قنوبين ــ فريد بو فرنسيس
يتابع المؤمنون في العالم كله مسار دعوى تقديس البطريرك العلامة أسطفان الدويهي، وينتظرون تحويل ملف الدعوى إلى قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر لإعلان الدويهي مكرماً، وهي المرحلة الأولى التي تسبق مرحلتي الطوباوية، ومن ثم القداسة. كثيرون سمعوا بالبطريرك الدويهي من خلال بعض الأحاديث المتداولة، فكانت معرفتهم به سطحيةً عابرة، آخرون قرأوا له بعضاً من مؤلفاته دون التمعّن ملياً في الأبعاد الفكرية للدويهي، أمّا القلّة القليلة فهي تعي حقيقةً نظرته للبنان ولدور المسيحيين فيه، ولرؤيته البعيدة ونظرته المستقبلية الثاقبةالبطريرك الدويهي من مواليد عام 1630، تعلم في ظلال سنديانة البلدة، قبل أن ينتقل إلى الإكليريكية المارونية في روما ليكمل تعليمه تحت إشراف الآباء اليسوعيين، حيث أمضى هناك أربعة عشر عاماً درس خلالها الفلسفة والرياضيات واللاهوت وغيرها، فضلاً عن العربية والسريانية واللاتينية واليونانية والإيطالية. سنة 1668 عُيّن أسقفاً على أبرشية قبرص، وبعد ثلاث سنوات، أي في عام 1670، انتُخب بطريركاً على الموارنة، وظلّ في مركزه أربعاً وثلاثين سنة، أي حتى وفاته في 13 أيار 1704.
الدويهي العائد من روما، سعى بكل ما أوتي من علم واطّلاع ونهلٍ من الثقافة الأوروبية، إلى نشر تلك المبادئ على مساحة جبل لبنان، حيث أنشأ المدارس وقام بإصلاحات جمّة في جسم الكنيسة المارونية مطعّماً مجتمعه بالمفاهيم الأوروبية الحديثة، وبخاصةٍ ما يتعلق منها بوعي الشعوب لواقعها الثقافي والحضاري ولهويتها التاريخية، فأوجد بذلك هوية خاصة للموارنة الذين كانوا قد بدأوا بالتنقيب عن جذورهم وبالتساؤل عن واقعهم التاريخي ـــــ الاجتماعي، فكان بذلك أول من أعطى الوجود الماروني على هذه البقعة من الأرض أبعاداً قومية وسياسية، فوطّد الرابط بين الموارنة والأرض وشدّهم اليها محرضّاً إيّاهم وأجيالهم اللاحقة على الاستماتة في الذود عن لبنان المقدّس وكيانه المستقل. لقد أراد للمسيحيين وللموارنة منهم على وجه التحديد، الانفتاح على اللبناني الآخر، ولا سيما الجماعة الدرزية المجاورة، فجاءت كتاباته لتشدّ أواصر اللحمة والتآخي بين هاتين المجموعتين.
ونشهد في هذه المرحلة، تكثيفاً للقاءات والأنشطة المواكبة لدعوى تقديس الدويهي، وخاصة في وادي قنوبين حيث يرقد في مدافن البطاركة، في مزار القديسة مارينا في عمق الوادي المقدس، وما الزيارة الإعلامية التي نظتمها «مؤسسة البطريرك الدويهي» إلى الوادي المقدس، سوى تعبير عن الجهد الذي تبذله هذه المؤسسة، من أجل الإضاءة على حياة الدويهي وعلى المراحل التي قطعها ملف تقديسه.
وخطوة إعلان قداسة البطريرك الدويهي ذات دلالات عميقة، لضرورة تنفيذ ما كتبه من وصايا، وخاصة في هذا الظرف التاريخي الأكثر ملاءمة لذلك. إنها رسالةٌ أراد بها إعادة المسيحيين إلى الطريق الذي رسمه بكتاباته قبل ثلاثة قرون.
وكان الأب بولس قزي، طالِب دعاوى القديسين، قد سلم البطريرك صفير الملف الأحمر، وهو الملف الأخير في طلب دعاوى القديسين، بعد إنجاز الملفين الأبيض والرمادي. وأكد «أن الدعوى تسير برضى صاحب الغبطة وبركته وتوجيهاته وفق الخطة الموضوعة لها، وهي الآن عند اللجنة اللاهوتية، وإن شاء الله في القريب العاجل سيصار إلى إعلان الدويهي مكرماً.