نهر البارد ــ نزيه الصديق البدّاوي ــ عبد الكافي الصمد

البيوت المؤقّتة لنازحي البارد: «إذا قَبِل عبّاس زكي أن يسكن فيها نسكن نحن»!

لم تتوقف الاشتباكات والمعارك العسكرية في مخيم نهر البارد يوم أمس، وهي حافظت على وتيرتها المتوسطة إلى حد ما، على رغم دخولها اليوم التسعين لاندلاعها في 20 أيار الماضي بين الجيش اللبناني ومسلحي تنظيم فتح الإسلام.
وشهد المحوران الشمالي والغربي من المربع الأمني الذي يتحصن به المسلحون داخل المخيم القديم، وتحديداً في محيط مبنى التعاونية ومركز ناجي العلي الطبي ومبنى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، عمليات هجومية من قبل الجيش الذي لا يزال يواجه في تلك المنطقة مقاومةً من قبل المسلحين الذين باتوا يستخدمون في مواجهاتهم الأخيرة مع الجيش القنابل اليدوية، إلى جانب رصاص القنص والأسلحة الرشاشة، وسط أنباء تحدثت عن حصول التحام بين عناصر الجيش والمسلحين داخل بعض الأزقة، وفي محيط بعض المواقع.
وكانت الاشتباكات قد عنفت بشكل نسبي ابتداء من ساعات فجر يوم أمس، واستخدمت فيها الأسلحة الرشاشة والمتوسطة، وأغارت المروحيات العسكرية التابعة للجيش أكثر من مرة قبل الظهر على مواقع المسلحين في عمق المخيم، مستهدفة بعض الجيوب، وتحديداً في أحياء سعسع والدامون والحاجولا ومحيط مسجد الحاووظ. وأفيد عن حصول اشتباكات متقطعة، استخدم فيها الجيش مدفعية الميدان الثقيلة عند المحور الجنوبي، حيث سجل تقدم للوحدات العسكرية تجاه ملجأ الشيخ علي الذي تتحصن بداخله مجموعة من المسلحين.
وفي ظل استمرار الجيش بالقيام بالأعمال العسكرية، كالمداهمات والاقتحامات وتنظيف المناطق والمواقع التي يسيطر عليها من الألغام والفخاخ والمتفجرات، لوحظ أن اشتباكات يوم أمس، وخصوصاً في فترتي قبل الظهر وبعده، باتت توحي بأن مقاومة المسلحين داخل المخيم قد تراجعت كثيراً، وباتت ضعيفة، ولعل أبرز شاهد على ذلك هو حال الارتياح والاسترخاء في صفوف عناصر الجيش، على رغم استمرار الاشتباكات، وتمثل ذلك في سحب الجيش لموقع الطوارىء الطبي العائد له، والذي كان موجوداً قرب موقع المحمرة عند المدخل الشرقي من المخيم.
إلا أن ذلك لم يحل دون وقوع إصابات في صفوف الجيش، إذ أفيد عن وقوع جريح في صفوفه قبل الظهر، نُقل إلى أحد المستشفيات للمعالجة.
إلى ذلك، سجل عند الحادية عشرة وعشر دقائق من قبل ظهر أمس تحليق الطائرات الحربية الإسرائيلية فوق منطقة عكار ومخيم نهر البارد، حيث حلق على علو متوسط، قبل أن يقفل عائداً في اتجاه البحر.
وفي مخيم البداوي، لم يُساهم وضع وكالة «الأونروا» نموذج بيت في باحة مدرسة الناصرة يفترض أن يكون الملاذ الذي سيأوي إليه ما يزيد على خمسة آلاف عائلة نازحة من مخيم نهر البارد، في تخفيف حدة الاحتقان بشكل واسع، وسط جهود مضنية تبذلها الفصائل الفلسطينية على تنوعها، من أجل ضبط الأمور وعدم خروجها عن السيطرة.
وتبدّى هذا الانطباع السلبي من خلال الانزعاج الذي عبّر عنه نازحون كثر حيال البيوت النموذجية المقترحة لإيوائهم، والتي تمثلت في بيوت خشبية مسقوفة بألواح من التنك، لا تتعدى مساحة البيت الواحد منها 30 متراً مربعاً، مقسماً إلى غرفتين صغيرتين، وحمام، أما المطبخ فهو مفتوح على الهواء الطلق، ويفترض أن يكون بالشراكة مع البيت المجاور له!
