غسان سعود
الشارع الممسوك من «الطاشناق» ينتظر الاعتذار أو المحاسبة

مرّ أسبوعان على خطاب «الشرفة» الانفعالي والأحاديث الإعلامية الاتهامية، وأسبوعان من زيارات وبيانات التضامن والاستنكار. تشنج الشارع، ولم يأت الاعتذار المطلوب، ولا تصاعد الدخان الأبيض من برج حمود أو بكفيا.
بعد أسبوعين على اعلان خسارة الرئيس أمين الجميل في الانتخاب الفرعي في المتن، وتحميل الصوت الأرمني «الطاشناقي» مسؤولية هذه الخسارة، يبدو أن العاصفة هدأت، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، وخصوصاً أمام من يقترب من الشارع الأرمني، هو: هل هي من العواصف التي تهبّ مرتين، على طريقة المسلسل اللبناني المعروف، أم أنها مجرد زوبعة في فنجان؟
على السطح: عاد الهدوء الى مكاتب حزب الطاشناق، واستعاد أبناء الطائفة الأرمنية إيقاع حياتهم المعتاد. لكن في الباطن، لا يزال التشنج الذي وصل طيلة الأسبوعين الماضيين حدوداً غير مسبوقة في تاريخ هذه الطائفة المسالمة، كالنار تحت الرماد. ويجمع الأرمن، من بيروت إلى بكفيا مروراً ببرج حمود وساحل المتن، على استهجان ما قيل في حقهم خصوصاً من النائبين السابقين غبريال المر ونسيب لحود اضافة الى الجميل، ويؤكد صاحب محل في شارع «أراكس» أن طبيعتهم المسالمة وإصرارهم على احترام الآخر وثقتهم بقرارات الطاشناق وتوجيهاته، حالت دون نزولهم ومعهم لبنانيون من طوائف أخرى متضامنون معهم، إلى الشارع، للمطالبة بمحاسبة «أصحاب الكلام العنصري». ويتساءل عن المطلوب منهم، بالنسبة لبعض السياسيين «الذين يتهموننا بالانطوائية والانعزالية، ويطالبون بأصواتنا لهم، وإذا قررنا التصويت لغيرهم يريدون منا الاعتكاف وعدم ممارسة حقنا الدستوري بالاقتراع».
ويقول جاره إن الأوساط الأرمنية الشعبية، وإن تابعت أعمالها، فهي تراقب تطورات هذه القضية في انتظار نتيجة المساعي والتحركات «والمطلوب بسيط، أي الاعتذار»، معرباً عن تقديره لما تمارسه قيادة الطاشناق من «ضغط واع» على المخطئين في حق الطائفة «لعدم تكرار المهزلة نفسها مرات أخرى».
ويربط هاغوب هافاتيان المنسق الإعلامي في الطاشناق، الذي حصل منذ أسبوعين بما يواجه الحزب خصوصاً والطائفة الأرمنية عموماً منذ عام 2000، معتبراً أن ذلك «يهدد معظم الأحزاب المسيحية التي لا ترضى بما كتبه الآخرون لها». ويرى أن الهواجس التي طرحها الأرمن سابقاً عن التهميش «لم تأخذ حيزاً جدياً إلا أخيراً حين اتضحت أكثر معالم المخططات التي تستهدف النيل من تمثيل المسيحيين وحضورهم في الدولة».
وإذ يشير هافاتيان الى عدم انخراط الأرمن في الحرب اللبنانية، يشكو من أن «الممسكين بالنظام اليوم» يحاولون حرمان هذه الطائفة من التمثيل الحقيقي، وقال إن الرئيس الراحل رفيق الحريري «اعترض على وجود كتلة نيابية باسم «كتلة النواب الأرمن» يترأسها الأمين العام لحزب الطاشناق. وطلب أن تسمى الكتلة «كتلة نواب الطاشناق» وينشئ النواب الذين من خارج الحزب كتلهم الخاصة. فعارض الطاشناق مشدداً على ضرورة احترام الخصوصية الأرمنية المرتبطة بما تعرض له أهل هذه الطائفة خلال تاريخهم».
