strong>عمر حبيب
  • أقمشة البرادي تفصّل ثياباً على المقاس السياسي


  • «أصفر... أخضر... ليموني» ألوان تزيّن واجهة المحل من الخارج. أما في الداخل فالألوان نفسها تزيّن غابي عبدو ومايا سمعان... قلباً وقالباً. هما ثنائي معارض، لا يذكران كيف جمعهما مكان عمل واحد لكنهما سعيدان بهذا اللقاء الذي جعلهما يتقاسمان الأفكار، النكات، التعليقات، وحتى... تصميم الأزياء

    سليمان بك فرنجية، الجنرال ميشال عون، والسيّد حسن نصر الله يستقبلونك عند الباب. تغطّي صورهم الواجهة الزجاجية لأحد المحالّ التجارية في البترون، ولولا اللافتة التي تشير إلى أنه محلّ لخياطة الستائر وتنجيد المفروشات، لاعتقدت أنه مقرّ سياسيّ تابع لحزب الله والتيّار الوطني الحرّ وتيار المردة معاً.
    غابي عبدو صاحب المحل مؤيّد للمعارضة ولا يساوم. هو من بلدة كوسبا في الكورة، يعيش فيها ويأتي يومياً إلى البترون حيث مقرّ عمله. مقرّب من «تيار المردة» الواسع الانتشار في المدينة وقضائها. لم يقم أحد غيره، حتى الآن، بلصق صور للسيّد حسن إلى جانب صور سليمان والجنرال عون بشكل ظاهر في البترون. يدخل محلّه زبائن من مختلف المشارب السياسية، موالين ومعارضين. الوضع ليس مختلفاً في الداخل، عبارة «جاء نصر الله» وصورة «السيّد» منقوشة على المرآة. أما جهاز التلفزيون، فيلتقط محطّات محدّدة فحسب، «المنار» وتلفزيون «الجديد»، وبالطبع الـ«أو تي فيعن التأثير السلبي لهذا الأمر على تجارته ومورد رزقه يقول غابي: «هذه قناعتي وأنا فخور بها. كثيرون نبّهوني إلى سلبيات ذلك، من المقرّبين سياسياً ومن الآخرين، لكني لا آبه».
    في البداية، كانت الصور ملصقة على الجهة الخارجية للزجاج، فقام «خفافيش الليل»، كما يسميهم غابي، بتمزيقها لمرّتين متتاليتين. «في المرّة الثالثة ألصقتها من الداخل». ويوضح أن تعليق صور فرنجية وعون في البترون «أمر طبيعي، أما صور السيّد حسن، فجماعة الطائفيين لا يستطيعون أن يتقبّلوها. على كلّ حال، أنا فخور بها جميعها». لكنه يؤكد في المقابل أن هذا الأمر لا يؤثر بشكل كبير على الزبائن، «المهمّ هو نوعية العمل والصدقية، ونحن في المعارضة صادقون في كلّ شيء، في السياسة كما في التجارة كما في كل مجالات التعامل مع الآخرين».
    أما مايا سمعان، الموظفة في المحلّ، فحكاية أخرى. هل تقمّصت شخصية «مس أورانج» من برنامج «إربت تنحلّ» أم القيمون على البرنامج مرّوا في البترون فرأوها؟
    مايا تحبّ الجنرال عون وكل ما يتعلق به. ملابسها برتقالية اللون، وكذلك ربطات شعرها، والطلاء على أظافرها، والهاتف الخلوي، والمظلّة، وعلّاقة المفاتيح، والقلم الذي تحمله ولا تحتاج إليه إلا نادراً... كلّ ما يُرى برتقالي.
    ومايا بدورها لا تساوم. هي من بلدة إجدعبرين في الكورة، ولدت ونشأت وكبرت في البترون. عملت في المحلّ صدفة... جذبتها الصور على الزجاج؟ «ممكن». في كل الأحوال الأمر إيجابي. من المريح وجود انسجام سياسي بين من يعملون معاً، وخصوصاً في هذه الأيام. والكلام في السياسة داخل المحلّ مسموح. «أنا «أورانج» منذ أن كان هذا اللون رمزاً للتيار، واليوم أؤيد المعارضة بأطرافها كافة. لكن الجنرال أمر آخر». وتعترف بأنه «في البداية، لم يكن سليمان فرنجية يعني لي الكثير على الصعيد الوطني، وربما لم أكن أحبه حتى. لكنّ غابي أخبرني عنه الكثير، عن مواقفه في مناسبات عدة، عن الخدمات التي يقدمها للمحتاجين، من ضمن عمله في الوزارات أو على الصعيد الشخصي، فصرت أحترمه كثيراً. يكفي أنه متحالف مع الجنرال». تشرح مايا: «عائلتي عونية مية بالميةوالدي معاون أول متقاعد في الجيش اللبناني، يحبّ الجنرال منذ أن كان في الخدمة، وما زال. أما والدتي فهي أكثر اندفاعاً منه ومني. عندما انتقلنا أخيراً من البترون إلى منزلنا الجديد في إجدعبرين، قام والدي برفع علم «التيار الوطني الحرّ» عالياً فوق السطح. في قريتنا، الأكثرية تؤيد «تيار المستقبل» والموالاة. نصحنا البعض بإزالة العلم لكونه غير مألوف ولا مستحباً في القرية. كان والدي صارماً في جوابه، حتى لأقرب المقربين: من ينزعج من الأمر، فليتوقف عن زيارتنا. عائلتنا تؤيد الجنرال بقوة، لكن، طبعاً، كما في كل شيء، هناك شواذات».