مواقف النازحين من هذه البيوت اتسمت بالتفاوت التام، إذ اعتبرتها أكثرية النساء المقيمات في مدارس مخيّم البداوي، «أفضل حالاً من إقامة عدة عائلات معاً في غرفة واحدة في المدرسة أو عند الأقارب والمعارف، أو استئجار بيت، وتحفظ خصوصية العائلة إلى حد ما، مع أنها لا تعوضنا أبداً من منازلنا التي تركناها وراءنا في مخيم نهر البارد، والتي تحولت إلى ركام»، على حد قول أم مصطفى شحادة، بينما لم يشاركها عدد آخر من النسوة رأيها، فلم تتوان إحداهن عن القول بصوت عال، وهي تنشر ثياب أولادها في باحة المدرسة: «لو اعتبروننا بشراً لقدموا لنا بيوتاً لائقة بالحد الأدنى، إلا أنهم لم يعاملونا على هذا الأساس، لكن ماذا سنفعل، سنقبل بها رغماً عنا، والله يجازي من كان سبب تشريدنا».
غير أن البيت النموذجي المقترح الذي توافد إليه العديد من العائلات للاطلاع عليه، وخصوصاً النساء، لم يسلم من تعليقات وعبارات كتبت عليه بالطباشير ومُحيت سريعاً، وإن بقيت آثارها موجودة. ومن هذه العبارات: «إذا قبل سفيرنا أن يسكن هنا فنحن نرضى بهذا»، و«إذا قبل عباس زكي أن يسكن هنا فنحن نقبل بهذا».
غير أن هذه المواقف الاعتراضية من قبل النازحين على البيوت المقترحة، والأسئلة الكثيرة التي طرحت عن مدى قدرتها على مقاومة العوامل المناخية في الصيف أو الشتاء، وعلى استيعاب العائلات الكبيرة العدد، دفعت الفصائل الفلسطينية إلى التدخل لتوضيح الأمور وضبطها، مثل ما هي الحال مع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في الشمال التي اعتبرت في بيان لها أن «محاولة البعض التحريض على إقامة بيوت مؤقتة في محيط مخيم البداوي لا تصب في مصلحة أهلنا، فوجود بيت مهما كان وضعه أفضل بكثير من الأوضاع المزرية التي نشاهدها في المدارس والتجمعات، وفيها حرية وصيانة أكثر لأسرانا المشتتة هنا وهناك»، داعية «النازحين من مخيم نهر البارد إلى عدم الانجرار وراء أصوات تحريضية، لا ترى إلا مصالحها الفردية القائمة باستمرار على مخالفة الإجماع الفلسطيني».
وعلى الرغم من أن البيان أكد «إعطاء الأولوية في إقامة هذه البيوت على تخوم مخيم نهر البارد، لأسباب سياسية وجغرافية»، أشار إلى أنه «إذا كانت الأوضاع العسكرية السائدة في منطقة نهر البارد تحول دون إقامة المساكن المؤقتة هناك، فإن الضرورة تفرض إقامة هذه البيوت في منطقة مخيم البداوي حتى لا يداهمنا العام الدراسي الجديد، والواجب الوطني والأخلاقي يفرض علينا عدم تعطيل المدارس اللبنانية والفلسطينية».
وتجدر الإشارة هنا إلى أن نحو 570 عائلة نازحة تقيم في مدارس مخيم البداوي، وأكثر منهم بقليل يقيم في مدارس مدينتي طرابلس والبداوي، وأن أصواتاً كثيرة بدأت ترتفع لمعالجة قضية هؤلاء أولاً، قبل انطلاق العام الدراسي أواخر الشهر المقبل.
على صعيد آخر، زار المدير العام للأونروا في لبنان ريتشارد كوك، يرافقه نائب المفوض العام فيليبو غراندي، مخيم البداوي أول من أمس، متفقداً بعيداً عن الأضواء أوضاع النازحين فيه، ومطلعاً على ملف الإيواء المؤقت لهم، والمشاكل العديدة التي تعترضه.