أنطوان سعد
لم يكن موقف «التكتل الطرابلسي» في مؤتمر لاسال سان كلو زوبعة في فنجان، لكنه لم يرتق حتى الآن إلى مستوى المبادرة المتكاملة التي تطرح مخرجاً للمأزق القائم وتخرج البلاد من أمام الحائط المسدود، وإن كان ركنه الأساس وزير الأشغال العامة محمد الصفدي يتحرك بهدوء ومن غير ضجيج في كل الاتجاهات. وقد تراوحت مروحة لقاءاته البعيدة عن عدسات الكاميرا في الآونة الأخيرة بين رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط، فضلاً عن استقباله السفير الإيراني محمد رضا شيباني في مكتبه قبل أيام.
أما سبب تريث الوزير الصفدي في بلورة مبادرة متكاملة للبحث في حل الأزمة وصولاً إلى تكوين جبهة وسط تنقذ البلاد من الثنائية القاتلة، فمرده خصوصاً إلى أمرين: الأول انتظار التوقيت المناسب، والثاني مقاربة الأزمة الوطنية في شكل شامل. ويرى وزير الأشغال أن من المهم للغاية انتظار التوقيت الملائم لأن «أي تحرك الآن قد يُفهم خطأً وقد يُفسر بطريقة سلبية كأنه مركز قوى جديد يرمي إلى إضعاف هذا الفريق أو ذاك، وهذا ما لا نريده». كذلك يرى أن الأزمة أعمق من أن تكون «مجرد خلاف بين الزعامات السياسية»، إذ هي في نظره «أزمة بنيوية» متعلقة بالنظام السياسي اللبناني برمته، والذي يحتاج برأيه إلى ظرف مناسب لمقاربة جملة من المسائل الأساسية كي «يتوازن فيه بشكل عادل الحفاظ على وحدته من جهة وعلى تنوع طوائفه ومذاهبه الدينية، وكذلك على حق المجموعات والأفراد الراغبين بقيام دولة مدنية للخروج من القيد الطائفي من جهة ثانية».
وفي هذا الإطار بالذات، يضع الوزير الصفدي قضية ضرورة تأمين نصاب الثلثين في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي أثارت الكثير من الضجيج في المؤتمر الذي دعت إليه وزارة الخارجية الفرنسية وترأسه الوزير برنار كوشنير. وقد تكون الضجة المبالغ بها من جانب بعض قوى الموالاة ومحاولات الاستغلال من عدد من أطراف المعارضة لهذا الموقف هي التي عززت اتجاه «التكتل الطرابلسي» لتهدئة الأمور والتريث أمام بلورة مبادرة تنطوي على مسائل أكثر دقة طرحتها ورقته في مؤتمر لاسال سان كلو، وتجاهلتها إشادات المشيدين واعتراضات المعترضين، ومنها، خفض عدد النواب إلى 108 وعدم استحداث مجلس الشيوخ والهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية ووضع قانون اللامركزية الإدارية الموسعة على أساس انتخاب مجالس الأقضية.
وقد أكدت ردود الفعل المختلفة إزاء موقف التكتل المتعلق بمسألة النصاب والمتجاهلة للمسائل المهمة الأخرى المشار إليها، مخاوفه من خطورة الحال التي بلغتها البلاد والتي اوجبت منه هذا الموقف. ويشرح الوزير الصفدي الخلفيات والحيثيات التي حملته مع حلفائه على إعلانه بالقول إن «الانقسام الواقع في البلاد والتهديد المستمر بالتصعيد والتلويح بسيناريوهات خطيرة إذا لم تجر عملية الانتخاب بطريقة طبيعية وتوافقية كلها أمور أنذرتنا بتداعيات خطيرة، وقد جعلنا ذلك نبادر إلى أن نعلن موقفنا كي نخفف من الاحتقان ونهدئ الخواطر، طبعاً إضافة إلى تمسكنا بالاعتبارات الدستورية والميثاقية السائدة في لبنان منذ قيامه والتي تجعل من غير الجائز التفكير في أي موقف يُشعر فئة كبيرة من اللبنانيين بأن رأيها لا يحظى باهتمام إخوانهم في المواطنية». وفي تقويمه لردود الفعل يقول: «كان هناك تقويم موزون، نحن نشكره، وفي المقابل، كان هناك استغلال نأسف له». ويكشف عن تلقيه تأييداً من جانب أكثر من جهة منضوية في إطار قوى 14 آذار قالت له إنها تشاركه الرأي بوجوب حصول الانتخابات الرئاسية في جلسة يحضرها على الأقل ثلثا أعضاء مجلس النواب، لكنها تؤثر الصمت حتى لا ترتاح قوى المعارضة وتزيد من تصلبها وتحاول ابتزار فريق الأكثرية وتفرض عليه مرشحاً واحداً دون القبول بأية مفاوضة.
ويضيف الوزير الصفدي: «لقد عللنا موقفنا وقلنا إننا في قلب تيار 14 آذار إلى جانب قوى أخرى قد لا تكون جزءاً من فريق الأكثرية، فمن اقتنع اقتنع، ومن لم يقتنع فهذا رأيه، أما نحن فهمّنا الأساسي وشغلنا هو في اتجاه تهدئة الأمور وخفض مستوى التوتر وصولاً إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتأليف حكومة يريحان جميع اللبنانيين. لذلك تركز مساعينا على تنقية الأجواء الداخلية وتهيئة المناخ الملائم في انتظار لحظة الحل التي يتوق إليها اللبنانيون».