طارق ترشيشي
كان مقرراً أن ينعقد فعلاً لقاء بين رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري ورئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون، اتفقا عليه خلال الاتصال الهاتفي الشهير الذي أجراه الحريري بعون من باريس قبل أسابيع قليلة على موعد الانتخابات النيابية الفرعية التي جرت في دائرتي بيروت والمتن الشمالي.
والواقع أن هذا اللقاء كان ينبغي أن يكون تتويجاً لنتائج اجتماعات قيادية تعقد بعيداً من الأضواء بين المسؤولين في تيار «المستقبل» و«التيار الوطني الحر»، وتتناول تطورات الأزمة بين الموالاة والمعارضة، ومستقبل العلاقات بينهما في ضوء الاستحقاقات الداخلية والخارجية، وفي مقدمها الاستحقاقان الرئاسي والحكومي.
وتفيد أوساط تسنّى لها الاطلاع على المراحل التي قطعتها هذه الاجتماعات والنتائج التي حققتها، أن «اللقاء الديموقراطي» و«القوات اللبنانية» نظرا بارتياب إلى ما تشهده العلاقات بين «التيارين»، واندفعا في خطة لقطع الطريق على أي تفاهم فعلي يمكن أن يحصل بينهما، فأقنعا الرئيس أمين الجميل بترشيح نفسه للانتخابات الفرعية، بعدما كان ينوي ترشيح نجله سامي، لتكون له حظوظ أكبر في الترشح لرئاسة الجمهورية باعتبار أن إلحاق هزيمة انتخابية بعون من شأنه أن يؤدي إلى ضمور في حجمه التمثيلي المسيحي، لمصلحة مسيحيي قوى 14 آذار وفي مقدمهم الجميل ورئيس الهيئة التنفيذية لـ«القوات اللبنانية» سمير جعجع، وتالياً سقوط مشاريع التفاهم أو التوافق التي توصلت إليها اللقاءات «المستقبلية ـــ العونية».
لكن المفاجأة كانت أن المرشح العوني كميل خوري فاز في انتخابات المتن، وظهر عون مجدداً القيادي الأكثر تمثيلاً في الشارع المسيحي، على رغم الجداول الإحصائية التي حاول الجميل من خلالها أن يظهر ارتفاع منسوب التأييد الشعبي الماروني الذي يحظى به في معقله المتني.
وتشير هذه الأوساط إلى معاودة اللقاءات والاتصالات بين قيادتي «المستقبل» و«الوطني الحر»، وأن التحضيرات للقاء المقرر بين الحريري وعون تجددت آخذة في الاعتبار ما يحصل من تطورات على المستويين الإقليمي والدولي تتصل مباشرة أو مداورة بالاستحقاق الرئاسي. وكان اللافت في هذا المجال ما كشفه عون من مضمون رسالة قال إنه تلقاها من «مصادر أميركية» مفادها أن الإدارة الأميركية في صدد «إعادة نظر» أو «إعادة تقويم» للوضع في لبنان وسياستها حياله.
وتقول هذه الأوساط إن كلام بعض أركان 14 آذار في الآونة الأخيرة عن اعتبار كل من يدخل التسوية بأنه «خائن» إنما هو كلام موجه إلى تيار «المستقبل» إذا سار في منحى تسووي أو تفاهمي مع عون وكتلته النيابية وتياره السياسي، على أن هذه الأوساط ترى أن تيار «المستقبل» بعدما أُقِرّت المحكمة الدولية الخاصة للبنان التي جعلها في رأس أهدافه السياسية وهي في طريقها إلى التكوين بعد اعتماد هولندا مقراً لها، قرأ ما آل اليه الواقع جيداً وبدأ ينظر إلى المستقبل بطريقة مختلفة، وخصوصاً بعدما تأكد له أن أي فريق في لبنان لا يمكنه أن يلغي الآخر، وأن الجميع محكومون في النهاية بالتوافق. ويبدو أن إلحاح الحريري ورغبته المتكررة بالاجتماع مع الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله، ناجم من هذه القناعة التي توصل إليها، وهو يريد على الأرجح أن يفتح صفحة جديدة على الأقل مع قوى سياسية أساسية مثل حركة «أمل» و«حزب الله» و«التيار العوني» من أجل تعبيد الطريق أمام مستقبله السياسي إلى جانب بقية القيادات والقوى الفاعلة في الحياة السياسية.
غير أن بعض السياسيين يقول إن من المبكر المراهنة على انشقاقات كبرى في صفوف فريق 14 آذار، لأن هذه الانشقاقات إذا كانت ستحصل فإنها ستكون انعكاساً لفعل خارجي أكثر منه داخلي، وفي هذا الإطار تنبغي قراءة الحركة الأميركية لبنانياً وإقليمياً ودولياً جيداً. ومجرد أن يصدر عن واشنطن أمس موقف يعارض تعديل الدستور اللبناني لفتح الباب أمام خيارات رئاسية من خارج النادي السياسي، فهذا يعني أن حديث عون عن أنها في صدد إعادة نظر أو تقديم لسياستها إزاء لبنان هو في محله، صحيح أن المعارضة الأميركية لتعديل الدستور تلتقي مع موقف فريق 14 آذار عموماً وموقف الذين اجتمعوا في معراب، أول من أمس، ولكن ينبغي انتظار معرفة حقيقة الموقف الأميركي من نصاب الثلثين المطلوب دستورياً لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية، في الوقت الذي لم تتوقف فيه الموالاة عن التلويح بانتخاب رئاسي على أساس الأكثرية المطلقة، أي النصف زائداً واحداً.
ولكن إذا صح أن السفير الأميركي جيفري فيلتمان أبلغ إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري تأييد واشنطن لنصاب الثلثين، فإن ذلك يعني أن الموقف الأميركي معطوفاً عليه موقف البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير، يؤكد أحد أمرين: الأول الإقرار بدستورية نصاب الثلثين وأن الانتخاب بالأكثرية المطلقة هو «هرطقة»، والثاني أن الرئيس العتيد لن يكون إلا رئيساً توافقياً. وبين المرشحين الحاليين بعض ممن يحملون صفة التوافق، ولكن من الآن وحتى 25 أيلول المقبل، لا شيء يمنع من أن تجعل التطورات المرتقبة من بعض المرشحين المصنّفين تصادميين، مرشحين توافقيين.