نهر البارد ــ نزيه الصديقالبدّاوي ــ عبد الكافي الصمد
صيدا ــ خالد الغربي

بيان لفلسطينيّين لا يريدون العيش في لبنان وزكي يعلن وصول 5000 بيت جاهز من الإمارات


انتهت عصر أمس قضية إجلاء عائلات مسلحي تنظيم «فتح الإسلام» من النساء والأطفال من مخيم نهر البارد، وخرجوا منه بعد مرور 98 يوماً على اندلاع الاشتباكات فيه، إثر فترة طويلة من الأخذ والرد.
وكانت كل المعطيات تدل على أن هذه العائلات ستخرج أمس، بعدما تراجعت الاشتباكات بدرجة كبيرة، وخصوصاً في فترة بعد الظهر حيث انعدم تماماً سماع أصوات القذائف والقنابل والرصاص، ما أوحى أن موعد الخروج قد اقترب. واتخذ الجيش اللبناني كل الإجراءات اللوجستية الضرورية لذلك، إضافة إلى وجود بعثة الصليب الأحمر الدولي، وعناصر الدفاع المدني والهلال الأحمر الفلسطيني، فضلاً عن عشرات الصحافيين والمصورين ومراسلي وسائل الإعلام اللبنانية والعربية والدولية، وجمهرة من المواطنين وأقارب العائلات النازحة، الذين تجمعوا منذ ساعات الصباح عند المدخل الجنوبي للمخيم من ناحية بلدة بحنين.
وأثار تأخر خروج عائلات المسلحين بعض الوقت، وعودة الاشتباكات إلى طبيعتها، فضلاً عن إطلاق المسلحين رصاص القنص بغزارة بعد الساعة الرابعة والنصف، مخاوف من احتمال فشل عملية الخروج؛ غير أن مصادر متابعة للموضوع أشارت لـ«الأخبار» إلى أن الجيش اللبناني والصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر الفلسطيني «استلموا على دفعات أفراد عائلات المسلحين في أرض زعتر الواقعة عند الطرف الجنوبي ـــــ الغربي من المخيم، ونُقلوا إلى نقاط عسكرية تابعة للجيش على تخوم المخيم، من أجل إجراء تحقيقات أولية معهم، بعد تفتيشهم على أيدي مجندات جلبن خصيصاً إلى المخيم لهذه الغاية».
وفي الوقت الذي أحدث فيه تأخر خروج عائلات المسلحين إرباكاً ولغطاً كبيرين في أوساط الإعلاميين، وخصوصاً بعدما أشار بعضهم إلى احتمال إجراء عملية الخروج من معبر آخر غير المعبر الجنوبي للتمويه، وحرصاً على إنجاز العملية بسلام، لوحظ أن الجيش اللبناني قام بإجراءات أمنية مشددة طوال بعد ظهر أمس على الأوتوستراد الدولي والطرقات الفرعية، ابتداءً من محيط المخيم الشمالي عند بلدة العبدة، وصولاً إلى مدينة طرابلس.
وقرابة الساعة الرابعة إلا ثلثاً عصراً، أعلن بدء خروج عائلات المسلحين من المخيم، بعد أقل من أربع ساعات من الاتصال الذي أجراه الناطق الإعلامي للتنظيم أبو سليم طه مع عضو رابطة علماء فلسطين الشيخ محمد الحاج، الذي أوضح لـ«الأخبار» أن «العملية تمت بنجاح مثلما كان متفقاً عليه بين كل الأطراف، وأن النازحين كانوا 22 امرأة و44 طفلاً»، وهو الأمر الذي أشار إليه مصدر عسكري من ناحية «وجود توافق على بدء إخراج عائلات مسلحي «فتح الإسلام» بعد الظهر»، مؤكداً أن الجيش «كان ينتظر الرد الأخير من الإرهابيين من خلال الوسيط لتحديد المكان ووقف إطلاق النار».
وعند حوالى الساعة الخامسة إلا ربعاً، أبعد الجيش الإعلاميين والمواطنين عن المعبر الجنوبي بشكل كامل، إلا أن السيارات التي نقلت عائلات المسلحين سلكت طريقاً فرعياً وترابياً معروفاًً باسم معبر بيت شاكر، يمتد من سكة الحديد عند التخوم الجنوبية للمخيم، وصولاً باتجاه الشرق إلى الأوتوستراد الدولي عند مفترق أفران لبنان الأخضر، سالكة طريقها بعد ذلك نحو ثكنة القبة في طرابلس، وسط إجراءات أمنية مشددة للغاية، حيث ينتظر أن يخضعوا لفحوص طبية، وإجراء مزيد من التحقيقات معهم قبل نقلهم إلى بيروت.
وكان أمين سر حركة «فتح» في لبنان سلطان أبو العينين قد شكك «بإمكان أن يسلم إرهابيو «فتح الإسلام» عائلاتهم التي يستخدمونها دروعاً بشرية»، مشيراً إلى أن «هدف ما يروجونه عن إخراج عائلاتهم هو تسليط الضوء إعلامياً وإنسانياً وإحراج الجيش اللبناني».
