نهر البارد ـ نزيه الصديق البدّاوي ـ عبد الكافي الصمد

الجيــــش يحبــــط محــــاولات «فتـــح الاســــلام» لاستعــــادة مواقــــع

تطورت الأوضاع الأمنية في مخيم نهر البارد على نحو كبير يوم امس، بعدما ارتفع عدد الغارات الجوية التي شنتها المروحيات العسكرية التابعة للجيش اللبناني إلى أكثر من عشر غارات، واحتدمت الاشتباكات على مختلف محاور المربع الأمني الذي يسيطر عليه مسلحو تنظيم فتح الإسلام، وسط معلومات متضاربة حول استعادة المسلحين مواقع تابعة لهم كانت قد سقطت في أيدي الجيش.
وكانت المروحيات العسكرية اللبنانية قد شنّت ابتداءً من الساعة الخامسة من فجر أمس، وعلى مدى أكثر من ساعة ونصف، ست غارات استهدفت بشكل رئيسي المواقع والملاجئ الواقعة في محيط التعاونية ومركز ناجي العلي الطبي وحي سعسع التحتاني، لتتوقف قرابة ساعتين قبل أن تعاود غاراتها في الأماكن ذاتها أربع مرات مجدداً، ملقية قذائف تزن كل واحدة منها قرابة 400 كلغ.
وأعقب الغارات الجوية وقوع اشتباكات ومواجهات عنيفة على مختلف المحاور؛ حيث أفادت المعلومات أن مواجهات عنيفة دارت منذ ساعات الصباح، استعملت فيها مختلف أنواع الأسلحة، ولا سيما مدفعية الدبابات والأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، في أطراف أحياء الدامون ومحيط ناجي العلي وسعسع التحتاني، إضافة إلى استمرار الاشتباكات ضمن نطاق المربع الأمني، حيث أشارت معلومات أمنية إلى أن الجيش حقق تقدماً على خط مدارس الأونروا ومسجدي الشيخ علي والحاووظ عند المحور الغربي، وصولاً إلى طريق السوق بعمق 50 متراً، في إطار تضييق الحصار والخناق على المسلحين، والقضم التدريجي لمواقعهم.
وأشار مصدر عسكري إلى أن الجيش «أحرز تقدماً وسيطرة على عدد من المباني، وأن وحدات المغاوير توغلت داخل أحياء المربع الأمني الذي يتحصن فيه المسلحون، بعدما تمكن القصف الجوي من تدمير عدد كبير من الأبنية المرتفعة».
وأعقب ذلك وقوع اشتباكات عنيفة بعد ظهر أمس، استخدمت فيها الأسلحة الرشاشة والمتوسطة والقنابل اليدوية في عمق المخيم، وتحديداً عند مدخل السوق القديمة، في حين واصلت الجرافات فتح الطرقات الداخلية وإزالة الردميات، إفساحاً في المجال أمام توغل الدبابات داخل المخيم، بينما استمرت عمليات التطهير والتنظيف من المتفجرات والألغام المنتشرة.
في مقابل ذلك، تضاربت المعلومات حول استعادة المسلحين مواقع خسروها سابقاً، وخصوصاً في محيط مركز ناجي العلي الطبي الذي كانت المعلومات قد أشارت قبل أيام إلى أن الجيش قد أسقطه، وذلك بعدما لوحظ تجدد الاشتباكات والقصف على تلك المواقع. وفسرت مصادر عسكرية ذلك بأن «الجيش كان يطلب من العناصر التراجع بعض الشيء خلف المواقع المسيطرين عليها داخل المخيم أثناء القصف الجوي، ويبدو أن بعض المسلحين حاولوا استغلال ذلك للتقدم باتجاه المواقع التي أخليت لأسباب تكتيكية، ولكن محاولاتهم هذه باءت بالفشل تماماً، بعدما استعاد الجيش السيطرة على تلك المواقع، موقعاً في صفوف المسلحين خسائر بشرية هامة».
في هذه الأثناء، أطلق المسلحون ثلاثة صواريخ من داخل المخيم، سقط أحدها في بلدة ببنين في عكار، واثنان منها في بلدة دير عمار، الأول في المنطقة الواقعة بين مبنى القائمقامية والحمام العسكري، والثاني على سطح منزل المواطن محمد الدهيبي في منطقة القلعة شرق البلدة، واقتصرت أضرارهما على الماديات.
على صعيد آخر، نعت قيادة الجيش ـــــ مديرية التوجيه جنديين استشهدا يوم أمس في المعارك، هما: العريف الشهيد محمد خضر الخضر من بلدة وادي الجاموس ـــــ عكار، والعريف الشهيد محمد حسين الجمل من محلة القبة ـــــ طرابلس.
وفي مخيم البداوي، تصاعدت حدّة النقاش حول قضية الإيواء المؤقّت لنازحي مخيّم نهر البارد، وتفاعلت على نحو خطير في الأيام الأخيرة، بشكل بات يهدد بوقوع إشكالات وتطورات خطيرة، إذا لم يتم تطويقها قبل فوات الأوان.