ويضيف: «رغم هذا الخلاف، وتشنج العلاقة بين الحريري والحزب، حافظ الأخير على تمثله بوزيرين في الحكومات المتعاقبة حتى عام 2000 حين أقر قانون غازي كنعان الانتخابي، الذي يمنع الطائفة الأرمنية من ايصال مرشحيها في بيروت إلى الندوة البرلمانية بدون التحالف مع الرئيس الحريري. ودعا الرئيس الشهيد الأمين العام للحزب إلى اجتماع طالبه فيه بتسمية مرشح أرثوذوكسي واحد من أصل 3 أرمن أرثوذوكس، 1 أرمن كاثوليك، و1 أرمن بروتستانت، واعداً باختيار مرشح بروتستانتي يرضي الحزب. فرفض الحزب العرض الذي كشف عن قلة احترام لحجمه السياسي ورغبة بالانقضاض على حقوق الطائفة».
ولفت الى أن الحزب خاض انتخابات الـ2000 «مع اللائحة المناوئة للائحة الحريري، فخسر المواجهة وذهبت المقاعد الخمسة الى أشخاص لا يمثلون أكثر من 5% فقط من الطائفة الأرمنية. فيما فاز مرشحوه في المتن والبقاع». وقال انه رغم اصرار الحريري «على تهميش الطاشناق، وبالتالي النسبة الأكبر من الطائفة الأرمنية في الحكومات المتعاقبة بين عامي 2000 و2005، فإن قيادة الحزب أصرت على عدم التصعيد والتزام الحوار وسيلة لاستعادة الحقوق، وهو ما أدى الى مفاوضات بين الطرفين، أي الحريري والحزب، كانت قد قطعت شوطاً ايجابياً كبيراً عشية الانتخابات النيابية عام 2005، «لكن وريث الحريري السياسي النائب سعد الحريري لم يكن مطلعاً على التفاصيل وأبلغ المعنيين أن لائحته في بيروت «مقفلة في وجه الطاشناق، وأن الأرمن الذين وقفوا إلى جانب ثورة الأرز أحق بمقاعد الطائفة من الذين قرروا التزام الحياد، حتى ولو كانوا لا يمثلون إلا نسبة صغيرة جداً من أبناء طائفتهم». ورغم ايصال الطاشناق نائبين إلى المجلس عن دائرتي المتن وزحلة، رفض الحريري والمحيطون به تمثيل الحزب ولو بوزير واحد في الحكومة».
هذا مع «المستقبل»، أما مع حزب الكتائب فالمشكلة تبدو لقيادة الطاشناق «مفاجئة وبدون مبرر، هدفها الوحيد تضليل الرأي العام، وتبرير الخسارة، وإيهام جمهور الكتائب أن ثمة طارئين على المعركة غيّروا موازين القوة». ويضيف هافاتيان أن العلاقات بين الحزبين «لم تنقطع يوماً، ورغم عدم التحالف الانتخابي في بعض المراحل، حافظت مياه الود على مجاريها. خصوصاً أن أرمن بيروت وجبل لبنان افتخروا دوماً بوقوفهم خلف زعامة مؤسس الكتائب، ومدّوه بالأصوات المطلوبة للفوز في نيابته في بيروت».
واستذكر أبرز المحطات بين الحزبين وصولاً الى انتخابات عام 2005، وترك مكان فارغ على لائحة عون ـــــ المر للوزير الراحل بيار الجميل «رغم إصرار لائحة الجميل على ترشيح رافي مادايان عن المقعد الأرمني واستفزازهم قواعد الطاشناق في أكثر من بلدة»، مضيفاً: «حتى عشية الانتخابات الفرعية الأخيرة، لم تهدأ الحركة بين مقرَّي الكتائب والطاشناق للوصول إلى مرشح توافقي يرضي جميع الأطراف».
وتخلص قيادة الطاشناق الى دعوة القائلين بوجود «فيتو أرمني» إلى زيارة برج حمود و«مشاهدة الخلايا القواتية والكتائبية التي تنشط في مكاتب لم يتعرض لها أحد رغم التشنج الكبير في الأيام القليلة الماضية». ورأت ضرورة «جمع الكلام العنصري الذي قيل، لمحاسبة مردديه»، خاتمة بمرارة «أن ما قاله البعض في لحظة الغضب، إنما عبر عن حقيقة ما يشعر ويفكر به تجاه أبناء الطائفة الأرمنية، وهذه أمور يفترض أخذها جدياً في الحسبان، لأن عدم الاعتذار، لن يعيد شيئاً الى ما كان عليه».