فداء عيتاني
كان يفترض أن تكون لفلسطين سفارة في بيروت، إلا أن التجاذب المحلي أدى إلى بقاء البعثة الفلسطينية بمستوى ممثلية، وبقي السفير الفلسطيني عباس زكي ينتظر الاتفاق بين اللبنانيين، لكن، بالانتظار، تعمل الممثلية على عدد من الملفات، أولها وضع سياسة فلسطينية رسمية في لبنان، وهذا الاتجاه يتملّص منه زكي بديبلوماسية مستجدة عند المناضلين ويحاول تقديم صورة مختلفة للوضع الفلسطيني. وهو ما برز في اللقاء الذي نظمه هشام دبسي مع الصحافيين «للنقاش لا لإقامة علاقات عامة».
ويعمل المكتب الإعلامي للممثلية كما تعمل مؤسسات تعبئة ودراسات وبعثات دول كبرى، وخصوصاً أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الذين يوازي عددهم ما نسبته 10 في المئة من مجموع الشعب اللبناني، لا يكادون يحصلون على معاملة إنسانية في لبنان، أضف الى ذلك المشكلات الفلسطينية ـــــ الفلسطينية.
ويحاذر السفير زكي، أو رئيس البعثة الديبلوماسية بحسب التعريف الرسمي على بطاقته من وزارة الخارجية اللبنانية، إطلاق مواقف حادة، ويبتعد عن الملفات الداخلية اللبنانية حتى لو داهم هذا الشارع المشتعل مخيماً من أكبر المخيمات مثل نهر البارد.
يقول زكي: «في 15 أيار من عام 2006، وهو يوم النكبة (1948)، افتتحنا مكتب الممثلية لنقول إننا عدنا، وكان مطروحاً على جدول مجلس الوزراء يوم 11/11/2006 رفع مستوى التمثيل الى سفارة، ولكن حصلت استقالة الوزراء من الحكومة، فسحبنا طلب رفع مستوى التمثيل حتى لا يكون الملف الفلسطيني موضع خلاف، ولا مشكلة لدينا في التعامل على المستوى الديبلوماسي».
أما السياسة الفلسطينية في لبنان فيشكل العامل اللبناني الأساس فيها، بحسب زكي، «الحفاظ على الذات وبناء جسور من الثقة مع الجميع، وعدم زج الفلسطينيين في أية معركة، على اعتبار أن الفلسطيني له قضية كبرى وبحاجة إلى مساندة كل الأطراف والى تجاوز الماضي، وليؤكد اليوم أنه ضيف، ويلتزم سيادة القانون، ويرفض الإخلال بالمعادلات اللبنانية، وبالتالي فهو يرفض التوطين، ويشدد على حق العودة، ويطالب بأن يتعامل اللبناني معه كأي ضيف آخر عربي أو دولي، وتكون له الحقوق والحرية نفسها المعطاة للآخرين».
ويقول زكي إن «الحكومة اللبنانية تعطي الدليل تلو الآخر على أنها مع هذا التوجه، والعائق هو غياب الانسجام الداخلي اللبناني، ولو كان الوضع اللبناني سليماً لكان الوضع الفلسطيني في أبهى صوره، وخاصة أنه في ظل سياستنا الجديدة كان هناك تبنٍّ لموقفنا، وكان الحوار اللبناني ـــــ اللبناني قرر تنظيم السلاح داخل المخيمات، عبر صيغ كان يمكن أن ترى النور لو بقي الوضع اللبناني الداخلي متماسكاً».
ويرى زكي أن «سلاحاً كسلاح فتح الإسلام ضار، ولن تتكرر ظاهرة البارد، والحكومة اللبنانية لم تتحدث عن أي سلاح خارج مخيم نهر البارد، وما حصل في البارد جريمة، والسلاح هذا مشبوه، ومن خلفه كانوا يريدون إطاحة التعايش اللبناني ـــــ الفلسطيني».
أما عن معالجة الملفات الطارئة فهناك لجنتان «بيننا وبين الحكومة، وهما تتابعان الملفات كافة، ونحن بالمقابل لم نحصل على أية مساعدة إلا من السعودية، وهنا الكلام ينطبق على نهر البارد وغيره، وهناك من تعامل معنا بالشعارات بأنه مع فلسطين، ولكنه لم يقدم أي شيء، والدولة اللبنانية حتى الآن تردد أن الخروج من البارد مؤقت والعودة محتمة والبناء حتمي، وما يتعلق بالمخيمات الأخرى هو تنظيم علاقة فلسطينية لبنانية برضا الطرفين وقبولهما».
ويؤكد زكي «أننا كنا قادرين على مواجهة ما حصل في البارد، ولكن كانت رؤية الجيش عدم حصول فتنة فلسطينية ـــــ فلسطينية، لأنه لم تكن كل الفصائل مقتنعة بمواجهة فتح الإسلام، وخاصة أنه كان هناك اختلاف على تفسير هذه الظاهرة، وكان الظرف اللبناني الاستثنائي وعدم الاتفاق الفلسطيني ـــــ الفلسطيني على إجراء عملي، إضافة الى تخوفاتنا من تحول المخيم الى مصدر لإشعال البلد، حالت كل هذه العوامل دون أن نقدم أقصى جهد لدينا».
وحول الموقف من التدخل في البارد يقول: «قبل ما حصل في غزة كنا قلب رجل واحد، والاختلاف قد يكون أحياناً في التكتيكات، وكان كل طرف منا يكمل الآخر، واستنفدنا فرص إيجاد تسوية سلمية مع فتح الإسلام وكنا نعتمد على الجهاد الإسلامي لإيجاد هذه التسوية وفوّضناها إجراء المحاولات ولكن فتح الإسلام رفضت، وكانت ترفض التخلي عن السلاح بأي شكل، دلالة على أن لديهم تصميماً وقناعة بالنصر في بلد هش كلبنان وفي ظل الخلافات الداخلية، وكانوا يعتقدون بأن في إمكانهم إحداث تعديل ما في لبنان».
بالنسبة إلى الوضع في عين الحلوة يؤكد زكي أنه «تم تجاوز 80 في المئة من المشكلات العالقة بالتراضي، واتعظ الجميع مما جرى في البارد وبدأ التنسيق معنا، ولم يعد هناك فلسطيني خارج النص في عين الحلوة إلا إذا كان متهماً بالسابق أو خارجاً من نهر البارد، وحتى الملفات القضائية نحن نعالجها، ولن نكون مرجل شر ولا ضحية بلا ثمن. ونحن أشقياء في البارد ولا نريد مضاعفة الشقاء في عين الحلوة».
ويضيف: «ما حصل في فلسطين من أن الناس تقتتل في قلعة محاصرة لا ينعكس على لبنان، والعلاقة بيننا وبين حماس في لبنان عادية، لا صراع ولا لقاء، ولكن تعميماتنا أن نجنب هذه الساحة ونحترم الإخوة في المخيمات، وما حدث في غزة يجب أن يبقى محصوراً في غزة، ونحن اعتُدي علينا ولن نمارس دور الانتقام، وفي ماضينا كنا من دون بلد ومن دون جيوش ومن دون سيادة وكنا نحن السادة».