راجانا حميّة
يجهد طلّاب قسم الغرافيك ديزاين في جامعة «BCU» لتغيير الصورة النمطيّة التي وُسم بها لبنان منذ تلك الحرب المشؤومة في عام 1975، فكان أول أهدافهم البدء في عملهم التغييري على جدران مبنى «الإسكوا» ورسم لبنان الذي يريدونه تحت عنوان «موئل الحضارات والتنوّع»

اختلت «الإسكوا» بنفسها ونأت عمّا يمكن أن يساهم في تفكيك الحصار الذي فرضته حول مبناها. سُدّت طرقات العاصمة المؤديّة إليها «لأسباب أمنية» باتت واهية في بلد يفتقر إلى الحماية، كأنّ مبنى الإسكوا ضمّ الشوارع المحيطة به إليه، فباتت الشوارع ممنوعة من السيارات والمشاة، وبات من يدخل مُجبراً على المرور بين الحواجز الأمنيّة....والإسمنتية التي تعلو يوماً بعد يوم. أمّا الطريق الوحيدة الملاصقة له من جهة اليمين، التي تؤدي إلى نفق سليم سلام، والتي بقيت إلى فترة ليست ببعيدة مفتوحة بعدما تعذّر على إدارة الإسكوا أن تغلقها، بُني جدار رمل ضخم يذكّرنا، شئنا أم أبينا، بمتاريس قديمة وجدت في زمن آخر افتقر يوماً إلى الحماية أيضاً. هو مشهد من الحرب، كنا قد نسيناه، فالجدران التي تحوطها من أول الشارع إلى آخره، تشبه ما كان يحمي، أيّام الحرب اللبنانية، الفنادق والمباني الحكومية وخطوط التماس. أكياس كانت تحمي المختبئين خلفها من القذائف والقنابل والرصاص. هي اليوم نفسها التي تحمي الإسكوا «منّا نحن».
بقيت الأكياس إلى أن حاول عدد من طلّاب قسم الغرافيك ديزاين في جامعة BCU تغيير ملامحها، فعمدوا إلى المواجهة في عقر الدار بأساليب أخرى، تمحو شيئاً من العزلة من جهة والخوف من جهة ثانية. عشرة طلّاب سرقتهم النظرة الخائبة إلى «لبنانهم»، فدفعتهم إلى حمل عدّتهم وكل ما يؤمنون به لتجسيده على تلك الجدران الفارغة إلا من وحشتها. رسموا في مرحلة أولى، منذ ثلاث سنوات تحديداً على رقعة قماش كبيرة طبيعة لبنان وألبسوها أكياس الرمل المكدّسة، فوسام تلحوق يقول «لم يعد الجدار بعد تدخلنا يذكّرنا بالحرب، فتحوّل إلى جدار ملوّن، رُسِمت عليه أشجار وبيوت وجبال وثلوج». غير أنّ الإسكوا لم تكن لتكتفِ بالجدار الأوّل، وباتت الجدران أو الحواجز الصغيرة التي كانت تفصل فيها المبنى عن الشارع تعلو شيئاً فشيئاً إلى أن أصبحت ترتفع فوق السيّارات والشاحنات... والأشخاص. سلسلة جديدة من الحواجز لم تعد رمليّة، بل باتت أكثر قوّة منها، مصنوعة من الإسمنت، هي الأخرى دفعت الطلّاب أنفسهم إلى خوض التجربة للمرّة الثانية وللهدف نفسه. وكانت المرّة الثانية أكثر صعوبة من الأولى بسبب زيادة العدد، فلذلك عمدوا إلى تقسيمها إلى مرحلتين، مرحلة أولى انتهت منذ يومين لوّن خلالها الطلّاب الجدار المواجه للباب الرئيسي للإسكوا، تحت عنوان، اختاروه بعناية فائقة كردّ على النظرة الخائبة نفسها، «تواصل الحضارات والتنوّع الحضاري الذي عاشه لبنان». رسموا الحضارات التي مرّت على لبنان من الفينيقية والرومانية واليونانية، إضافة إلى التراث اللبناني، لكنّهم لم يجسّدوا أحلامهم هناك كما درجت العادة في مشاريع التخرّج، إنّما حاولوا جاهدين تعزيز التواصل بينهم وبين المجتمع الخارجي، بغضّ النظر عن التوجّهات والقناعات. فعلى جدران الإسكوا، وجد كلّ من شذا ورلى وبيان وميسم وسارة وبديعة وخالد وعلي ووسام فرصة للتعبير عن أنفسهم وما بها من «نهم للبنان وحضارته وتراثه وطبيعته»... أجزاء من جدران الإسكوا لم تعد رماديّة، أو أنّها لم تعد تبدو كذلك...كما لم تعد تذكّر بالحرب، لأنّ متاريسها لم تكن يوماً ملوّنة مثلها.