strong>حسن عليق
بعد ثلاثة أيام على وفاة موقوف سبعيني في سجن رومية، توفي يوم السبت الماضي موقوف من مخيّم نهر البارد، كان قد اصيب قبل أكثر من شهرين برصاصة قناص داخل المخيم. والسبب الرسمي للوفاة هو توقف القلب عن العمل

عند السابعة والنصف من صباح السبت الماضي، أحضر الموقوف فوزي عبد المجيد السعدي (59 عاماً)، جثة هامدة إلى مركز سجن رومية الطبي، بعدما كان نزيل مبنى الموقوفين في رومية، بموجب مذكرة توقيف صادرة عن القضاء العسكري، منذ منتصف حزيران الماضي.
فوزي السعدي فلسطيني الجنسية من سكان مخيم نهر البارد. وبحسب أفراد عائلته الذين حضروا أمس لتسلم الجثة من مستشفى ضهر الباشق، أصيب في بطنه برصاصة قناص في الرابع من حزيران الفائت، عندما كان ماراً على الطريق الرئيسية داخل المخيم، عند مدخل السوق. ونتيجة خطورة الإصابة، وبسبب نقص المواد الطبية، تعذّر علاجه داخل المخيم، فنقلته سيارة من الصليب الأحمر إلى خارج المخيم. يقول شقيقه: اختفى بعد خروجه، ولم نعرف له أثراً حتى ما قبل ثلاثة أسابيع، عندما أخبرنا أهل أحد الموقوفين أن فوزي موجود في سجن رومية. يكمل ابنه بالقول: حاولنا زيارته في السجن، فقيل لنا إنه غير موجود. وقبل أكثر من أسبوعين، أكّد لنا مندوب من الصليب الأحمر أن والدي موقوف في السجن، فتوجهت شقيقتاي لزيارته، ونجحتا في مقابلته. خلال المقابلة التي دامت دقائق معدودة، كان يبكي طوال الوقت، ولم يقل لهما سوى جملة واحدة: «تعبان كتير، عملو شي حتى إضهر من هون». وينقل ابن السعدي عن إحدى شقيقاته قولها إن الرائحة التي كانت تنبعث من جسد والدها تدل على أنه لم يكن يلقى الرعاية الطبية اللازمة. يواصل الابن حديثه المتقطّع بصعوبة، وبين الجملة والأخرى يردد عبارة «الله يعين»، يستجمع قواه للقول: أجريت لوالدي عملية جراحية بعد إخراجه من المخيم، حيث قام الأطباء بشق خاصرته لتركيب أنبوب للخروج. يقاطعه أحد أفراد العائلة: اتصلنا بعدد كبير من الجمعيات الخيرية، وبمنظمة التحرير وبجميع المنظمات الفلسطينية، لكن لم يستطع أحد أن يفعل شيئاً لإخراجه. يؤكّد أفراد العائلة أن فوزي لم تكن له أي علاقة بفتح الإسلام، وأنه خلال الثمانينيات، كان منتمياً إلى منظمة التحرير. وفي تلك الفترة، أصيب بطلق ناري في رأسه، مما أدى إلى ضعف في ذاكرته، وإصابته بشيء من الصرع، على حد قول أحد أشقائه، الذي يضيف أن فوزي كان يعاني تضخّماً في غدّته الدرقية.
مساء أول من أمس (الأحد)، تلقّت العائلة اتصالاً من دار الفتوى يفيد بأن فوزي قد توفي، مع العلم أن وفاته كانت قد تأكّدت عند السابعة والنصف من صباح السبت داخل السجن. بعد الوفاة، نقلت الجثة إلى مستشفى ضهر الباشق، حيث كشف عليها ثلاثة أطباء شرعيين بناءً على إشارة القضاء، ووضعوا تقريراً سلّمت نسخة منه لإدارة السجن، ذكروا فيه أن فوزي السعدي توفي نتيجة توقف في عمل القلب. وتجدر الإشارة إلى أن الأطباء لم يشرّحوا الجثة، بل أجروا معاينة خارجية لها فقط.
أقرباء السعدي الذين حضروا بصمت لتسلم جثته من مستشفى ضهر الباشق، تمهيداً لنقلها إلى البداوي حيث دفن أمس، كانوا يتحدّثون بصعوبة. يعبّرون عن مفاجأتهم بما جرى. يردد ابنه بحسرة: لم يره أحد من العائلة سوى مرة واحدة منذ خروجه من مخيم نهر البارد. من جهة أخرى، كان القضاء العسكري قد أصدر في منتصف حزيران الماضي مذكرة توقيف بحق فوزي السعدي «بجرم تأليف عصابة بقصد ارتكاب أعمال ارهابية وحيازة متفجرات وترويج عملة مزيفة». يُشار إلى أن عدد المشتبه في انتمائهم إلى فتح الاسلام، والذين أدخلوا إلى سجن رومية منذ بدء المعارك في الشمال، ارتفع إلى أكثر من 180. وقد خصّصت لهم إدارة السجن جناحاً خاصاً لفصلهم عن باقي الموقوفين الذين زاد عددهم على 3000، وخاصة بعدما جرت عدة احتكاكات بين الجهتين على خلفية التهم الموجهة إلى المجموعة الأولى، أي الانتماء إلى «فتح الاسلام».
يُذكر أن فوزي السعدي هو الموقوف الثاني الذي يموت في سجن رومية خلال ثلاثة أيام. الأول موقوف مصاب بعدة أمراض مزمنة، والثاني بطلق ناري. أفلا تكفي هاتان الحادثتان لطرح تساؤلات عن مستوى الرعاية الطبية المؤمنة لنزلاء سجن رومية؟