طرابلس ــ عبد الكافي الصمد
يشكل الشّمال الثقل البشري الأكبر للطائفة السنّية في لبنان، وهو سار خلف «تيار المستقبل» وحلفائه في الانتخابات النيابية، وأثمر ذلك حصول فريق السلطة على الأغلبية الحالية. لكنّ ما يجري إغفاله هو أن الناخبين السُّنَّة في الشمال قد صوّتوا بنسبة تتجاوز الثلاثين في المئة منهم لمصلحة المعارضة.
وإذا كانت صدمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري قد فعلت مفعولها، فإن حراكاً سياسياً بدأت تداعياته بالظهور بشكل واضح أخيراً، حيث استعادت أغلب القوى المعارضة حضورها وسط تراجع ملحوظ لنفوذ «المستقبل» (انتخابات نقابة أطباء الشمال ورابطة مخاتير عكار)، فضلاً عن استعادة الرئيس عمر كرامي دوره وحضوره السياسي بشكل واضح وقوي، والنشاط الذي يقوم به الرئيس نجيب ميقاتي في غير اتجاه، و«التمايز» الأخير الذي عبّر عنه الوزير محمد الصفدي و«التكتل الطرابلسي» عن فريق الأكثرية، والحركة التي لا تقل أهمية لـ«جبهة العمل الإسلامي» على ساحة الحركات الإسلامية السنّية، وغير ذلك من المعطيات، كوّن انطباعات عدة عن تغييرات هامة ستشهدها الطائفة السنية على صعيد تمثيلها في الشمال.

مواجهة التغريب والصهينة

يعتقد رئيس «جبهة العمل الإسلامي» الداعية فتحي يكن أن «الطائفة السنية كانت بيضة القبّان في كلّ المعادلات السابقة، وكانت المرجّحة في إطار التفاضل بين المواقف السياسية، وبخاصة المصيرية والمفصلية منها؛ ويكفي للدلالة على هذا أن الطائفة السنّية هي التي واجهت الكثير من مؤامرات التغريب والصهينة والفرنسة، مثل موقف الطائفة الممانع من مشروع أيزنهاور وحلف بغداد أيام الرئيس كميل شمعون، الذي أدى إلى إسقاط هذه المشاريع برمتها، إضافة إلى إسقاط اتفاق 17 أيار مع العدو الصهيوني في عهد الرئيس أمين الجميل؛ ويكفي كذلك الإشارة إلى أن المقاومة في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 كانت سنّية، قبل أن يبدأ الأخوة في حزب الله المقاومة بعد ذلك».
وأوضح يكن أنه «تمت مصادرة قرار الطائفة السنّية في فترة انعدام الوزن التي تشكلت في أعقاب استشهاد الحريري عام 2005، وأدت الاعتبارات العاطفية مع التجييش الطائفي والمال السياسي دوراً في انتقال غالبية الناخبين السنة نحو «المستقبل» الذي لا نستطيع فيه أن نصنفه على أنه يمثل العمق العقائدي والخلفية الدينية لأهل السنّة والجماعة، لكونه تياراً علمانياً».
غير أن يكن لا يغفل الإشارة إلى أنه «في أعقاب الانتصار التاريخي الذي تحقق للمقاومة على العدو الإسرائيلي، وعلى الدولة الداعمة للعدو الإسرائيلي، وهي الولايات المتحدة الأميركية، طُرح السلاح الأقذر في المعركة السياسية القائمة في لبنان، وهو السلاح المذهبي، بحيث جُيّش الشارع السنّي تجييشاً مذهبياً غير مسبوق، شاركت فيه زعامات سنّية سياسية ودينية، الأمر الذي أظهر الطائفة كأنها «مُختطفة» من دائرة انتمائها وولائها، وحتى خارج دورها السياسي والجهادي، بعيداً عن انتمائها الوطني والعربي والإسلامي».
ويشير يكن إلى أن «كلّ ذلك حصل بدفع وتشجيع من دوائر الاستخبارات الغربية، وخاصة الأميركية، ومن خلال سيناريوات كانت تقوم بها وتنفذها قيادات أميركية، كانت تصل إلى لبنان بشكل مكوكي، إلى أن جاءت المفاجآت بشكل متوالٍ».
المفاجأة الأولى حسب يكن تمثلت في «بروز ظاهرة تنظيم «فتح الإسلام» في مخيم نهر البارد، التي أشارت كثير من أصابع الاتهام إلى وقوف بعض قوى السلطة وراءها، كرد فعل على انتصار المقاومة، على أن تكون هذه الظاهرة «رأس رمح» في حرب مذهبية ضد الشيعة عموماً و«حزب الله» خصوصاً، واستهداف الجيش اللبناني وقيادته المعروفة بمواقفها الوطنية، وتمسكها بعمق لبنان العربي وبعدم الرهان على أي مشروع أجنبي».
أما المفاجأة الثانية فكانت برأي يكن في «النتيجة التي حصدتها قوى 14 آذار في الانتخابات الفرعية الأخيرة، التي أظهرت الحجم الحقيقي الذي تمتلكه هذه القوى على الساحة السنّية، في أعقاب تراجعات متعددة ومتواصلة، ما يمكن أن يؤدي في حال إجراء انتخابات نيابية نزيهة إلى انعكاس المعادلة القائمة، وتحوّل تلك الأكثرية إلى أقل من الأقلية».

