صيدا ــ خالد الغربي
هاجم «المحافظين الجدد» العرب: المواطنة هي البديل من الطائفية السياسية التي جلبت المصائب

داخل أحياء صيدا القديمة، الغارقة في بؤسها، كادت عينا المفكر العربي عزمي بشارة أن تدمعا مرتين: مرة لحفاوة الاستقبال والتضامن الشعبي العفوي حيث سارع المواطنون الى تحيته وشد أزره والثناء على مواقفه، ومرة لاعتقاده بأنه يجول في عكا بكل تفصيلاتها لا في صيدا «التي اختصر ناسها الطيبون»، على حد قول بشارة، «تلك المسافة بين الصح والخطأ، فشرعوا في النضال الى جانب الحق الفلسطيني، وكل زاوية من زوايا المدينة القديمة تذكرنا بفلسطين».
كلام بشارة مخاطباً صديقه النائب أسامة سعد ومن واكبوه في جولته يستدعي توكيداً من النائب سعد أن «صيدا بوابة عكا وبوابة فلسطين، والحديث عن صلة الرحم بين صيدا وعكا وفلسطين يعززه وجود عدد من الفلسطينيين من مدينة عكا في صيدا». ويستدعي أيضاً تأكيدات من المواطنين الذين كانوا في استقبال المفكر العربي لـ«الرابط العضوي» بين عاصمة الجنوب والقضية الفلسطينية، وهو ما يشدد عليه الصيداوي «أبو محمد» من أن «علينا جميعاً ألا نضيع البوصلة... ولا عدو إلا إسرائيل».
الأمين العام لـ«التجمع الوطني الديموقراطي» توّج أمس جولته في مدن الجنوب اللبناني وقراه بزيارة لمدينة صيدا، حيث عقد لقاء حوارياً في «مركز معروف سعد الثقافي»، تحوّل إلى مهرجان حاشد ضاقت به قاعة المركز وساحاته الداخلية والخارجية. وتقدم الحضور النائب سعد ورئيس بلدية صيدا عبد الرحمن البزري، وحشد من رؤساء البلديات وأعضاء المجالس البلدية ورجال الدين وممثلي القوى السياسية والهيئات الاجتماعية والنقابية اللبنانية والفصائل الفلسطينية.
استهل اللقاء بكلمة ترحيب من أمين سر «اللقاء الوطني الديموقراطي» عصمت القواص ركّز فيها على «الدور النضالي الذي يقوم به المناضل عزمي بشارة على الصعيدين الفلسطيني والعربي»، وعلى أهمية «الجهد السياسي والفكري الذي يبذله في سبيل تجديد حركة التحرر الوطني العربية».
ثم قدم بشارة مداخلة تناول فيها الوضع العربي في مواجهة تحديات المشروع الأميركي، مشيداً بـ«الأهمية الاستراتيجية لانتصار المقاومة على العدوان الصهيوني في حرب تموز»، ومنتقداً «الأصوات العربية واللبنانية التي تحاول طمس هذا الانتصار، على الرغم من أن إسرائيل نفسها قد اعترفت بانتصار المقاومة، وأقرت بفشل عدوانها، وشرعت أبواب المحاسبة على هذا الفشل». واستهجن «كيف تخضع الاعتداءات والجرائم الإسرائيلية للنقاشات الطائفية والمذهبية».
وشدّد بشارة على «أهمية الديموقراطية في البناء الوطني والقومي»، معتبراً أن «المواطنة هي البديل من الطائفية السياسية التي جلبت المصائب على العرب، وأن العروبة هي الهوية الجامعة لمختلف الدول العربية»، مذكراً بأن «مصطلح الطائفة مصطلح استعماري غربي».
واعتبر أن «الليبرالية السياسية هي ضرورة حيوية للبلدان العربية»، مهاجماً في الوقت نفسه «الليبرالية الجديدة التي تمثلت في هذه البلدان ببيع ممتلكات القطاع العام بأبخس الأثمان للحكام وعائلاتهم وأقربائهم، فيما أُلقيت الليبرالية السياسية والديموقراطية في سلة المهملات». وهاجم «المحافظين الجدد من العرب الذين عملوا بالتعاون مع اللوبي الإسرائيلي في واشنطن على تزيين احتلال العراق للإدارة الأميركية». وأخذ على «حلفاء أميركا في لبنان تجاهلهم حقيقة الأوضاع في هذا البلد، وعدم الاعتراف بالعجز عن حسمها لمصلحتهم». ودعا الدول العربية إلى التفاهم مع إيران بشأن مصالح كل من الطرفين، منتقداً «التحاق هذه الدول بأميركا ومخططاتها».
وكان بشارة زار النائبة بهية الحريري في دارة العائلة في مجدليون، وأكد أن «الشعب اللبناني شعب عظيم ورائع استطاع بصموده مواجهة العدوان الاسرائيلي الذي لم يكن له مبرر». وقال: «زرت البلدات والقرى المدمرة التي قاومت، ومنها قانا وبنت جبيل وعيتا الشعب وغيرها، وما رأيته يملأ النفس بالغضب على ما جرى لهؤلاء الناس، وبالكبرياء بصمودهم وقدرتهم على الصمود على رغم كل الصعاب، ومواجهة هذا العدوان البشع على لبنان». وأضاف: «لا يمكن أن آتي الى صيدا من دون أن ألتقي السيدة بهية الحريري نظراً إلى العلاقة التي تربطني بها وبالرئيس الشهيد رفيق الحريري والتي كانت علاقة رائعة سواء على المستوى الشخصي أو على المستوى السياسي، لقد وقفوا معي وأنا أقف معهم الآن، وأنا واثق من أن علاقتي بالسيدة بهية والإخوة الآخرين من تيار الرئيس الشهيد رفيق الحريري ستستمر وتبقى علاقة صداقة ومحبة وتفاهم واحترام متبادل كما كان الأمر دائماً».
وزار بشارة لاحقاً رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، وعرض معه التطورات الإقليمية والأوضاع على الساحة الفلسطينية.