إبراهيم الأمين
يبدو أن فريق 14 آذار سيكون الوحيد في انتظار عودة السفير الأميركي جيفري فيلتمان من واشنطن، قبل نهاية الشهر الجاري، لأن الآخرين، وتحديداً الرئيس نبيه بري، حصلوا أمس على الجواب الأساسي الذي أعلنته وزارة الخارجية الأميركية عن رفض تعديل الدستور من جهة، وإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها من جهة ثانية. وما لا يحتاج بري إلى انتظار سماعه هو أن الإدارة الأميركية سوف تكون إلى جانب الخيار السياسي لفريق 14 آذار، ما يعني أنها قد لا تساعد على منع المواجهة، علماً بأن الفقرة الإضافية التي لا يحتاج أحد إلى انتظارها تتصل بأن الجهود الفعلية الباقية هي التي تتركز على المسعى الفرنسي لإيجاد قواسم مشتركة تتيح احتمال التوافق على رئيس واحد لكل اللبنانيين.
وصدر الموقف الأميركي بصورة رسمية، نافياً كل التفسيرات أو التأويلات، وكذلك حتى ما كان السفير فيلتمان قد أعلنه في وقت سابق من عدم ممانعة التعديل الدستوري، وهو ما يعني نقل النقاش من مرحلة إلى أخرى.
وبحسب مطّلعين، فإن موقف واشنطن الذي تنتظره قوى 14 آذار لمواجهة احتمال ترشيح قائد الجيش العماد ميشال سليمان، سوف يكون له أثره على الخطوات اللاحقة من جانب قوى السلطة، باعتبار أن الولايات المتحدة لم تصرح بشيء محدّد إزاء طريقة انتخاب الرئيس. وبالتالي لم تقدّم إجابة عن الموقف من احتمال لجوء فريق 14 آذار إلى انتخاب رئيس من خلال النصف زائداً واحداً. وهي الخطوة التالية التي ينتظرها فريق 14 آذار. وثمة كلام صريح في أوساط هذا الفريق بأن واشنطن لن تطلق موقفاً مباشراً من هذه المسألة، لكنها سوف توفّر كل ما يلزم لأجل شرعنة خطوة من هذا النوع، بما في ذلك توفير عناصر اعتراف دولي وعربي بالرئيس المنتخب من جانب فريق 14 آذار. كما أن الولايات المتحدة أبلغت «جماعتها» في بيروت أنها سوف تكون جاهزة لنزع أي شرعية دولية عن أي إجراء تلجأ إليه قوى المعارضة، وهي مستعدة لتوسيع نطاق العقوبات ضد كل معارض للسلطة التي يكوّنها فريق 14 آذار.
على أن فريق 14 آذار نفسه، لا يزال منقسماً حيال الموقف من الخطوات الخاصة بالاستحقاق الرئاسي. وفي هذا السياق، يوضح النائب بطرس حرب أنه لم يكن صاحب موقفين من مسألة تعديل الدستور خلال مناقشات اجتماع معراب، أول من أمس، بل هو متمسك برأيه بأنه في حال عدم توافر الآلية الدستورية الصحيحة لن يكون مرشحاً، الأمر الذي يناسب آخرين من الفريق نفسه، من الذين يفترضون أنهم أمام فرصة الفوز بمنصب الرئاسة على أساس تسوية مع الفريق الآخر. ويبدو أن هذا الفريق لا يريد تشنجاً أو توتراً إضافياً، وهو ما دفع بكثيرين إلى التواصل أمس مع سياسيين وإعلاميين، شارحين موقفهم المعارض لفكرة تكريس مرجعية صدامية للموارنة، وأن ترتيبات اجتماع معراب تتبعها ترتيبات لاجتماعات أخرى في أمكنة أخرى. ولاحظت هذه الشخصيات أن قائد القوات اللبنانية سمير جعجع لم يخرج كثيراً عن فحوى نقاط التفاهم في مؤتمره الصحافي، وأن ما صدر في ما يخصّ الرئيس بري تمت معالجته من خلال توضيحات لاحقة، علماً بأن بري رفض أصلاً الدخول في سجال مع جعجع.
وبين التوتر الداخلي لفريق 14 آذار والموقف الأميركي من تعديل الدستور ومن موعد انتخاب الرئيس، ومع ارتفاع منسوب التوتر في العلاقات السورية ـــــ السعودية، فإنه لا خيار أمام من يريدون تفاهماً سوى انتظار الجهود الفرنسية من جهة، وبعض الجهود الإضافية للجامعة العربية من جهة ثانية. ويبدو أن الرئيس بري يقف في هذا الجانب وهو كثير الحذر برغم كل التفاؤل الذي يتحدث عنه. وهو يعرف أنه لم يعد لديه من خيار سوى انتظار المساعي الفرنسية التي تقوم الآن بصورة غير مرئية، ويبدو أن نسبة التفاؤل لدى الجانب الفرنسي ليست أكبر من تلك الموجودة عند الرئيس بري، ونقل عن المسؤول الفرنسي عن هذا الملف تكرار تحذيره من مخاطر الأزمة وصعوبة توفير توافق جدي قريباً جداً، وبرر الجهود المكثفة القائمة الآن بأنها محاولة لمنع الانهيار من جهة، ولبناء جسور قوية مع جميع الأطراف اللبنانيين، ما يتيح لفرنسا أداء دور مركزي في احتواء الأزمة لاحقاً، وهي المهمة التي صار الجميع يرى أنّها ضرورية. وثمة من يقول إن هناك أطرافاً أخرى يسيرون على الطريق نفسه، وإن الفاتيكان يعيش في هذا المكان.
وإلى جانب هذه المتابعة، هناك تقصٍّ من جانب بري وآخرين لحقيقة ما توصّل إليه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مع الرئيس الأميركي جورج بوش بشأن الملف اللبناني، وحتى اللحظة، لم يرد إلا القليل، مثل القول إن الولايات المتحدة كما فرنسا لا تنظر إلى الملف اللبناني كملف بحدّ ذاته، بل كجزء من ملف المنطقة ككل، وإن لعبة المقايضة الفرنسية تقوم الآن على ما يخص مصالح الأميركيين في المنطقة، وهي المصالح التي تتطلب تسويات أو مواجهات مع دول مؤثرة جداً في الملف اللبناني ولا سيما إيران وسوريا.
لكن الفرنسيين لا يظهرون حماسة كبيرة لأجل إنتاج صفقة كبيرة في هذا المجال، ويكثرون الحديث عن عدم حصول تغيير كبير في الموقف السوري من الأزمة اللبنانية، ثم إنهم لا يبالغون في قدرتهم على إقناع الجانب الأميركي بإدخال تغييرات جوهرية على سياسته في المنطقة، وهم بالتالي يريدون تسوية جزئية تمنع توسّع الانفجارات في المنطقة، وهو ما عاد الوزير برنار كوشنير وعبّر عنه أمام نظراء عرب له لناحية خشيته الحقيقية من عودة اللبنانيين إلى التقاتل إذا لم تتوافر تسوية سريعة.
لكن اللافت، في ما يجري تناقله، هو أن الفرنسيين يبدون أكثر تأثيراً على الكنيسة لناحية دفعها إلى التصرف على أساس الخشية من الانفجار. على عكس الولايات المتحدة الأميركية التي تريد من الكنيسة موقفاً حاسماً في الوقوف إلى جانب قوى السلطة. وهو الأمر المتعذّر في المدى المنظور، لأن صفير يخشى أن يكون الرئيس إميل لحود آخر الرؤساء الموارنة في لبنان.