هذا الانطباع السلبي تكوّن ابتداءً من مطلع الأسبوع الماضي، بعدما طفت على السطح من غير سابق إنذار خلافات حادة كان يتم التعامي عنها لأسباب عدة، إلا أن استمرار أزمة مخيم نهر البارد ودخولها شهرها الرابع على التوالي، وعدم الإعلان عن خطة واضحة لمواجهة التحديات المقبلة في سبيل إغاثة النازحين، ومعالجة قضاياهم المعيشية والاجتماعية والتربوية والصحية، مع اقتراب حلول شهر رمضان، والعام الدراسي المقبل وفصل الشتاء، كل ذلك أرخى بثقله على الوضع العام في مخيم البداوي، وبات ينذر بحصول «انفجار» كبير لا يعرف أحد كيف يبدأ ولا كيف ينتهي.
هذه المخاوف كانت حاضرة بقوة خلال اللقاء الموسع الذي عقده المدير العام للأونروا في لبنان ريتشارد كوك ونائب المفوض العام فيليبو غراندي ووفد مرافق، مع الفصائل الفلسطينية المختلفة في مقر وكالة الإغاثة الدولية في مخيّم البدّاوي، في اجتماع جرى بعيداً عن الإعلام نهاية الأسبوع الماضي، وانتهى من غير أن يسفر عن التوصل إلى نتيجة ملموسة.
فتحالف القوى الفلسطينية في الشمال، أصدر في ما بعد بياناً أوضح فيه أنه تم التأكيد خلال اللقاء على «العودة المحتمة للنازحين إلى مخيم نهر البارد، وضرورة استئجار أراض في محيط المخيم تجسيداً لحق العودة، وأن بناء المساكن المؤقتة على تخوم مخيم البداوي لا يتم قبل إنجاز عقود الأراضي المستأجرة في محيط مخيم نهر البارد».
غير أن مصادر فلسطينية معنية كانت حاضرة اللقاء، أشارت لـ«الأخبار» إلى أن كوك أوضح للمجتمعين أنه تلقى من الحكومة اللبنانية «ضمانات ووعود متتالية بإعادة إعمار مخيم نهر البارد، وأنه تم تشكيل لجنة متابعة لهذه الغاية من أجل التواصل مع النازحين ومسؤولي الفصائل، لأن إعادة الإعمار تحتاج إلى تنسيق جهود بين الأونروا والحكومة والمجتمع المحلي الفلسطيني».
وأضافت المصادر بأن كوك لفت أنظار الحاضرين إلى أنه «لم يتم استئجار عقارات على تخوم مخيم نهر البارد، لإقامة مساكن مؤقتة عليها للنازحين، برغم عروض عدة قدمت لنا، لأن كلفة الإيجارات مرتفعة، وبسبب عدم تحديد موعد لانتهاء الأعمال العسكرية في محيط المخيم، موضحاً أنه طلب من الحكومة اللبنانية المساعدة في تأمين عقارات شمال بلدة العبدة في عكار، إلا أننا لم نتلق جواباً على ذلك حتى الآن».
لكن البارز في اللقاء، حسب المصادر الفلسطينية، أن «كوك طلب من الفصائل الموافقة على مباشرة بناء المساكن المؤقتة في محيط مخيم البداوي، للتخفيف من الأزمات التي يعاني منها النازحون، وخصوصا أن نازحين كثراً رحبوا بالفكرة برغم كل ملاحظاتهم السلبية عليها، إلا أنه قوبل بموافقة مشروطة، متمثلة بتزامن ذلك مع استئجار عقارات على تخوم مخيم نهر البارد، وخصوصاً أن النازحين المقيمين في المدارس قدموا عرائض عدة، وأعلنوا فيها رفضهم الخروج إلى أي مكان غير مخيم نهر البارد».
ومع أن هذه المصادر الفلسطينية أبدت خشيتها من أن «يكون الهدف من وراء التصعيد والمزايدات هو عرقلة التوصل إلى أي حل لأسباب ومنافع شخصية بحتة، على قاعدة «خالف تعرف»، وصولاً إلى حد وقوع مشاكل ستكون معالجتها صعبة ومكلفة لاحقاً»، فإن ما بدا لافتاً في الأيام الأخيرة هو البيانات الصادرة عن ما يسمى «اللجنة الوطنية لأبناء مخيم نهر البارد»، حيث شدد البيان الأخير على أن «أحداً لن يخرج من مدارس الأونروا إلا إلى أنقاض مخيم نهر البارد أو محيطه، وليفهم ذلك حتى من لا يريد أن لا يفهم».
يذكر أن «لجان حق العودة» و«اتحاد الشباب الديموقراطي الفلسطيني» اعتصما أمس أمام مكتب مدير خدمات «الأونروا» في مخيم البداوي، تحت عنوان «لا بديل عن نهر البارد إلا نهر البارد». ورأى مسؤول منظمة «لجان حق العودة» عبد الله ديب ديب أن «معالجة مشكلة الاكتظاظ السكاني لأكثر من خمسين ألف لاجئ في مخيم البداوي، تكون عبر إيجاد مساكن موقتة ولائقة داخل حدود مخيم نهر البارد أو في جواره، لأسباب سياسية وجغرافية، لأن ذلك من شأنه تبديد الهواجس لدى النازحين حول مستقبل المخيم وحتمية العودة إليه».