عرفات حجازي
في انتظار بدء الإشارات الآتية من الخارج بالظهور تدريجياً، تحاول القوى السياسية في الداخل ملء الوقت الضائع بلقاءات وتجمعات وحركة اتصالات واسعة بهدف تحصين المواقع وتحسين شروط التفاوض لملاقاة مرحلة الاستحقاق الرئاسي التي ستدخل ابتداءً من أول أيلول في مراحلها الصعبة. وحتى ذلك التاريخ، فإن مواقف الأطراف مرشحة لمزيد من التصعيد. فلقاء معراب الذي جمع مسيحيي الرابع عشر من آذار، بدت أطرافه غير منسجمة مع تطلعاته القائمة على الاستفراد بالسلطة وتحدي كل مساعي التوفيق ولا سيما في ضوء ما قاله بصراحة ووضوح الدكتور سمير جعجع الذي قطع كل جسور التلاقي والتفاهم مع الطرف الآخر، سواء لجهة تأكيده على انتخاب رئيس للجمهورية كيفما كان «ولو شو ما صار» أم لجهة رفضه تأليف حكومة وحدة وطنية تسبق انتخابات الرئاسة.
وعلى خط مواز، لن يكون لقاء الرابية الذي جمع مسيحيي المعارضة أقل تشدداً إذا ركب فريق السلطة رأسه واستمر في سياسة العناد والمكابرة وخرج عن الدستور، اذ لوح بإجراءات قاسية تتجاوز الاعتصام المفتوح والعصيان المدني.
ومع ارتفاع اللجهة التصعيدية وازدياد منسوب الاستقطاب والتنافس، وحصراً داخل الصف المسيحي في المرحلة الفاصلة عن أول جلسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، فإن الاهتمام الخارجي بلبنان لم يتوقف وهو يدفع باتجاه التوافق على إنجاز الانتخابات الرئاسية في موعدها وإن كانت الآليات المتعلقة بهذه الانتخابات لم تحسم بعد، وقد ظهر ذلك جلياً في الموقف الأميركي المرتبك إزاء الاجتهادات الدستورية التي تدور حول الرئاسة وحول إمكان تعديل الدستور، وهو ما عكس وجود أكثر من رأي داخل الإدارة الأميركية بشأن الملف اللبناني ووسائل معالجته، إذ لا يعقل أن تصدر مواقف ثلاثة بصيغ ومضامين متضاربة خلال يوم واحد بشأن تعديل الدستور، الأمر الذي يعني أنها لم تتبنّ بعد سياسة محددة لمقاربة الأزمة ومنهجية حلها، وهي تخضع كل مكوناتها الداخلية والخارجية للتقويم بهدف تكوين ملف سياسي كامل لدى الإدارة الأميركية لتتحرك في اطار المعطيات التي تردها تباعاً من سفارتها في بيروت، حيث يشارك السفير الأميركي في لبنان جيفري فيلتمان في المشاورات المستمرة حالياً في واشنطن في اطار الخلية الخاصة بلبنان، على ان يعود قبل نهاية الشهر الجاري وفي جعبته محصلة أولية عن الموقف الأميركي من الملف الرئاسي بكل جوانبه، وإذا كان من الصعب استقراء طبيعة القرار الذي تتجه الإدارة الأميركية لاعتماده في معالجة الشأن اللبناني وما إذا كان يتجه إلى ترميم الفخار اللبناني أم ينحو باتجاه خيار استخدام لبنان صاعق تفجير لتوسيع دائرة العنف والفوضى. لكن المرجح هو أن يصل الجانب الأميركي الى قناعة بأن أي مواجهة في لبنان لن تخدم مصالحه، وبالتالي فإن احتمال السير بخيار رئيس توافقي يمثّل نقطة التقاء غالبية اللبنانيين وتوافقهم هو احتمال مرجح لأنه يحفظ موقع الرئاسة ويعزز مواقع الوحدة الوطنية ويحصّن المؤسسات الدستورية، ولا سيما أن الخلافات والتمايزات التي بدأت تظهر في صفوف الفريق الأكثري أضعفت حضوره وتماسكه ولم يعد يمتلك القدرة على إدارة الملف الرئاسي مثلما لم يعد في استطاعته التلويح بخيار النصف زائداً واحداً بعد أن أعلنت قوى وشخصيات وسطية في هذا التجمع أنها مع نصاب الثلثين ومع رئيس توافقي لرئاسة الجمهورية.
وانطلاقاً من هذه المعطيات وجدت الإدارة الأميركية نفسها مضطرة لاستكمال التنسيق الفرنسي ـــــ الأميركي الذي بدأ في قمة جورج بوش ـــــ نيكولا ساركوزي، وسيستكمل نهاية الأسبوع بين مساعد وزيرة الخارجية الأميركية دايفيد وولش والمسؤولين في الخارجية الفرنسية، ولم يكن مفاجئاً وصول السفير جان كلود كوسران إلى بيروت اليوم ليواصل المساعي التي بدأها في فترة سابقة لتقريب وجهات النظر بين الأفرقاء اللبنانيين حول الوضع الداخلي، وهو سيلتقي اليوم الرئيس نبيه بري وأركاناً في الموالاة والمعارضة ليبحث معهم في مدى إمكان الحوار بين الأقطاب وتحريك المشهد السياسي الجامد وخلق دينامية محلية تسمح بعودة وزير الخارجية برنار كوشنير الى بيروت وربما بالتزامن مع وصول نظيره الاسباني ميغيل انخيل موراتينوس الذي حدد موعد زيارته الى لبنان في الثالث من أيلول المقبل ليعملا معاً وبجهد مشترك على إيجاد مناخات سياسية بين الأطراف تسمح بوضع حد للأزمة المتمادية منذ أشهر.
وفي تقرير وصل الى الخارجية اللبنانية، أن التنسيق مستمر وقائم بين فرنسا والولايات المتحدة، وأن فرنسا لا نية لديها ولا رغبة في التدخل في الشؤون الداخلية للبنان وتحديداً في الموضوع الرئاسي، إذ ليس لديها مرشحون وإن كان همّها منصبّاً على تمكين لبنان من اجتياز هذه المرحلة الصعبة وتحديد المسار الصحيح للوصول الى حلول مقبولة للأزمة الراهنة، وهذا لن يكون الّا بالحوار والتنازلات المتبادلة، وهو ما تسعى الى تحقيقه الدبلوماسية الفرنسية.