استخدام الدين لمآرب شخصية

النائب السابق جهاد الصمد شدّد على أن «فريقنا يدعو للتفاهم وإيجاد تسوية مع شركائنا في الوطن، لكنّ الفريق الذي يعمل حسب تعليمات مباشرة من السفير الأميركي يرتكب خطأً جسيماً، ويمشي كأنه هو من يدير أميركا، ومصالحه مُقدّمة على مصالح أميركا، لذلك نتمنى على هذا الفريق مراجعة حساباته، وأن لا يراهن على أنه ثابت في موقعه، لأنه سيأتي يوم سيتخلى فيه الأميركيون عنه، إذ إن الأميركي غير مرتاح لوضعه في المنطقة، وسيواجه محطات سيُجبر فيها على عقد تسويات معينة».
ورأى الصمد أن «الضرب على وتر الغرائز المذهبية والطائفية أمر غير مقبول، فنحن ضد أي كان يريد استخدام الدين وسيلة لتحقيق مآرب شخصية، وأن يتغطى ويتاجر بالدين، ويكفي اللجوء إلى هذه الأساليب الرخيصة»، مشيراً إلى أنه «نفتخر بالأصوات التي نلناها في الانتخابات الأخيرة التي جرت في ظروف غير طبيعية، إلا أن من يدعي التحدث باسم السنّة عليه أن يكون ملتزماً مبادئها، أما رجال الدين فإننا نسأل: هل أصبح دورهم تحريضياً لفئة على أخرى؟».
وأوضح الصمد: «إننا نقف ضد المشروع السياسي لفريق السلطة، ولسنا ضدهم شخصياً، ومثلما وقف أجدادنا وآباؤنا ضد المشروع الأميركي وحلف بغداد في عهد الرئيس كميل شمعون عام 958 1، سنقف نحن اليوم، فالمشروع الأميركي في المنطقة لم يتغير منذ ذلك الحين، وهو لا يرى فيها إلا إسرائيل والنفط، أما ما يسمى محور عرب الاعتدال، فهو في حقيقته محور الاستسلام والتسليم لأميركا وإسرائيل بإدارة شؤون المنطقة».

السُّنة ليسوا في سلة واحدة

من ناحيته، يرى النائب السابق وجيه البعريني أن «القيادات السنّية المعارضة هي جزء من تكوين المعارضة ككل. صحيح أننا لم نتمكن من تحويل هذه المعارضة إلى جبهة سياسية لها آلية محددة للعمل، لكننا نسعى دائماً من أجل إيجاد الحد الأدنى من التنسيق؛ فالمعارضة ليست حزباً ولا تديرها السفارات حتى تكون موحدة في خطواتها كما يحصل مع فريق السلطة».
لكن البعريني شدّد على «أننا قوى متنوعة لنا حضورنا السياسي المستقل والشعبي الواسع، الذي لم يتأثر في الشارع كثيراً بالموجة التي سادت عام 2005، ونتائج الانتخابات التي خضناها أكبر دليل على ذلك، وعليهم مراجعة الأرقام ليعرفوا أن الشارع السني المعارض هو شارع كبير، لكن المشكلة في حجم الإعلام الذي يُظهر أن السنّة كلهم في سلة واحدة، وهذا أمر غير صحيح مطلقاً».

إحباط الشارع الشّمالي

بدوره، رئيس «المركز الوطني للعمل الاجتماعي في الشمال» كمال الخير أوضح أن «انخراطنا في المعارضة جاء لاقتناعنا بأن المشروع الذي تحمله هو القادر على إرساء دور لبنان الفاعل في محيطه العربي وعلى مستوى السياسة الدولية، لجهة عدم ارتهان لبنان أو رهنه للولايات المتحدة الأميركية»، مشيراً إلى «أننا في الشمال على تواصل دائم مع الشخصيات الوطنية كالرئيس كرامي، الذي يشكل ضمانة وطنية لعروبة السنّة في لبنان، ومع الوزير سليمان فرنجية، الركن الأساسي في المعادلة الشمالية والوطنية»، لافتاً إلى أن «الشارع الشمالي بدأ يصاب بالإحباط من فريق السلطة، الذي لم يقدم له سوى الوعود الفارغة والشعارات الجوفاء».
وأكد الخير أن «المعارضة اعتمدت الوسائل الديموقراطية والسلمية التي يكفلها القانون والدستور، إنطلاقاً من حرصها الشديد على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي؛ فمطلب المعارضة بالشراكة إنما يهدف لإنقاذ البلد من الأزمات الخانقة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التي سببها الفريق الحاكم، من أجل عدم إلحاق البلد بالفلك الإسرائيلي، فنحن لا نقبل أن يرى البعض سوريا عدوة وإسرائيل شقيقة».