نهر البارد ـ نزيه الصديقالبدّاوي ـ عبد الكافي الصمد

شبّان فلسطينيون يريدون العيش «... بس مش بلبنان» يحدثون ضجّة في البدّاوي


دخلت المروحيات العسكرية التابعة للجيش اللبناني بشكل لافت وكبير يوم أمس في معارك مخيم نهر البارد، إلى جانب القوات البرية، بعدما أغارت أكثر من مرة على مواقع مسلحي تنظيم فتح الإسلام وتحصيناتهم، المتمركزين في بقعة ضيقة عند الجانب الغربي ـــــ الجنوبي من المخيم.
وجاءت التطورات العسكرية الأخيرة في ظل تواصل الاشتباكات بشكل عنيف، بعدما استخدم الجيش اللبناني المدفعية المباشرة لتدعيم الهجمات التي تقوم بها فرقة داخل المخيم، وقصف بشكل مركز سوق الخضار وسط الشارع العام، والجهة الجنوبية من مبنى التعاونية، في محاولة لعزل المسلحين داخل مربعات صغيرة، كي يتمكن من السيطرة عليها تباعاً، بينما أبدى المسلحون مزيداً من المقاومة والقدرة على المناورة، وإن كان في إطار ضيق، بعدما قاموا بهجمات على مواقع الجيش القريبة من مواقعهم، وإطلاقهم صواريخ من داخلها، حيث أفادت مصادر أمنية بأن صاروخين أُطلقا بعد ظهر أمس باتجاه بلدتي العبدة وببنين في عكار.
وكانت مروحيات الجيش قد قامت بأربع غارات على مواقع المسلحين، ابتداء من الساعة التاسعة والنصف من صباح أمس، أُطلقت خلالها ثماني قنابل تدميرية، استهدفت بشكل رئيسي حي الدامون ومحيط جامع الحاووظ عند المحور الجنوبي من المربع الأمني للمسلحين، إضافة إلى محيط مركز التنظيم الواقع وسط السوق في عمق المخيم القديم، حيث يشاع عن وجود ملجأ كبير تحته يتحصن بداخله المسلحون.
وكانت المنطقة الواقعة في محيط مركز التنظيم قد تعرضت خلال الأيام العشرة الأخيرة لقصف مدفعي عنيف، وهو ما أدى إلى اشتعال حرائق عدة فيه، وارتفاع سحب الدخان الأسود في سماء المخيم، إضافة إلى الحرائق التي يشعلها الجيش في التحصينات والمواقع العائدة للمسلحين، والملاجئ والأنفاق والعبّارات وقنوات الصرف الصحي، التي يحتمل وجود أسلحة أو مسلحين فيها.
وفي هذا الإطار أشار مصدر عسكري إلى أن «الهدف من القصف البري والجوي الأخير، هو إحداث طريق يفصل المربع الذي يتحصن فيه مقاتلو فتح الإسلام إلى قسمين، وشق طريق بينهما لعزل المقاتلين، ومنعهم من مؤازرة بعضهم لبعض». فيما أفاد مصدر عسكري آخر بأن الجيش «قام بتنفيذ عمليات دهم في مواقع عدة داخل المخيم بعد ظهر أمس، وهو مستمر في مواصلة تقدمه البطيء داخل المخيم، ويتابع رفع الأنقاض وإزالة الفخاخ والألغام من المناطق التي سيطر عليها، في مواجهة المسلحين المتحصنين في ممرات وأنفاق تحت الأرض، في بقعة لا تتعدى 15 ألف متر مربع».
