فيما واصل الموفد الفرنسي جان كلود كوسران لليوم الثاني على التوالي لقاءاته في لبنان للتحضير لزيارة وزير خارجية بلاده، برنار كوشنير، كما يحرص على القول بعد كل لقاء، ذكرت مصادر باريسية أن زيارة كوشنير «لم تعد مطروحة حالياً»، وأن الاتجاه سيكون نحو الجبهة الإقليمية. كما عُلِم أن كوسران سيتوجه الأسبوع المقبل إلى واشنطن «للتشاور في الخطوات المقبلة».فقد زار كوسران أمس، يرافقه القائم بالأعمال الفرنسي أندريه باران، الرئيس أمين الجميل، والنواب: ميشال عون، ميشال المر وبطرس حرب، واستقبل في قصر الصنوبر الوزير أحمد فتفت والنائب نبيل دو فريج موفدين من النائب سعد الحريري.
وكعادته بعد كل لقاء، وصف المباحثات بأنها «إيجابية ومفيدة وجيدة»، وأن مهمته للتحضير لزيارة كوشنير و«التحدث مع مختلف مسؤولي الأحزاب اللبنانية الممثلة في الحوار الوطني»، مكرراً أن تحركه «ودي يهدف إلى تشجيع الحوار والثقة بين مختلف الفئات اللبنانية». ورأى أن النقاش حول الاستحقاق الرئاسي «أمر إيجابي وطبيعي، لكن نرى أن من الضروري والحتمي أن تتم هذه الانتخابات وفقاً للمعايير الدستورية وفي مواقيتها الدستورية، ومن الضروري انتخاب رئيس للجمهورية في الأشهر المقبلة»، متمنياً «أن يعمل المسؤولون اللبنانيون على احترام النظم الدستورية».
ورداً على سؤال عن خلافات في الرأي مع أميركا في ما خص الاستحقاق، قال: «نقوم مع الأميركيين باتصالات دائمة ومنتظمة. لكن في الأساس، نتمنى نحن أن تجرى الانتخابات الرئاسية بحسب الدستور اللبناني والتواريخ الدستورية. لا أرى أن الموقف الأميركي مغاير لهذه المبادئ». ورفض الدخول «في اللعبة والسجالات اللبنانية».
وفي باريس (من بسام الطيارة) رأت مصادر متابعة للمبادرة الفرنسية، أن هذه المبادرة باتت ممسوكة بما سيعود به كوسران بيروت، وأن زيارة كوشنير للبنان مرتبطة بنتيجة هذه المشاورات. إلا أن مصادر أخرى مواكبة للتحركات الأخيرة في العاصمة الفرنسية، أكدت بشكل قاطع أن هذه الزيارة لم تعد مطروحة حالياً، بل على العكس فإن التشديد سيكون على جبهة إقليمية «تشمل الدول المؤثرة والجامعة العربية». فيما علمت «الأخبار» أن كوسران سينتقل مباشرة بعد حضوره مؤتمر السفراء الفرنسيين في باريس، إلى واشنطن للتشاور في الخطوات المقبلة.
وفيما يتصاعد الجدال بين فرقاء لبنانيين وواشنطن في مسألة تعديل الدستور، فإن مصادر فرنسية مطلعة تؤكد أن «باريس تقبل بما يتفق عليه اللبنانيون في شأن التعديل الدستور». وذكر مراقبون مقربون من الملف اللبناني أن خوف باريس منحصر اليوم بتجنيب لبنان فراغاً دستورياً «ليس فقط بسبب إمكان اندلاع نزاع قد يشتط نحو العنف، بل لأنها لا تريد انتقال وظائف المؤسسات بحيث تحل الحكومة، أية حكومة كانت، محل الموقع الرئاسي». ورأوا في ذلك تفسيراً لعدم حماسة الفرنسيين لفكرة التزامن بين حكومة وفاق وطني والانتخابات الرئاسية، وهي العقدة التي ظهرت بقوة خلال لقاء سيل سان كلو.
ويتابع هؤلاء: «يبدو أن فريق الأكثرية استطاع إيصال هذا الهاجس إلى الدوائر الدبلوماسية الفرنسية، بحيث أوحى بإمكان أن تتحول حكومة الوفاق إلى مجلس رئاسي يحكم بالتوافق، أي بمعنى آخر يؤدي نظراً للظروف السياسية الراهنة إلى حالة عجز وجمود». وتفسر هذه المعلومات الإحساس بتسارع خطوات الدبلوماسية الفرنسية، لتدارك تسارع عقارب ساعة الانتخابات، متجاوزة مبادرة كوشنير نحو توجه أكثر شمولي قد يتطلب حسب بعض المراقبين تنازلات لواشنطن، «ولكن قد لا يمنع هذا بعضاً من تقاسم الأدوار في هذا التوجه الشمولي، بحيث تنتزع باريس موافقة واشنطن على إعطاء دور لدمشق في حلحلة الأمور، مقابل مزيد من التشدد في المواقف الفرنسية الإعلامية تجاه بعض الفرقاء اللبنانيين». ومن نيويورك (من نزار عبود)، قال دبلوماسي فرنسي لـ«الأخبار» إن سياسة بلاده في لبنان لم تتغير، والعلاقة مع الولايات المتحدة لا تزال على عهدها السابق. وأكد أن فرنسا لن تتدخل في تفاصيل التعقيدات السياسية اللبنانية، متمنياً على اللبنانيين اتباع العملية الدستورية في موضوع انتخابات الرئاسة. ورفض الإفصاح عن موقف واضح من تعديل الدستور.
(الأخبار، وطنية)