strong>حسن عليق
  • وفــاة موقــوف ســبعيني مــريض فــي روميــة


  • قبل خمسة أشهر، أوقف رجل سبعيني في سجن رومية لوجود مذكرات توقيف غيابية بحقه. وكان الموقوف، بحسب ما تظهره التقارير الطبية، يعاني ورماً سرطانياً وأمراضاً خطرة في القلب والكلى والرئتين. وخلال الأشهر القليلة التي قضاها في السجن نقل إلى أكثر من مستشفى للعلاج، من دون أن توافق المحكمة على إخلاء سبيله. الرجل السبعيني توفي قبل أربعة أيام

    عند الثانية من بعد ظهر الخميس الفائت، توفي في مستشفى ضهر الباشق سجين موقوف يبلغ من العمر 72 عاماً بحسب بطاقة الهوية، و82 بحسب ما تؤكّد عائلته التي كانت، عبر وكيله القانوني، قد طلبت إخلاء سبيله بسبب وضعه الصحي، إلا أن طلبها قوبل بالرفض. وبحسب تقرير الأطباء، فإن الوفاة كانت نتيجة توقّف عمل القلب والرئتين.
    كان السجين المتوفى موقوفاً في سجن رومية منذ 3/3/2007 بتهمة حيازة مخدرات، وبموجب مذكرة توقيف غيابية صادرة بحقه. وبعد إدخاله إلى السجن، أجريت له عملية جراحية (فتق)، تفاقمت بعدها حالته الصحية التي يعانيها، لجهة إصابته بورم سرطاني، وانتشر المرض وامتلأت رئتاه بالمياه وتعطّلت كليتاه عن العمل. ازداد الأمر سوءاً بسبب وجوده داخل السجن من دون رعاية تمريضية متخصصة، رغم أن تقارير الأطباء كانت تشير إلى وجوب متابعة علاجه حثيثاً وإجراء الفحوص المخبرية والشعاعية الدورية.
    نتيجة وضعه الصحي، تنقّل الموقوف بين عدد كبير من المستشفيات، كان آخرها مستشفى ضهر الباشق، حيث نظم أحد الأطباء تقريراً مفصّلاً قال فيه إنه مصاب بفقر دم شديد ناتج من نزيف متكرر في الأمعاء، وبارتفاع نسبة الزلال في الدم بسبب قصور في عمل الكلى، وأنه يعاني ضعفاً في عضلة القلب والتهاباً في الرئتين، واصفاً حالته الطبية بأنها «خطرة جداً».
    بعد إدخاله الأخير إلى مستشفى ضهر الباشق، تقدّمت جمعية «عدل ورحمة» التي تعنى بأمور السجناء، من الهيئة الاتهامية في جبل لبنان برئاسة القاضي نديم عبد الملك، بكتاب شرحت فيه وضع الموقوف، وطلبت إخلاء سبيله «نظراً لحالته المرضية الخطرة التي شارفت على الموت». أحيل الملف على القاضي المناوب الرئيس فيصل حيدر الذي وافق مباشرة على إخلاء السبيل لقاء كفالة مالية قدرها مليون ليرة، وأبدت عائلته استعداداً لدفعها. بموازاة ذلك، ولكون الموقوف ملاحقاً أمام محكمة الجنايات في جبل لبنان، تقدّم وكيله القانوني بطلب من المحكمة المذكورة لإخلاء سبيل الموكل المريض، مرفقاً الطلب بتقارير طبية وبتقرير من آمر السجن عن وضعه الصحي، إلا أن المحكمة ردّت طلب إخلاء السبيل. وذكرت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» أن محامي الموقوف كان قد تقدّم بأكثر من طلب إخلاء سبيل رفضت جميعها.
    وفي اليوم الذي ردّت فيه المحكمة آخر طلبٍ لإخلاء السبيل، توفي الموقوف في مستشفى ضهر الباشق.
    ولا بد من الإشارة إلى أن الوضع الصحي للمتوفى لم يكن قد تفاقم في أيامه الأخيرة فقط. فيوم 11/5/2007، وبناءً على إشارة النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، عاين الموقوفَ الطبيب الشرعي هشام أبو جودة، وهو خبير محلّف لدى المحاكم، في طبابة سجن رومية بمستشفى ضهر الباشق الحكومي، ووضع تقريراً مفّصلًا عن وضعه الصحي ضمّنه ما يأتي:
    «قبل الدخول لمعاينة المريض الموقوف، سُمِع أنين وصراخ، ولاحقاً شكوى رفقائه في الزنزانة من عدم استطاعتهم النوم ليلاً.