وفي سياق متصل أعلنت قيادة الجيش ـــــ مديرية التوجيه أنه «في إطار النداءات المتكررة التي وجهتها قيادة الجيش إلى مسلحي تنظيم فتح الإسلام لإلقاء السلاح وتسليم أنفسهم، بما يكفل وقف النزف الحاصل والحفاظ على أرواح عائلاتهم التي لا تزال محتجزة في المخيم والحصول على محاكمة عادلة أمام القضاء، ألقت طوافة تابعة للقوات الجوية منشوراً فوق منطقة وجود المسلحين في نهر البارد جاء فيه: إن قضيتكم بقتال الجيش اللبناني غير محقة. أنتم تقاتلون عبثاً جيش لبنان وإرادة أبنائه الجامعة. استمراركم في القتال يزيد من آلام الشعبين اللبناني والفلسطيني. دعوا النساء والأطفال يقررون مصيرهم بأنفسهم، لأن احتجازهم جريمة أمام الله والقانون. إن تحقيق العدالة، هو أقصر الطرق لإنهاء الوضع القائم، وإن إضاعة الوقت ورفض نداءات الجيش المتكررة بتسليم أنفسكم لنيل محاكمة عادلة، هو قرار بالانتحار تتحملون مسؤوليته كاملة».
وفي مخيم البداوي، تفاعلت على نحو لافت وواسع قضية الظهور العلني الأول لمجموعة من الشباب الفلسطيني، أطلقوا على أنفسهم اسم «التجمع الشبابي الفلسطيني الديموقراطي»، رافعين شعاراً بدأوا التحرك تحته وهو: «بدنا نعيش .. بس مش بلبنان»، ومعلنين سلسلة خطوات سيقومون بها في المستقبل القريب، من أجل تحقيق هذه الغاية.
ومع أن الإطلالة الأولى لهذه المجموعة كانت محصورة ويتيمة على الصعيد الإعلامي، ولم يتم تطويرها وتوسيع نشاطها لمعرفة أفقها وأهدافها، إلا أنها لم تغفل الإشارة فيها إلى أنها «مكونة من مجموعة مثقفين شباب، تعدّ كتيبات تتضمن شرح أفكارها، وأنها ستطلق موقعاً على شبكة الإنترنت، إضافة إلى استعدادها لزيارة العديد من المسؤولين السياسيين والروحيين اللبنانيين والسفراء الأجانب، على رأسهم سفراء الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأوستراليا والدول الاسكندنافية»، مشيرين إلى أن حركتهم «ما هي إلا خطوة فردية، أو على الأغلب مجموعة أفراد، ليست موجهة ضد أحد، وهي تعبر عن صرخة ألم شباب فلسطيني مظلوم، في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة والخانقة التي يرزحون تحتها».
لكن هذه الخطوة لم يُغفَل عنها، وهي أحدثت ضجة كبيرة في مخيم البداوي، ومن ضمنهم نازحو مخيم نهر البارد، إن كان في أوساط الأهالي، أو لدى مسؤولي الفصائل الفلسطينية، الذين شدد عدد منهم على «ضرورة عدم تجاهل هذه الحركة، أو اعتبارها مجرد نزوة شباب يهدف إلى البحث عن حياة أفضل»، مشيرين إلى أن «الخشية تبرز وتكون مشروعة أكثر، من مغبة وقوف جهات سياسية ما، محلية أو إقليمية أو دولية وراءهم»، وفق ما أشار أحدهم لـ«الأخبار».
ففي هذا السياق، عقدت المنظمات الشبابية والنسائية والأندية الرياضية والجمعيات الكشفية ومؤسسات المجتمع المدني في مخيمي نهر البارد والبداوي، مؤتمراً صحافياً في «النادي الثقافي العربي» في المخيم، أعلنت فيه أن «التجمع المذكور غير موجود أصلاً في مخيماتنا، وإن وُجد بعض الأفراد ينوون التحرك لهذا الغرض المشبوه، فهم لا يمثلون إلا أنفسهم فقط، وهم منبوذون من المرجعيات الشبابية وجمهورها، وإن الموضوع أخذ حجماً أكثر مما يستحق»، لافتين إلى أنه «إذا كان لهذه المجموعة صدقية، فليدعوا لمؤتمر صحافي، أو فليقيموا حشداً جماهيرياً، لا الاختباء خلف أسماء مجهولة ليس لها في الحقيقة أي صفة»، مشددين على أنه «كما نرفض التوطين، فإننا مصرون على رفض التهجير، لأنه يشكل النكبة المتجددة التي تستهدف النسيج الفلسطيني، الذي يشكل وعاء الذاكرة الفلسطينية المرتبطة بأرض الآباء والأجداد، فلسطين».