جبيل ــ جوانّا عازار
تستضيف الجامعة اللبنانية الأميركية ــ جبيل ورشة عمل تدريبية حول حل النزاعات وبناء السلام. ويشارك في الورشة 30 طالباً لبنانياً وعربياً. هنا عرض ليوميّات طلاب وجدوا في أنفسهم أشخاصاً قادرين على تأدية دور في بناء السلام

عاش الطلاب المشاركون في ورشة العمل التدريبية حول حل النزاعات وبناء السلام يوماً طويلاً في 22 آب، بدأ بتقارير شفويّة أعدّوها عن الرحلة الميدانيّة التي قاموا بها مع البروفسور سليم الصايغ إلى بلدة بريح الشوفيّة التي تمثّل نموذجاً لمسرح النزاعات بين أبنائها الدروز من جهة والمسيحيّين الذين تهجّروا من بلدتهم ولم يعودوا إليها من جهة أخرى. وقد عاين الطلاب عن قرب ماذا حصل في البلدة ليفهموا طبيعة النزاعات التي نشأت بين أبنائها، وكانت لهم فرصة لقاء عائلة درزيّة في البلدة والاستماع إلى وجهة نظرها، إضافة الى الاستماع إلى وجهة نظر شنتال كلاس وهي طالبة في الجامعة الأميركيّة في بيروت ومشارِكة في الدورة التدريبيّة. تحدثت كلاس عن تجربتها وهي المسيحيّة حفيدة ملحم كوكباني الشخص الأوّل الذي توفّي في كنيسة مار جرجس في البلدة إثر المجازر عام 1983 وهو مدفون تحتها. وتقول كلاس إنّ العائلة الدرزيّة تحدّثت باللّهجة عينها لعائلتها المسيحيّة، مشيرة إلى أنّ حلمها تحقّق في زيارة بريح وأنّها فهمت أنّ النزاع أكبر من أهل البلدة، وبالتالي فإنّ الحلّ حسب رأيها يبقى في يد القادة السياسيّين، معربة عن أمل عائلتها في العودة وهي التي لا ينفكّ أفرادها يرددون «راجعين ع بريح».
وبعد مرور نصف الأيّام المقرّرة للورشة، قوّم الطلاب التجربة، فاعتبر ميشال «أنّ السلام هو النزاع الذي يعيشه في حياته». وقال يوسف: «منقسمون بسبب الخلافات، ومتحدون بالنزاعات»، فيما رأى طارق «أنّ حلّ النزاعات سلميّاً هو طريقة حياة». أمّا لورا فدعت «رفاق السلام إلى العيش معاً». وأشار ربيع إلى «أنّه في ظلّ الصعوبات والاختلافات يبقى الحوار السبيل إلى الفهم المشترك». من جهتها، أكّدت سماح «أنّ بناء السلام هو من خلال الإصغاء، وقبول الآخر لإيجاد قواسم مشتركة معه».
ولفت مدير اتّحاد التدريب على بناء السلام زاكاري ميتز «إلى أنّنا نبني الطريق بالسير (We make the road by walking)». وشرح ميتز «أنّ ورشة العمل تجعل الطلاب يكتشفون نقاط القوّة، التحدّيات والأمل في تحقيق السلام».
وضمن التدريب على نموذج الاتّصال الثقافي والنزاعات، لعب الطلاب بورق اللّعب تحت إشراف الدكتورة إيرما ـ كارينا غصن. اللّعبة لم تكن عاديّة، فقد انقسم الطلاب إلى خمسة فرق، ولعبوا بصمت كامل، وكانوا يتنقّلون من فريق إلى آخر من دون أن يعلموا بأنّ قواعد اللّعبة كانت مغايرة لكلّ فريق. وفي معرض تعليقهم على سير اللعب، أجمع الطلاب على أنّهم شعروا بالضياع ولم يستطيعوا التفاهم في غياب الكلام، وقد نشأت نزاعات بينهم إذ أراد كلّ فريق تطبيق قواعده على الآخرين، وكان مجرّد الانتقال من فريق إلى آخر يسبّب احتكاكاً بين الأطراف، وقد اعتبر البعض نفسه رابحاً على أساس قواعده الخاصّة من دون تقبّل أن يكون لغيره أيضاً قواعده. ويبقى الهدف من اللّعبة معرفة كيفية تعامل الطلاب مع النزاعات الفرديّة، وتحول الاختلاف إلى نزاع. أما الجواب فهو «اتّباع قواعد الأماكن التي نوجد فيها واحترامها لفهم ما يجري ولنكون بمثابة جسر تواصل بين فريقين مختلفين لكلّ واحد قواعده الخاصّة. ويجب التنبّه الى أنّ الاختلاف موجود إلا أنّ التحدّي الأكبر يبقى في ألا يتحوّل الى نزاع».
وفي هذا الإطار، اعتبرت الطالبة اللبنانية عبير غطّاس أنّ التدريب يساعدها في تقديم مشروع «همزة وصل» الذي تعمل عليه مع جمعيّة ALEF والذي يهدف إلى إعادة الثقة بين الشباب الفلسطيني والشباب اللّبناني في مخيّم شاتيلا للاجئين. ورأت غطاس «أنّ بناء السلام يجب أن يترافق مع محاربة الفساد في الوطن العربي والحدّ من النزاعات الطائفيّة فيه». بدوره، أثنى فهد الطخيم من الكويت على الدورة التي عرّفته بأساليب وموضوعات يمكن تطبيقها في المجتمع الكويتي، معتبراً «أنّ الاتّصال والتسامح هما مفتاح الحلّ للنزاعات». أمّا صالح ياسين القباطي من اليمن فأكّد «أنّ الدورة ستساعده على معالجة موضوع «قضايا الثأر»، الذي يعمل عليه منذ مدّة، لدى الأجيال الناشئة في اليمن، بعد عودته». ولفت الطالب الفلسطيني سامر بابون إلى «أنّ الدورة تفيد في فهم النزاع اللبناني الفلسطيني وتحسين العلاقة بين الطرفين»، مضيفاً أنّ «الصراع الفلسطيني ـــــ الإسرائيلي يبقى حالة خاصّة». وأوضح الطالب المصري سيف أبو زيد أنّ كلّ فرد قادر على تأدية دور في بناء السلام مؤكداً أهميّة الحوار والإصغاء بعيداً من السجالات العقيمة.
وشرح الدكتور مروان رويهب النزاع العرقي Ethnic conflict فعرّف بالجماعات الإثنيّة متوقفاً عند 50 نزاعاً إثنياً اليوم في العالم، وعند نحو 20 دولة في العالم تعدّ متجانسة إثنيّاً، والرقم يتغيّر بسبب التغييرات الديمغرافيّة، من هنا بحث النزاعات الإثنيّة، وأسبابها البنيويّة والسياسيّة والثقافيّة والتاريخيّة، وبحث الحلول المحتملة لها وأهمّها إعادة بناء الثقة، وإرساء المشاركة في السلطة...