إبراهيم الأمين
في انتظار توضّح معالم الصورة القائمة الآن خارجياً، والتي يفترض أن تظهر في مداولات الموفد الفرنسي جان كلود كوسران مع القيادات اللبنانية، فإن في لبنان من يصرّ على انتظار الموقف الأميركي الذي سيحمله بصورة نهائية السفير جيفري فيلتمان عند عودته إلى بيروت، علماً بأن المؤشرات المتضاربة لا تخص الموقف الأميركي وحده، بل تخص معظم اللاعبين الخارجيين الذين يظهرون تزمتاً على طريقة المتنازعين اللبنانيين، ويخشون في الوقت نفسه من تدهور الأوضاع لبنانياً نحو انفجار لا يمكن السيطرة عليه. وقد ازدادت هذه المخاوف جراء ارتفاع منسوب التوتر السياسي في لبنان من جهة، والتطورات الأمنية التي توسعت مع انفجار المعارك في نهر البارد، والخشية من أن تدب الفوضى في لبنان، ما يحوّله إلى قاعدة لأنشطة تتجاوزه جغرافياً.
لكن المتابعين للمفاوضات السياسية لا يشعرون بأن الخشية من الانفجار توازي النشاط السياسي باتجاه لجم الأطراف، بل إن في المعارضة من يشك أصلاً في وجود رغبة حقيقية عند الأطراف العربية والدولية الداعمة لفريق السلطة بممارسة الضغوط الكفيلة بدفع هذا الفريق إلى تسوية سريعة، فيما يعتقد أركان فريق 14 آذار أن أي تسوية سوف توسع من دائرة نفوذ الفريق الخصم داخلياً وخارجياً، وهو ما يعبّر عنه صراحة كل من وليد جنبلاط وسمير جعجع، ويوافقهم الرأي سعد الحريري دون أن يقول الكلام بنفس لغة حليفيه.
وإلى جانب هذه المساعي، فإن الأطراف الداخلية تتحفز وتستعد لمواجهة سياسية ـــــ شعبية تكون على صلة بالاستحقاق الرئاسي، ما يدفع بالرئيس إميل لحود إلى أخذ قراره في وقت قريب ولا يؤخره إلى ربع الساعة الأخير. وينقل عن جنبلاط كما عن جعجع أن قرار انتخاب رئيس وفق نصاب النصف زائداً واحداً أمر لا مفر منه ولا بد منه، وبالتالي فهما يدفعان بالأمور نحو جعل فريق المعارضة يتجه نحو تبني خطوات كردّة فعل تأخذ بعين الاعتبار منع فريق 14 آذار من الإمساك بالسلطة، ولا يبدو أن لدى أطراف المعارضة ما يسمح بترك الأمور على الطريقة التي سار بها التحرك الشعبي السابق، ولا سيما موضوع الاعتصام المفتوح في وسط بيروت التجاري، والذي لا يبدو أنه تحوّل إلى عنصر حاسم في إجبار الفريق الآخر على التراجع.
إضافة إلى ذلك، فإن القوى الداعية إلى رفع منسوب التحرك الاحتجاجي من جانب المعارضة تفترض أن أسلوب التظاهر المتقطع من شأنه عدم بت الأمر من جهة ومن شأنه أيضاً منح شرعية للطرف المتشدد في فريق 14 آذار لكي يواصل تشدده وعرقلته للتسوية. كما يفترض أصحاب هذا الرأي أن الأمور من شأنها نقل المواجهة من مرحلة التصادم السياسي الهادئ الذي لا يؤثر في مواقف الدول الخارجية الى مرحلة التصادم الذي يشعر هذه الدول بأن دعمها لقوى الأكثرية دون الالتفات الى مواقف أكثر من نصف اللبنانيين، سوف يؤدي الى ما لا تحمد عقباه.
