقة بالحافظ على الشعبية واكتسابها. ومعروف أن الرأي العام الإسرائيلي كان ميالاً بشدة نحو الحرب.
وثمة احتمال رابع أشار إليه بعض الوزراء وهو يتعلق بسوء فهمهم لطبيعة العمل العسكري الإسرائيلي ومدته وفرص نجاحه، وهذا ما برز في شهادة عدد من الوزراء بينهم ليفني وإيتان.
الاحتمال الخامس الذي أشار إليه رامون هو ذلك الذي يشير الى البعد الغرائزي في قرار العدوان، أي التركيز على الجانب الثأري والانتقامي. وهي ميزة تدخل في صميم العقلية الصهيونية وحكمت العديد من الاعتداءات الإسرائيلية طوال سني الصراع حيث كان البُعد الثأري حاضراً بقوة، دافعاً وموجهاً.
الاحتمال السادس الذي وردت إشاراته في أكثر من محطة ومناسبة، وأشارت إليه العديد من التسريبات والتحليلات الصحافية، هو أن قرار الحرب ليس قراراً إسرائيلياً صرفاً، ولا هو وليد لحظته، ولا يأتي في سياق منفصل، بل هو جزء من مشروع أكبر ومن قرار دولي عموماً، وأميركي خصوصاً، وأنه متصل بسياق سياسي وأمني واستراتيجي إقليمي، وبالتالي ثمة مصلحة إسرائيلية عليا بالقبول به، لا بل لا يملك القادة الإسرائيليين خيار رفضه إن أرادوا، لأن الأمر يتعلق بتحالفات أكبر، وهو جزء من المهام الموكلة الى إسرائيل في سياق هذا التحالف. وثمة إشارات عديدة إلى هذا الاحتمال، تبدأ بتاريخ قرار شن الحرب الذي حدده أولمرت في آذار من عام 2006، وفق الاعترافات الإسرائيلية، ثم المكالمة الهاتفية الشهيرة التي جرت بين أولمرت ووزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، عصر الثاني عشر من تموز 2006، قبل اجتماع القيادة الإسرائيلية واتخاذ قرار الحرب. وهي المكالمة التي أشارت العديد من المحافل في اسرائيل إلى أنها تضمّنت أمر العمليات الأميركي المُعطى لإسرائيل والخطوط الحمراء التي حُصرت بالحفاظ على حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، كما كُشف في إسرائيل، وتأكد في المواقف والتصريحات الأميركية حول مخاض ولادة الشرق الأوسط الجديد، والرفض الأميركي لوقف النار وتأمين الغطاء السياسي العلني للحرب، لا بل تولي الإدارة الأميركية للشق السياسي ـــــ الدبلوماسي من الحرب، وتوفير مستلزمات الشق العسكري منها الذي كانت تتولاه إسرائيل مباشرة. وما يُعزز هذا الاحتمال أيضاً طبيعة الأهداف التي حددتها إسرائيل للحرب عند اندلاعها، ولا سيما تنفيذ القرار 1559، وهي أهداف لطالما نادت بها الإدارة الأميركية. كل هذه المؤشرات وغيرها، تُعزّز وترجح فرضية هذا الاحتمال، دون أن تُلغي غيره، بمعنى أن هذه الاحتمالات لا يُناقض بعضها بعضاً، ويمكنها أن تجتمع كلها أو بعضها عند جميع الوزراء أو عند قسم منهم.
إن هذا العرض النظري لاحتمالات الدوافع التي حكمت تصويت الوزراء الإسرائيليين لصالح شن الحرب في يومها الأول، ثم الجهر بمعارضتهم لها بعد انتهائها بالفشل أمام لجنة فينوغراد، إنما هدف إلى حل وتفسير لغز هذا اللبس في موقف الوزراء، ومحاولة تفكيك هذه المعضلة. وهو وإن قدم مروحة من الاحتمالات قد تصح كلها أو بعضها، وقد تكون موضع قبولها من هذا أو رفضها من ذاك، إلا أنها سلطت الضوء على حقيقة ساطعة لا لبس فيها، ألا وهي وجود خلل خطير في آلية صنع القرار واتخاذه، في دوافعه وخلفياته. وهذا أمر لا يتم اكتشافه الآن، ذلك أن لجنة فينوغراد تحدثت عنه صراحة وأكدته، بيد أن ما استعرضناه كان مجرد مصداق موثق لذلك الخلل الخطير.

«وجدنا أخطاءً جدية وعميقة»
لقد قررنا أن هناك صلة وثيقة بين الإخفاقات التي شخّصناها في ماهية القرارات التي اتخذت في فترة الخروج إلى الحرب، وبين آليات اتخاذها. صحيح أن القرارات اتخذتها الجهة المخوّلة القيام بذلك، إلا أنه لم تجر فيها مراعاة القواعد والمبادئ التي من شأنها أن تضمن نوعية القرارات والحفاظ على التوازن المناسب للرقابة والإشراف على صانعيها الرئيسيين. إن النقاش داخل الحكومة وطريقة اتخاذ القرار... يثيران الخشية من أنه لم تُلبَّ في هذه الحالة الشروط التي تضمن أن قراراً من هذا النوع يتخذه وزراء يعون بالكامل مضمون فعلهم. لقد وجدنا أخطاءً جدية وعميقة، تنضم إلى الفشل الخطير، في آليات صناعة القرار داخل المستويين السياسي والعسكري وبينهما. وبرأينا، لقد أسهم هذا الفشل جوهرياً في الأخطاء التي انطوت عليها القرارات. إن حقيقة أن العملية لم ترتكز بتاتاً على «خطة مسبقة» كاملة... تتصل بحقيقة أنه لم يكن يجري في أي هيئة فحصناها، لا السياسية ولا العسكرية ولا ما بينهما، نقاش منظم فحص خططاً متبلورة وشخّص من بينها بدائل للرد، ودرس إيجابياتها وسلبياتها بناءً على دراية مسبقة، وتوصل إلى توصية أو قرار حول مخطط أو قرار معيّن بناءً على آلية منتظمة من التشاور والنقاش والدراسة والتقرير. وفي هذا يكمن أيضاً فشل خطير... لم تطرح في الحكومة حقائق مهمة تتعلق بالساحة اللبنانية واستعدادات حزب الله. معنى ذلك أنه لم تُعرض أمام الحكومة الصعوبات الكامنة في عملية عسكرية على الساحة اللبنانية.
يبدو أن الحكومة اتخذت فعلياً القرار، إلا أنها فعلت ذلك بصفتها جسماً سياسياً يعبّر عن دعمه وتأييده لرئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الأركان. النتيجة المذهلة هي أن القرار الجوهري والوحيد الذي اتخذته الحكومة خلال فترة الخروج إلى الحرب، كان دعم قرار الخروج إلى عملية عسكرية كان متوقعاً أنها ستؤدي إلى سقوط الصواريخ على الجبهة الداخلية، ولم يكن واضحاً كيف ستنتهي، ومن دون معرفة حجمها المخطط له أو أهدافها الفعلية، وذلك بعد تبادل للآراء دام ساعتين ونصف الساعة، ومن دون إعطاء إجابات عن أسئلة جوهرية.
(من تقرير لجنة فينوغراد)