باريس ـ بسام الطيارة
لبنــان مقابـــل التشــدّد فــي الملــف الإيرانـــي والخرطــوم وأفغانستــان!

التسريبات بشأن الشق اللبناني من لقاء الرئيسين الأميركي جورج بوش والفرنسي نيكولا ساركوزي، وضعت عنواناً عريضاً يقول إنهما تناولا هذا الملف من باب «مساعدة لبنان سياسياً واقتصادياً وعسكرياً». لكن التفاصيل بقيت رهن التكهنات ومعلومات المصادر وإشارات المواقف والتحركات.
وفي هذا الإطار، تتوقف مصادر متابعة لتوجهات العهد الفرنسي الجديد نحو لبنان، عند مآل ما تردد أخيراً عن إمكان دعوة فرنسا إلى مؤتمر دولي بشأن لبنان، حيث سارع الناطق الرسمي في وزارة الخارجية هوغ موريه، إلى نفي هذا الأمر، مشدداً على أن باريس «تدعم كل ما يمكن أن يقود إلى الحوار بين الفرقاء اللبنانيين».
وحاولت مصادر مقرّبة من الملف اللبناني في باريس، التخفيف من وقع «سحب» العرض، بالقول إن «هذه الفكرة، وإن كانت غير مستبعدة، إلا أنها ليست على نار حامية»، وإنها تنتمي إلى بنات أفكار وزير الخارجية برنار كوشنير في سعيه إلى إخراج لبنان من المأزق الذي لمسه خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت. ولم تستبعد أن يكون كوشنير قد لقي معارضة عربية لهذه الفكرة خلال مروره بالقاهرة، متسائلة عمّا إذا كانت المنطقة «تتحمل مؤتمرين دوليين في أوقات متقاربة»، في إشارة إلى المؤتمر الدولي بشأن القضية الفلسطينية، رغم تأكيدها أن «الوقت يداهم الملف اللبناني».
وإذ تؤكد هذه المصادر إلغاء زيارة كوشنير التي كانت مقررة في ٢٣ الحالي، فإنها لا ترى أن ذلك «فرملة» للمساعي، وخصوصاً أن ساركوزي «موافق مع كوشنير على ضرورة إخراج لبنان من الأزمة وتجنيبه حرباً أهلية جديدة»، كاشفة عن رغبة لدى الرئيس الفرنسي في «فصل الملف اللبناني عن الصراع الشرق الأوسطي بالكامل». وترى في هذه القناعة لدى الرئيس الفرنسي أحد الأسباب التي تجعله «يترك المجال للدينامية التي خلقها كوشنير للتطور».
ومن هنا تنطلق مصادر أخرى لقراءة كل التطورات الأخيرة على خلفية القمة الفرنسية ـــــ الأميركية، معتبرة أن ساركوزي «يضع طبقين على النار». فهو من جهة يترك «مبادرة كوشنير تتطور أو تصل إلى مداها الأقصى عبر مد جسور الحوار»، ومن جهة أخرى يمكنه أن يعمد إلى «مقايضة قبول واشنطن» بتمرير المواعيد الدستورية «عبر الضغط على حلفائها للقبول بحل وسط» يجنّب لبنان مداهمة الوقت الدستوري والدخول في حلقة فراغ. وترى هذه المصادر أن المقابل هو القبول بتشدد تجاه إيران في الملف النووي، إضافة إلى إبقاء المشاركة الفرنسية في القوات الدولية العاملة في أفغانستان، وربما رفع عددها وزيادة عتادها. ويمكن أن تقبل باريس بفرض عقوبات جديدة على السودان «للإسراع في نشر القوات الدولية ورفع كل العقبات الإدارية التي تضعها الخرطوم في وجهها»، إضافة إلى رفع عدد المشاركين الفرنسيين في «المجموعات الإدارية التي تستعد الأمم المتحدة لنشرها في العراق» نتيجة القرار الجديد الذي يوسّع مهامها في بلاد الرافدين.
ويُجمع المراقبون على أن هذا التوجه في التعامل مع واشنطن يناسب كثيراً «أسلوب ساركوزي في المناورة» التي أثبت أنه قادر عليها، وذلك بعدما أدرك عدم إمكان الوصول إلى أية نتيجة من دون موافقة واشنطن، التي لا يمكن أن توافق على ما «لا يذهب في اتجاه أهدافها»، وهو بالتالي يحاول «الانخراط في هذه الأهداف»، مع إبقاء مبادرة فرنسية فعلية أثبتت قدرتها على جمع اللبنانيين، ومع الترويج لمبادرة بشأن مؤتمر دولي، سحُبت من التداول، على أمل أن تدمج مع الأولى في حال الاتفاق مع واشنطن، لتكون إخراجاً للحل أو.. وسيلة ضغط للوصول
إليه.