عرفات حجازي
من المنتظر أن يودع الموفد الفرنسي جان كلود كوسران وزير خارجيته برنار كوشنير تقريراً يوجز فيه الخلاصات والاستنتاجات التي انتهت إليها لقاءاته ومشاوراته مع المسؤولين وأقطاب الموالاة والمعارضة ليقرر، في ضوئها، رئيس الدبلوماسية الفرنسية إمكان استئناف تحركه على خط المعالجات للقضايا الخلافية في لبنان التي ضرب لها موعداً في نهاية الأسبوع الأول من شهر أيلول المقبل إذا حمل التقرير إشارات مشجعة لاستكمال مسعاه التوافقي.
ورغم حرص الموفد الفرنسي على حصر مهمته باستطلاع الآراء ومدى إمكان تسجيل اختراق في الوضع المتأزم، إلا أنه أكد لمحاوريه جهوزية الدبلوماسية الفرنسية لمواصلة تحركها بصرف النظر عن مستوى الآمال المعقودة على توصلها إلى حلول وتسويات. فالقرار الفرنسي، كما أبلغه كوسران للقيادات اللبنانية، حاسم لجهة عدم ترك لبنان ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، وبلاده ستستمر في قيامها بدور توفيقي بين الموالاة والمعارضة وجعل تقاطع المصالح الإقليمية والدولية أمراً ممكناً لإنتاج تسوية منصفة تبرد الساحة الداخلية المشتعلة وتنأى بها عن الخيارات الانتحارية التي يهدد بها هذا الطرف أو ذاك لجر البلاد نحو الفوضى والاقتتال. وإذ حاذر كوسران الغوص في تفاصيل الخلافات والانقسامات الداخلية في الشأن الرئاسي، مواقيت وأسماءً وآليات، باعتبارها «شأناً لبنانياً خالصاً»، فإنه حرص على تشجيع القيادات على إعادة فتح خطوط الاتصال والتواصل في ما بينها، مكرراً تمسك بلاده بوجوب إجراء الانتخابات الرئاسية في مواعيدها المحددة، ومشيداً بـ «المواقف الوطنية المسؤولة» التي يتخذها رئيس المجلس النيابي نبيه بري وإصراره على إنجاز الاستحقاق الدستوري، وسعيه الدؤوب الى جمع اللبنانيين مهما تباعدت وجهات نظرهم.
ولفت كوسران إلى أن المبادرة الفرنسية ترمي إلى ترميم جسور الثقة بين الفرقاء وإعادة الاعتبار إلى الحوار اللبناني ــ اللبناني وعدم التدخل في لعبة الأسماء والسجالات القائمة على خلفية الاستحقاق الرئاسي، مشيراً إلى أن التركيبة اللبنانية الدقيقة لا تحتمل السير بمنطق الغلبة وفرض الحلول الأحادية، لأنه نهج مدمر للصيغة التي تقوم على توازنات لا بد من احترامها، ومشدداً على أن اللبنانيين هم اللاعبون الأساسيون في الاستحقاق الرئاسي، ولا ينبغي السماح للتدخلات والمؤشرات الخارجية أن تحول دون وفاقهم وتفاهمهم على ما يعزز وحدتهم ويرسخ عيشهم المشترك ويحفظ مؤسساتهم الدستورية، مبدياً خشيته من أن تذهب الأمور إلى المدى الذي لا يستطيع أحد السيطرة عليه ومنع اندفاعه نحو منزلقات خطيرة.
وإذ أكد عدم ارتياحه للمناخات المتشنجة وعنف الخطابات السياسية وتبادل الاتهامات بين الأطراف، رأى أن هذا الأمر ليس مستغرباً، فمثل هذه الأجواء يمكن أن تسود في أي بلد على عتبة استحقاق مفصلي، لكن المهم ألا تبقى مسيطرة، وأن تنجح الاتصالات في وقفه وتطويقه، وهو قال أمام أحد أصدقائه إنه لم يفقد الأمل بإمكان الخروج من المأزق، ملاحظاً وجود حيوية لدى الأطراف اللبنانيين ورغبة في لبننة الاستحقاق الرئاسي، لكن هذا الأمر يحتاج إلى جهود مضاعفة لتشكيل مظلة حماية إقليمية ودولية، «وهو ما سنعمل على توفيره».
وتتفق آراء معظم الذين التقاهم الموفد الفرنسي على أن الرجل لم يحمل جديداً في جعبته، وأنه في كل لقاءاته كان مستمعاً أكثر منه طارحاً للأفكار والمقترحات، بل كان همّه منصبّاً على محاولة استكشاف نوافذ تفتح الأفق نحو الحلول، حاصراً مهمته في تهيئة المناخات الهادئة لزيارة كوشنير بالرغم من أن المعطيات التي توافرت لديه ليست كافية لتوفير عوامل النجاح لها. ومع ذلك اتخذ كوشنير قراراً مبدئياً بالعودة، وإن كانت جهات محلية وإقليمية ودولية قد نصحته باعتماد الوقت المناسب كي لا يحرق مجيئه وبحيث يستثمر زيارته لإحداث اختراق يسمح بتسوية في موضوع الاستحقاق الرئاسي.
ويقول مصدر دبلوماسي أوروبي إن خطوط الاتصال حول لبنان والمنطقة معطّلة إلى ما بعد منتصف أيلول، ولن يكون بمستطاع كوشنير أو غيره من الوسطاء صياغة مبادرات حلول معيّنة، وإن ما يجري من حراك حتى ذلك الحين لا يعدو كونه إشغالاً للفراغ بهدف تأمين جهوزية لتسويات، إذا أشعلت الولايات المتحدة الأميركية الضوء الأخضر في هذا الاتجاه، فأميركا ما زالت تتحكّم بخيوط الخيارات، فإمّا أن تدفع للسير في اتجاه الحلول، وإما أن تورّط حلفاءها في مشاريع تصادمية تزيد من اشتعال الحرائق في المنطقة. من هذا المنطلق يرى الدبلوماسي الغربي أن القناعة السائدة لدى المسؤولين الفرنسيين هي وجوب التريّث في طرح الأفكار بانتظار معرفة اتجاهات الريح الأميركية الجديدة في العراق بدءاً من منتصف الشهر المقبل كي تحدد خطواتها وسياساتها المقبلة تجاه أزمة لبنان وباقي أزمات المنطقة.
ويرى الدبلوماسي الغربي أن الإشارات المتعاكسة التي صدرت عن الإدارة الأميركية بشأن الاستحقاق الرئاسي بكل جوانبه كانت متعمّدة لأنها تقيم حساباتها في لبنان بين احتمالي التسوية والتفجير من دون أن تقطع بشكل جازم بينهما، انسجاماً مع الوضع الحائر الذي يحكم سياستها في المنطقة وبحثها الدائم عن وسائل تخرجها من المستنقع العراقي بأقل الخسائر الممكنة.