    ـــــ الموقوف رجل طاعن في السن، يصعب تحديد عمره، يبلغ على الأرجح ثمانين عاماً. وهو ممدد على السرير تحت الأمصال. أشيب الشعر. يشكو من أوجاع متفرقة. يفيد بإجرائه عملية جراحية لفتق آربي على الجهة اليمنى. لا تزال آثار الدماء واضحة على الضمادات الطبية التي تغطيه، مع انسكاب دموي على الجهة الداخلية للفخذ اليمنى امتداداً إلى الخصيتين.
    ـــــ بالاطلاع على ملفه الطبي، تبين أن المريض الموقوف يعاني ارتجافاً في نبض القلب، وكان سابقاً قد تعرّض لجلطة دماغية واحتقان في الرئة.
    ـــــ تقرير طبي من مستشفى القديس جاورجيوس بإجرائه عملية قلب مفتوح بتاريخ 22/1/1987.
    ـــــ تقرير طبي من الدكتور عارف ضاهر، اختصاصي في جراحة العظم والمفاصل، يفيد بإجرائه عملية جراحية في الورك والكتف في عام 2001.
    ـــــ تقرير طبي من الدكتور نجيب جهشان الاختصاصي في جراحة الأورام، يؤكد إجراءه عملية جراحية واسعة في مستشفى سيدة مارتين ـــــ جبيل بسبب ورم خبيث في الشفة واللثة، مع تقرير من مختبرات الدكتور أفتيموس للأنسجة يثبت وجود الورم السرطاني».
    وخلص الطبيب إلى القول إن الموقوف «رجل طاعن في السن، مريض، يشكو من أوجاع مختلفة، جسمه مخطط بندبات جراحية قديمة العهد، ومنها حديثة من جراء فتق آربي على الجهة اليمنى، يعاني أمراضاً في القلب، يأخذ لها الأدوية اللازمة دورياً وباستمرار، يعاني مرضاً خبيثاً في الشفة واللثة عولج جراحياً، وضعه الصحي العام بحاجة لمتابعة دقيقة وحثيثة من أطباء اختصاصيين مع وجوب إجراء فحوص مخبرية وشعاعية دورية».
    يُذكر أن المادة 49 من مرسوم تنظيم السجون (المرسوم 14310 الصادر في 11 شباط 1949) تنص على ما يأتي: إن المحكوم عليهم الذين يصابون بالعمى أو الفالج او بمرض عضال والذين بلغوا منتهى سن الشيخوخة أو أصبحوا مقعدين غير قادرين على القيام بعمل ما أو الذين تشتمل عيالهم على عدد كبير من الأولاد القاصرين دون أن يكون لهم نسيب يعنى بأمرهم يجب على قائد درك الكتيبة أن ينظم تقريراً خاصاً في شأنهم بغية استحصال العفو عنهم أو تطبيق نظام الحكم النافذ بحقهم حسب العادة المتبعة في طلبات العفو.
    وتطرح هذه المادة، بحسب قانونيين تحدّثوا لـ«الأخبار»، تساؤلاً عن سبب عدم إخلاء سبيل الموقوف، وخاصة أن المادة المذكورة، إضافة إلى المادة الرابعة من قانون تنفيذ العقوبات الصادر عام 2002، تمنح السلطات المختصة حق الإفراج عن سجين محكوم، انتزعت منه قرينة البراءة في التهمة الموجّهة إليه. فيما المتوفى كان موقوفاً مشتبهاً فيه ومتّهماً بريئاً لم تثبت إدانته بعد.
    وبالنظر إلى أوضاع السجون في لبنان، والرعاية الصحية التي يتلقاها المسجونون من محكومين وموقوفين، وظروفهم الحياتية وحالة الاكتظاظ التي يعانونها، تطرح تساؤلات شتى عن الغاية المفترضة من تنفيذ عقوبة السجن: هل هي لمنع المشتبه فيه من الهرب؟ أم هي المعاقبة على عمل مخالف للقانون اقترفه شخص ما؟ أم أن الغاية من العقوبة هي الاصلاح؟ وفي الحالة الأخيرة، ماذا كان المرتجى من رجل مسنّ يقضي معظم وقته بالتنقل بين السجن والمستشفى؟ وفي كل الحالات، ماذا كان الهدف من إبقاء رجل بريء (لم يكن قد حكم بالإدانة قد صدر بحقه بعد) مصابٍ بأكثر من مرض قاتل داخل السجن؟