إبراهيم الأمين
لن تكون هناك حاجة لانتظار الترياق من أحد. فرنسا، آخر الوسطاء، رفعت العلم الأبيض مستسلمة. وبرنار كوشنير مثل موفده جان كلود كوسران، سوف يعمل على إيجاد المخرج اللائق لإعلان نهاية مبادرته في لبنان. لكن النتيجة الفعلية أو غير المعلنة للنشاط الفرنسي الذي استجدّ بعد خروج الرئيس جاك شيراك من الرئاسة، وخروج برنار إيمييه من لبنان، هي أن فرنسا نجحت إلى حد ما، في إعادة وصل ما انقطع بينها وبين قوى المعارضة في لبنان، وحافظت في الوقت نفسه على مستوى لا بأس به من العلاقة مع فريق 14 آذار، وهو ما يتيح لها أن تقف على مسافة معيّنة، تمنع تحوّلها إلى طرف عندما تقع المواجهة التي بات الفرنسيون مثل غيرهم يدركون أنها واقعة حتماً.
ومع أن كل الذين التقاهم كوسران ينفون أن يكون حاملًا مبادرة ما، فقد تحدثوا عن قواسم مشتركة تتضمن الدعوة إلى البحث عن آليات جديدة للحوار بدل الذهاب مباشرة إلى المواجهة، ومحاولة ابتداع أفكار من أجل إنتاج تسوية بما خص الملف الرئاسي. ومع أن بعض الخلاصات المهمة التي خرج بها كوسران تتحدث عن أزمة ثقة عميقة للغاية وانقطاع لا سابق له في التواصل بين القوى اللبنانية، فقد وجد نفسه أمام مجموعة من القيادات التي تلقي باللوم على الآخر، وتُظهر أمامه الاستعداد لخوض مواجهة مهما كلف الأمر. وإذا أخذ كوسران، مثل وزيره، بهذه المعطيات وأضافها إلى ما لديه من معطيات عن الوجهات الإقليمية من جهة، والموقف الأميركي من جهة ثانية، فهو سيضرب وجهه بكفيه ويصرخ: إنها الحرب لا محالة!.
وإذا كان هناك من يعتقد بأن الأمور قابلة للعلاج في وقت قريب، فإن ذلك يقع من باب التمنيات عند بعض القادة الذين يريدون تجنيب البلاد مواجهة قاسية، علماً بأن مراجعة هادئة للمواقف تبيّن أن «أميري الحرب» في 14 آذار وليد جنبلط وسمير جعجع يستعجلان بطريقة غير مفهومة حصول المواجهة وكأنهما يتكلان على دعم ما من جهة ما، بينما يبدو صمت سعد الحريري وقادة آخرين من فريق السلطة كأنه قبول بهذا التوجه أو تعبير عن عجز عن القيام بأي شيء مضاد، ما يكشف هذه المرة أن الأمر لا يتعلق بحسابات محلية فقط بل بحسابات تتجاوز لبنان الى حيث يكون الأميركيون ومعهم الحلفاء من العرب في موقع المتجه صوب مواجهة قاسية بقصد عدم خسارة ما تحقق لهم في لبنان منذ ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وحسب ما هو متداول عن محادثات الموفد الفرنسي فإنه كان يحاول الاقتراب من مواقف مباشرة لكن دون أن يضبط متلبساً. وهو تجنّب تماماً قول كلام مباشر أو حاسم عن موقف بلاده من النقاط الخلافية مثل: هل فرنسا مع نصاب الثلثين أما هي ستعترف برئيس ينتخبه فريق 14 آذار وفق نصاب النصف زائداً واحداً؟ وهل دعم فرنسا للتوافق يعني قبولها بتأجيل الانتخابات وترك أمر إدارة البلاد الى حكومة جامعة أو قبولها بتعديل دستوري يعيد إحياء اقتراح تولي قائد الجيش العماد ميشال سليمان الأمر لفترة انتقالية؟ ثم هل تمارس فرنسا ضغوطاً على هذا الطرف أو ذاك أم تقف في موقع المتفرج ام تعود لتلتحق بالقرار الاميركي في وقت لاحق؟
ولذلك فإن كوسران الذي التقى جميع القوى كان سائلاً ومستمعاً في أغلب الوقت. وكان يرفض التعليق على ما يقال أمامه من مواقف أو تعليقات أو حتى مبادرات. ويكتفي مساعدوه أو مرافقوه بتسجيل ما يقال، وكأنه في مرحلة إعداد مبادرة ما. لكنه تحدث كثيراً عن ضرورة الحوار وأبلغ الرئيس نبيه بري دعم بلاده لجهود التسوية. وقال للرئيس فؤاد السنيورة إن باريس سوف تظل تدعم حكومته وتعتبرها الحكومة الشرعية ولم يكن لديه ما يرد به على تساؤلات وليد جنلاط عن نوايا الفريق المعارض بالسيطرة على البلاد كلها من باب الرئاسة. ونبه العماد ميشال عون الى أن عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية من شأنه تحميل المعارضة مسؤولية تعقيد الامور. وأعاد النصح بضرورة الحوار. وتحدث أمام مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله عن أهمية توسيع قنوات التواصل مع الجميع. وسأل الرئيس أمين الجميل عن أهداف ونتائج لقاء معراب وشجعه على القيام بمحاولات حوارية مع الآخرين.
إلا أن كوسران لم يكن لديه ما يجيبه على بعض الأمور مثل تلك التي أثارها معه العماد عون، الذي قال له: يبدو أن الاميركيين يعملون على إفشال مهمتك قبل وصولك. في لبنان يتحدث أقطاب السلطة عن رئيس من طرف واحد وأميركا تريد رئيساً يوافق على سياستها، أي إنها تريد رئيساً يخوض حرباً مع حزب الله. يصمت كوسران دون تعليق. ويضيف له عون: تريد أن نتحاور ونتواصل فهل لديك ما يفسر كيف أن سعد الحريري اتصل طالباً الاجتماع ثم غاب عن السمع واختفى؟ ويستمر كوسران بالصمت. ليتابع عون: فكروا في أن انتخابات المتن الشمالي من شأنها إخراجنا من اللعبة وإضعافنا وبعد ذلك اكتشفوا العكس. وهم يريدون الآن إنهاء أي دور لنا. فهل تعتقد أننا سوف نسمح لهم هذه المرة بتكرار ما حاولوه منذ زمن بعيد. هذا بالتأكيد لن يحصل.
أيضاً يستمر كوسران على صمته. ولكنه كان قد تلقى قبل ذلك معلومات عن أن فريق المعارضة لن يقف مكتوف الأيدي أمام السعي العملي من جانب 14 آذار لانتخاب رئيس من طرف واحد خلافاً لكل الأصول. وسمع كلاماً واضحاً عن أن البلاد لن تذهب الى الفراغ كما يظن البعض، بل سوف تكون هناك الكثير من المشاكل التي تملأ هذا الفراغ؟ كذلك فإن كوسران كان قد تلقى ما يكفيه وما يثبت اقتناعه بأن الامور أكثر تعقيداً مما يحسب كثيرون، ولكنه ربما يتأخر في الكلام عن تقديراته وتقييمه لمواقف القوى المحلية ومسؤوليتها عن التدهور الحاصل، وهو الأمر الذي قد لا يحصل الآن، أو قد يحصل بعد فوات الأوان.. فهل يتكلم كوسران أم يبقى متمسكاً بصمته؟