ولاحقاً أكد ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عباس زكي أن المطلوب بعد إجلاء المدنيين عن مخيم نهر البارد تسليم المسلحين أنفسهم إلى السلطات اللبنانية ليحاكموا بعدالة على ما اقترفوه من اعتداءات على الجيش اللبناني وما سببوه من مآسٍ ومعاناة لأعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين». في مقابل ذلك، أوضحت أوساط متابعة للاتصالات الأخيرة لـ«الأخبار»، أن «قصف الجيش اللبناني المدفعي عبر المروحيات لمواقع المسلحين، وتحديداً ملجأ سعسع قبل أيام، الذي قتل فيه نحو عشرة مسلحين، وكان بداخله عدد من عائلاتهم ومن المدنيين، هو الذي دفع طه إلى الاتصال بالحاج يوم الثلاثاء الماضي طلباً لإخلاء النساء والأطفال، وكانت موافقة الجيش على ذلك».
وفي صيدا، أعلن زكي أنه طلب تأمين خمسة آلاف وحدة سكنية مؤقتة لنازحي نهر البارد وأن هذه الوحدات ستصل قريباً من الإمارات العربية المتحدة بموازاة مشروع تحضره الأونروا لتأمين بيوت جاهزة مؤقتة قريبة من البارد وأنه تم تأمين أرض على البحر واستئجار بيوت في البداوي كسكن مؤقت وتوفير أموال لمن يستطيع أن يستأجر خارج المنطقة، وكاشفاً عن اجتماعات تضم مهندسين فلسطينيين ولبنانيين من أجل إنهاء الدراسات الخاصة بإعادة بناء مخيم نهر البارد بدعم من المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت. كلام زكي جاء خلال لقائه والنائبة بهية الحريري في مجدليون الشباب المشاركين في المخيم الشبابي التطوعي الأول للتنمية المدنية الذي تنظمه مؤسسة الحريري وجمعية «لاجىء» في صيدا بمشاركة أكثر من مئة شاب لبناني.
وأكدت الأوساط أن «القائد الميداني في التنظيم شاهين شاهين قد قتل»، وهو ما يفسر غيابه عن الساحة وعودة أبو سليم طه للظهور مجدداً، موضحة أن «شاهين هذا هو شقيق أبو الليث زوج إحدى بنات قائد التنظيم شاكر العبسي، الذي تتضارب الأنباء والمعلومات حول مصيره».
ولفتت هذه الأوساط إلى أن معلومات عدة أشارت إلى أن «عشرات المسلحين ومسؤولي التنظيم قد خرجوا سراً على دفعات من المخيم في فترات سابقة، وأنه لم يبق داخل المخيم أكثر من 30 مسلحاً، أبدوا استعدادهم لتسليم أنفسهم إذا ثبت لهم حسن معاملة النساء، وصدق وعود الدولة بهذا الخصوص».
ولاحقاً، بعد الساعة الخامسة اندلعت اشتباكات عنيفة على مختلف المحاور استخدم فيها الجيش القصف المدفعي والصاروخي، واستخدم المسلحون قذائف الهاون ورصاص القنص، وأفيد عن سقوط قتلى وجرحى.
وفي مخيم البداوي، لم يتخذ حتى الساعة أي إجراء لمواجهة مشكلة النازحين الذين خرجوا من بيوتهم في الأيام الأولى للاشتباكات، ولا يزال البحث في الموضوع يدور في إطار تدارس الأفكار ومسودات الحلول، وعقد اللقاءات وإصدار البيانات وتنفيذ الاعتصامات.
فمنذ بضعة أيام جرى إبلاغ النازحين المقيمين في الروضات والمدارس ضرورة إخلائها مطلع شهر أيلول المقبل. ومع أن عدداً كبيراً من هذه العائلات أبدت استعدادها للانتقال من المدارس إلى أي مكان آخر، فإن عدداً كبيراً منها رفضت الخروج من المدارس إلا إلى مخيم نهر البارد أو جواره.
في مقابل ذلك، نشر «التجمع الشبابي الفلسطيني الديموقراطي» بياناً على موقعه على شبكة الإنترنت www.wewanttolive.org هو الثاني له بعد بيانه التأسيسي الأول الذي أصدره قبل نحو شهر، تساءل فيه: «ألسنا في حالة حصار منذ عشرات السّنين؟». مع أن ظهور هذا التجمع الذي رفع شعار «نحن نحب الحياة أيضاً»، وجعل عنوان تحركه «بدنا نعيش.. بس مش بلبنان»، قد أثار بلبلة وردود فعل استنكرت دعوة أفراده الفلسطينيين للهجرة والعيش خارج لبنان، نافية وجود مثل هكذا تجمع في مخيمات الشمال، فإن التجمع نشر بيانه الثاني أمس، مستهلاً إياه باقتباس من قصيدة «الحصار» للشاعر الفلسطيني محمود درويش.