وفي هذا الإطار جاء الاجتماع الذي جمع أركان المعارضة من المسيحيين في دارة العماد ميشال عون أمس، والذي تضمّن استعراضاً عاماً هدف إلى تثبيت الآتي:
أولاً: إنه لا يمكن ترك الفريق الآخر يسرق الشرعية الشعبية المسيحية كما فعل في الانتخابات الماضية، وبالتالي إعادة الاعتبار إلى أن التمثيل الشعبي الحقيقي للشارع المسيحي هو في غالبيته الى جانب قوى المعارضة، ما يعني أن على هذه القوى الاستعداد لنزع الشرعية الشعبية عن أي رئيس يمكن أن ينتخبه الفريق الآخر خلافاً للدستور ولو حظي بدعم خارجي.
ثانياً: التأكيد على أن هامش التحرك لدى مسيحيي السلطة يضيق يوماً بعد يوم، وأنه لا يمكن تغطية هيمنة الثنائي جنبلاط ـــــ الحريري من خلال حصر الاجتماعات العامة بشخصيات مسيحية، بينما يتخذ القرار في مكان آخر. وبالتالي رفع الصوت مسبقاً والتحذير من أن الجاري حالياً هو إضعاف جديد للدور المسيحي وأنه في اختيار رئيس للجمهورية وفق قواعد 14 آذار يعني القضاء على هذا الموقع.
ثالثاً: إن هناك حاجة الى تذكير القوى القائمة في السلطة والقوى الداعمة لها خارجياً بحقيقة الحجم الشعبي الذي تمثله المعارضة في الشارع المسيحي خصوصاً وفي الشارع اللبناني عموماً، وبالتالي فإنه لا بد من اللجوء الى خطوات عملية على الأرض من شأنها تأكيد هذه الصورة دون التوقف عند الهواجس من صدامات أو فتن، ويرى معارضون من المسيحيين أن فريق 14 آذار يتسلح بخوف المعارضة من الفتنة والصدام ويعمل على استغلال نقطة الضعف هذه لمواصلة سياسة التجاهل والإلغاء.
رابعاً: لم يقفل الاجتماع المسيحي الباب أمام أي تسويات ممكنة، لكنه قصد فتح الباب أمام الخيارات الأخرى في حال فشل الوساطات، وعرض لمجموعة من التدابير يكون احتمال تأليف حكومة ثانية من بينها وليس الأساس فيها. وبالتالي إشعار الطرف الآخر بأنه إذا أصرّ على خطوة أحادية فهو لن يجد طريقاً الى إدارة الدولة أو مؤسساتها.
وفي انتظار ما سيقوله الرئيس نبيه بري وحزب الله من جهة وبقية القيادات الإسلامية في المعارضة من جهة ثانية، في مداولات ومقترحات الأقطاب المسيحيين من المعارضة بشأن طريقة الرد على الخطوات الأحادية من جانب 14 آذار، فإن النتيجة الأولى باعتقاد المعارضين للقاء الرابية هي لفت انتباه القيادات المعنية والتي قد تقف على الحياد الى خطورة الموقف، وبدء تعبئة الشارع لمواجهة احتمال التحرك، كما يتضمن تشجيعاً للرئيس لحود على الاقتراب أكثر من خطوته المرتقبة، ويبدو أن ما يتسرب الى بري وحزب الله من معلومات عن حقيقة توجه الحريري ـــــ جنبلاط ـــــ جعجع لانتخاب رئيس من طرف واحد سوف يعزز توجه المعارضة نحو إعداد برنامج تحرك من شأنه في نهاية المطاف منع فريق 14 آذار من الاستمرار في إدارة مؤسسات أساسية في الدولة، وبالتالي منع أي رئيس ينتخبه فريق السلطة من تولي أية مهمات فعلية، علماً بأن السؤال الرئيسي المطروح الآن أمام فريق المعارضة هو: متى يتم الإعلان رسمياً عن دعم ترشيح العماد ميشال عون إلى الرئاسة، وبالتالي خوص معركته؟