أنطوان سعد
تؤكد الأوساط القريبة من البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير لـ«الأخبار» أن لدى سيد بكركي اقتناعاً راسخاً بأنه «إذا أردنا أن نكون منصفين في مقاربة مسألة الاستحقاق الرئاسي، فعلينا التفكير برئيس للجمهورية من خارج فريقي الموالاة والمعارضة، وعلى مسافة واحدة منهما، وقادر على التعالي عن الصغائر والمماحكات وعلى وصل ما انقطع بين اللبنانيين في الأشهر الأخيرة وما سبقها. كما يجب أن يتمتع بحرية تحرك واستقلالية، وأن ينبع رأيه من عقله وضميره، وألا يكون مديناً بوصوله إلى سدة الرئاسة لهذه الجهة أو تلك من القوى الخارجية المعنية بلبنان، سواء كانت هذه الجهة سوريا أو الولايات المتحدة أو إيران أو فرنسا أو غيرها».
وتكشف هذه الأوساط أن البطريرك بدأ بالتعبير عن رأيه هذا لبعض من يفاتحونه بموضوع الاستحقاق الرئاسي وأنه يفكر في إعلانه في مناسبة قريبة، قد تكون النداء الثامن الذي سيصدر عن اجتماع مجلس المطارنة الموارنة المقرر في مطلع أيلول المقبل. وتشير إلى أن مختلف أطراف النزاع في لبنان وخارجه لا يزالون غير مستعدين للقبول بخيار الرئيس التوافقي، ويحاولون اقتناص فرصة الاستحقاق لاحتلال منصب رئاسة الجمهورية لتعزيز أوضاعهم وتحسين موقعهم التفاوضي أو قدرتهم على المواجهة في النزاع الدائر في منطقة الشرق الأوسط ولبنان. وقد يكون هذا التصلب في نهج أطراف النزاع هو سبب تأخر سيد بكركي عن إعلان موقفه هذا لاقتناعه بأنه قد لا يجد آذاناً صاغية وإرادات مستعدة، أقله حتى الآن، لحوار جدي حول آلية الوصول إلى رئيس توافقي للجمهورية يبعد شبح الفراغ الرئاسي وتداعياته المأسوية.
وفي هذا الإطار، يشدّد المقربون على أن سيد بكركي لا ينخدع بالكلام الذي تردده القيادات والأحزاب السياسية اللبنانية وبعض البعثات الدبلوماسية عن التزامها بما يفتي به في موضوع الاستحقاق الرئاسي واستعدادها للقبول بالمرشح الذي يزكيه. ومع تقديره الشديد لهذه المواقف التي تنم في نهاية الأمر عن احترام تقليدي لموقع البطريركية المارونية الوطني الذي أعاد إليه البطريرك صفير بريقه التاريخي، وربما زاد عليه، فإن معظم الأطراف السياسية لم تحترم هذا التعهد، وبالتالي لم تعمل بموجب ثوابت البطريركية المارونية.
في ما خص الجانب المسيحي، المعني أكثر من غيره باحترام توجهات بكركي، يمكن القول إن أحداً من الأطراف المسيحية، دون استثناء، لم يساو حتى بين مصالحه وبين توجهات البطريرك، لا قبل انسحاب الجيش السوري من لبنان، ولا بعده. والشواهد على ذلك كثيرة، ولا مجال لتعدادها، يكفي فقط استعراض كيفية تبدل مواقف الزعماء المسيحيين من موضوع عقد لقاء في بكركي. فحين كان يدعو أحدهم إلى عقده أو قبوله به، كان خصمه ينبري لرفض اللقاء. وحينما يدعو الخصم إليه يرفضه الأول، وذلك تبعاً لمصلحة كل منهما الشخصية الآنية دونما اعتبار للمصلحة العامة.
يندرج موقف البطريرك من قضية تعديل الدستور وردود الفعل عليه في الخانة نفسها. ففي الوقت الذي كان فيه سيد بكركي يفكر في مصلحة البلاد لعدم الوصول إلى حائط مسدود، تفاعلت القوى السياسية معه بحسب مصالحها الذاتية واستفادتها على مستوى تعزيز النفوذ داخل المعادلة التي ستنتج عن التعديل لانتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان. فالبطريرك ليس فقط ضد تعديل الدستور «إلا لأمر جلل» بل مناهض أيضاً لوصول شخصية عسكرية إلى الموقع السياسي الأبرز في البلاد. ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن إعجابه ليس كبيراً حتى بالتجربة الشهابية، المعتبرة النموذج الأرقى لأداء العسكريين في عملية إدارة شؤون الدولة، هذا مع تقديره الكبير واحترامه لما تم إنجازه في العهد الشهابي على مستوى الإدارة والسياسة والإنماء المتوازن ولنزاهة الرئيس الراحل فؤاد شهاب ومعاونيه واستقامتهم.
أكثر ما يفتقده البطريرك الماروني هذه الأيام هو القيادات السياسية التي تبحث عن خير الشعب وازدهاره ورخائه وتعرف كيف «تتعالى عن الحزازات والصغائر عندما يكون الوطن في خطر، لكن ما نراه هو عكس ذلك بالتمام. إذ إن أول ما يقيسه كل طرف من أية مبادرة لإيجاد مخرج للأزمة القائمة هو مصلحته الشخصية، وفي أفضل الأحيان الفئوية، لا مصلحة البلاد ككل. نحن طابة تتقاذفها الأمم وليس من لبنانيين يحافظون على لبنان، وهذا مؤسف كثيراً».