    وما تعتبره مايا من «الشواذات» هو قريبة لها تعيش في البترون، و«تؤيد الموالاة وحكومة السنيورة. تمرّ أمام المحلّ بشكل يوميّ تقريباً. في البداية، كانت تدخل، تسلّم، تشرب القهوة، تعمل صبحية، وكنا عموماً نتجنب التكلم في السياسة، أو نكتفي بالتلطيش والإيحاءات من دون أن ندخل في التفاصيل أو نصل إلى المواقف الحادة». هذا في البداية، عندما كان سليمان فرنجية والجنرال يتربّعان وحيدين على زجاج الواجهة. كان الأمر محمولاً بالنسبة إليها. عندما أضيفت صور أخرى للجنرال وسليمان معاً، وبدأت الاعتصامات «صار سلامها «ع الماشي»، أما مع «الوعد الصادق» فقد طفح الكيل. باتت تمرّ من الجهة المقابلة، بعيداً عن الواجهة، وتتسارع خطاها عندما تصبح بموازاة المحل. لم يعد ينفع معها السلام ولا الترحيب ولا الدعوات إلى الدخول».
    «هي الخاسرة»، يقول غابي ومايا بصوت واحدأما ما يحصل مع مايا من أحداث تتعلق بشخصيتها ومواقفها السياسية التي تعبّر عنها أزياؤها، فهو دائماً من النوادر المسلية. تخبر مثلاً أنها كانت يوماً في الباص، بكامل أناقتها البرتقالية، وورد اتصال إلى هاتفها الخلوي، وبدل الرنين الموسيقي الكلاسيكي، صدح في الباص صوت الوزير فرنجية يلقي كلمة سياسية من تلك الكلمات التي «تميّزه بصراحته ونقده اللاذع ومواقفه المتفجّرة، وكانت الكلمة قاسية، فتردّدتُ في الإجابة، واقترب مني أحد الركاب وطلب مني أن أجيب بسرعة لأنه وبعض الموجودين من خطّ سياسي مختلف ولا يرغبون في الاستماع إلى كلام مماثل».
    في أيام التظاهرات والاعتصام، يشكّل غابي ومايا فريقاً واحداً. يقفلان المحلّ في عزّ النهار، بغضّ النظر عن الأعمال غير المنجزة فيه، يستقلان سيارة غابي ويشاركان في مواكب المعارضة كافة، تلك التي تجول في البترون في مناسبات سياسية محلية، أو تعبيراً عن الفرح بالفوز في جولة انتخابية، أو تأييداً للجيش اللبناني، أو تلك التي تتوجّه إلى ساحات الاعتصام. وفي المناسبات الكبرى، يلاقيهما إيلي شقيق مايا، ورفاق آخرون، والأعلام تطلّ من الشبابيك، ترفرف بألوانها الثلاثة، أصفر، أخضر، ليموني.
    مع كلّ من صديقَينا جهاز خلوي، اشترطا عند شرائهما أن يستوعبا أكبر عدد ممكن من الصور والتسجيلات، وأن يكونا مزوّدين بنظام Bluetooth. شأنهما شأن اللبنانيين جميعاً، يتبادلان كلّ يوم ما توافر من صور وخطب وأغانٍ لشخصياتهما السياسية المفضلة. يرد اتصال، فيصدح الجهاز بخطاب للسيد حسن أو أغنية لتيار المردة، و«عونك جايي من الله»... وإذا كنت من المعارف أو الأصحاب ودخلت إلى المحل، يُسمعك أحدهما، أو الاثنان معاً، آخر نكتة خلوية أو نشيد أو غير ذلك، وينقلها إلى جهازك، إذا كنت من هواة النوع.
    مايا وغابي عازبان. وإذا تزوّجا يوماً، يقولان مازحين، فسوف ينجبان صبياً ويسميانه «سعد»، ويربّيانه على حبّ أحزاب المعارضة الحالية، ويجعلانه ينتسب إلى التيار الوطني الحرّ... لا، إلى المردة... لا، إلى التيار... لا، إلى المردة... ويضحكان.




    التسويق ممكن

    جديد هذا الثنائي المُعارض تصميم الملابس. تتخيلها مايا وينفذها غابي. سترة شتوية، برتقالية اللون طبعاً، وبزة للصيف: قميص وبنطلون، والماركة مسجّلة: التيار الوطني الحرّ. أما المواد الأولية، فأعلام برتقالية تجلبها مايا من مكتب التيار الموجود في المبنى نفسه. وينجح الخياط في المحافظة على الشعار والرمز واضحين، ويتفنّن، فيجعل من علامة التيار وحدها الجهة الخلفية للقميص، أو يجعل الشعار وسط صدر القميص لكي يبقى مقروءاً كيفما نظرت وأينما وقعت عيناك!
    حالياً، تستهلك مايا وحدها كل الإنتاج، لكنّ التسويق مستقبلاً ممكن، وقد بدأ الطلب حالياً «وخصوصاً أنّ الأيام المقبلة سوف تحفل بتظاهرات وتحركات عديدة للمعارضة، كما يقول غابي، مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي».