عرفات حجازي
لا توحي محصلة الاتصالات والمشاورات التي جرت حتى الآن، ولا الوقائع الماثلة والمعطيات المتوافرة، أن الاستحقاق الرئاسي سيسلك طريقه إلى الإنجاز بشكل طبيعي وهادئ. فمساحات التباعد تزداد بين الموالاة والمعارضة، ودفاتر الشروط والشروط المضادة يضاف إليها كل يوم ما يثقلها ويجعلها أكثر تعقيداً واستعصاء على الحل. وضمن هذه الأجواء المتوترة التي زاد من سخونتها انفجار الخلاف بين الرياض ودمشق، في شكل غير مسبوق، يحاول الرئيس نبيه بري والبطريرك نصر الله صفير، اللذان يستقطبان مجمل الحركة السياسية الداخلية، تأمين المناخات المواتية لبلورة آفاق عملية واضحة للاتفاق على اتجاهات هذا الاستحقاق، علماً بأنهما يلتقيان على قواسم مشتركة، منها نصاب الثلثين لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية والتشديد على أهمية إجرائها في موعدها الدستوري والتوافق على اسم المرشح العتيد.
ومن غير المنتظر أن تنتقل المداولات الجارية في الديمان وعين التينة من إطار الاستئناس بآراء الأقطاب والمرجعيات السياسية والروحية إلى الغوص في لعبة الأسماء، ما لم يحصل تقدم جوهري في حل قضيتين تعتمدان في الأصل على عامل الثقة بين الأطراف، وهما موضوع الحكومة والرئاسة. إذ لا تزال أولوية المعارضة تأليف حكومة وحدة وطنية لكونها ممراً إلزامياً للبحث في موضوع رئاسة الجمهورية، في حين أن الأكثرية عند رأيها بانتخاب الرئيس أولاً، ومن ثم الاتفاق على الحكومة في مرحلة تالية.
وإذا لم يصر إلى اقتناع الجانبين بأن أياً منهما لا يستطيع الاستئثار بإدارة الملف الرئاسي، وأن كل طرف يحتاج إلى الآخر لعقد جلسة الانتخاب بحيث تتعزز فرص الوصول إلى رئيس توافقي، فإن الأزمة ستبقى تراوح مكانها. ومن هنا على الأرجح تريث رئيس المجلس في زيارة البطريرك انطلاقاً من مبدأ يسلكه الأول، وهو عدم الإقدام على لقاء بهذه الأهمية وهذا المستوى، ما لم يكن جازماً في الوصول إلى نتائج إيجابية تريح الوضع، وبالتالي فهو يفضل عدم حصول اللقاء إذا لم تكن حصيلته مثمرة، على حصوله من دون مردود مشجع، وبالتالي لا توقيت محدداً لهذه الزيارة التي ستكون حاسمة لجهة ما هو ملتزم بالسعي إليه والتوافق في شأنه.
على أن بري، رغم إصراره على لبننة الحل وتأكيده وجوب امتلاك اللبنانيين نسبة 51% من اتخاذ القرار، لا يسقط من الحساب العوامل الخارجية، وهو يتواصل مع الدول عبر سفرائها على النحو الذي يوفر النجاح للقرار اللبناني، ويحرص في كل لقاءاته مع الدبلوماسيين الأجانب على شرح وجهة نظره حول سبل إنجاز الاستحقاق الرئاسي، مشدداً على أن المدخل لذلك هو في تأليف حكومة وطنية ترسي مصالحة حقيقية وتعيد أجواء الثقة بين الفرقاء بما يفضي إلى التوافق والتفاهم على الاستحقاق الرئاسي وإنجازه في موعده الدستوري المحدد.
وإذ يعترف رئيس المجلس بأن مهمته في إنقاذ الاستحقاق الدستوري وإيجاد تسوية سياسية للأزمة قد ازدادت تعقيداً بعد انفجار الخلاف السعودي ــ السوري وما سيتركه من تداعيات، وخصوصاً أن الدولتين تمتلكان الكثير من النفوذ والتأثير في الداخل اللبناني، لكنه مع ذلك لا يبدو محبطاً، مشدداً على أن أي خلاف «لا يجب أن يحول دون سعينا إلى عقد الخناصر وشد أواصر الألفة والتضامن وتصليب جبهتنا الداخلية لتكون بمنأى عن تداعيات اي تصدع في علاقات الأشقاء»، آملاً ألّا تصل هذه الخلافات إلى نقطة اللارجوع.
لكن، في المقلب الآخر للصورة، ثمة خوف من انعكاسات التأزم المتجدد في العلاقات السعودية ــ السورية على الداخل اللبناني وعلى مصير الخطوات التي كانت تحضر لحل الأزمة، وتحديداً المبادرتين العربية والفرنسية اللتين راهنتا في نجاحهما على مدى اقتراب دمشق والرياض من قراءة موحدة للأزمة وآليات حلها، وبالتالي فإن خروج الخلاف بينهما بحدة إلى العلن سيعيد خلط الأوراق، ويضع الساعين على خط المعالجات أمام إعادة النظر في تحركاتهم وإجراء تقويم جديد للتطورات والعوامل المؤثرة التي أرخت بثقلها أخيراً على الوضع اللبناني وأعطت إشارات سلبية لا توحي باقتراب التسويات. وهذه المعطيات المستجدة هي التي دفعت السفير السعودي عبد العزيز خوجة للتوجه إلى المملكة للتشاور في المستجدات والوقوف على رأي المسؤولين وعما إذا كانوا يرغبون في استكمال مساعيهم لتقريب الفرقاء من نقاط التلاقي أو يصرفون النظر عن تحركهم الوفاقي.
أما الوسيطان الآخران، برنار كوشنير وعمرو موسى، فإنهما يكتفيان في الوقت الحاضر بتسقط الأخبار والمستجدات، وليس على أجندتيهما زيارة لبنان، ما لم تبرز معطيات مشجعة تستدعي ذلك، لا سيما أن لعبة الرئاسة والحكومة ما زالت تدار في الحلقة المقفلة.
ولم يعرف حتى الآن كيف ستقارب الولايات المتحدة الأزمة اللبنانية، وهي التي تمسك بمفاتيح الحلول لأزمات المنطقة، فسفيرها في بيروت، جيفري فيلتمان، غادر هو الآخر إلى واشنطن لوضع إدارته في صورة الاتصالات التي أجراها مع الأقطاب الأساسيين (وخصوصاً صفير وبري) وتشخيصهم للأزمة والحلول الممكنة لها وما هو المطلوب إقليمياً ودولياً للمساعدة في الوصول إلى هذا الهدف.
وبانتظار عودة فيلتمان وما يحمله من توجهات، فإن الفرقاء على أسلحتهم وفي خنادقهم وعلى مواقفهم المتصلبة غير عابئين بالأخطار التي تنذر بتحويل لبنان ساحة من ساحات الحروب الممكنة الحدوث بين المحاور المتصارعة على امتداد المنطقة.