نهر البارد ـ نزيه الصديق البدّاوي ـ عبد الكافي الصمد

الأونـروا تنـزع «فتيـل أزمـة» نـازحي البـارد وتستـأجر أراضـي لإقـامة البيـوت المؤقّتـة

قال متحدث عسكري أمس ان الجيش اللبناني في صدد توجيه «ضربات اكثر قسوة» الى مواقع فتح الاسلام في مخيم نهر البارد، وذلك بعد مغادرة عائلات المسلحين المخيم. وقال المتحدث العسكري ان «الضربات ستكون اقسى. من قبل كانت هناك تحفظات والان لم يعد هناك اي تحفظات».
وتراجعت حدّة الاشتباكات والعمليات العسكرية يوم أمس في المخيم بشكل لافت، مقارنة بما حصل أول من أمس الذي دارت فيه اشتباكات عنيفة على مختلف المحاور، وأغارت خلاله المروحيات العسكرية التابعة للجيش اللبناني أكثر من عشر مرات على مواقع المسلحين»، ملقية خلالها قنابل تتراوح زنتها بين 250 و400 كلغ من المتفجرات.
لكن الهدوء الحذر الذي ساد أطراف المربع الأمني للمسلحين شابه إطلاق رصاص القنص بغزارة من داخل المخيم باتجاه مواقع الجيش، الذي رد بقصف مركّز على مواقع المسلحين في محيط التعاونية وأحياء الدامون والبروة وسعسع، وفي محيط مركز القيادة العامة عند الواجهة البحرية.
وأفادت معلومات أمنية بأن الاشتباكات المتقطعة، التي كانت تعنف وتتراجع حدتها لاحقاً، مردها إلى أن «مسؤولي الوحدات العسكرية في الجيش اللبناني قاموا خلال هذه الفترة بتقويم الوضع على الأرض بعد خروج عائلات المسلحين والمدنيين من المخيم، وينتظر أن توضع خطة لمواجهة من بقي من المسلحين».
وعلى صعيد متصل، أوضح عضو رابطة علماء فلسطين الشيخ محمد الحاج أن «المرحلة الثانية من المبادرة التي تزمع الرابطة إطلاقها بخصوص إجلاء جرحى مسلحي التنظيم من داخل المخيم، لا تزال رهن المحادثات الجارية، وهي لم تؤدِّ إلى أي نتيجة حتى الآن»، لافتاً إلى أن «الأمر ذاته ينطبق على طرح تسليم المسلحين أنفسهم وسلاحهم إلى الجيش اللبناني، وهو الأمر الذي لا يزالون يرفضونه».
على صعيد آخر، أوضح مصدر عسكري لـ«الأخبار» أن النساء والأطفال الذين أُخرجوا من المخيم يوم الجمعة الماضي قد «أفرج عنهم جميعاً، وتوجهوا إلى حيث يوجد أقرباء لهم»، لافتاً إلى أن «تحقيقات أولية أُجريت معهم، فضلاً عن إخضاعهم لفحوص طبية».
وأشار المصدر إلى أن «عددهم كان 25 امرأة و40 طفلاً، وأن من بين النساء كان يوجد أربع فتيات، منهن ابنة قائد التنظيم شاكر العبسي وزوجته، إضافة إلى زوجة الرجل الثاني في التنظيم شهاب القدور «أبو هريرة»، التي توجهت إلى منزل ذويها في مخيم عين الحلوة مصطحبة معها ابنها الرضيع»، فيما بقي أبناؤها الأربعة الآخرون في بيت جدهم برعاية عمتهم، في منزل العائلة الكائن في مقبرة الغرباء بمحلة الزاهرية بطرابلس. ولفت المصدر العسكري إلى أن «12 امرأة من النساء يحملن جنسيات لبنانية وسورية، فيما البقية فلسطينيات، و4 منهن ذهبن إلى منازل ذويهن في مخيم البداوي، فيما تفرقت الباقيات في بقية المخيمات والمناطق اللبنانية الأخرى».
وفي مخيم البداوي، يُنتظر أن يتم في غضون 72 ساعة على الأكثر توقيع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان «الأونروا»، عقود استئجار عقارات وأراض في جوار مخيم نهر البارد، من أجل إقامة بيوت مؤقتة يأوي إليها نازحو المخيم، في خطوة تهدف بالمقام الأول إلى طمأنتهم إلى أن عودتهم إليه جدّية، وأن هذا الإجراء ينسجم مع مطلبهم الأساسي منذ اليوم الأول لنزوحهم. وجاء هذا التطور «الإيجابي» ليسهم في نزع فتيل أزمة كانت ستنذر بالأسوأ، نتيجة أجواء احتقان سيطرت في الأيام الأخيرة على أجواء مخيم البداوي وجواره، منذرة بتصعيد كبير، وتحديداً في أوساط النازحين الذين رفضوا إخلاء المدارس المقيمين فيها قبل انطلاق العام الدراسي المقبل، إن كانت تلك التابعة للأونروا داخل المخيم، أو المدارس الرسمية في مدينتي طرابلس والبداوي، مشترطين عدم الخروج إلا إلى مخيم نهر البارد وتخومه، ما جعل تأزم الأوضاع بشكل سلبي نتيجة هذا الموقف الاحتجاجي احتمالاً قائماً.
غير أن القرار المنتظر للأونروا على هذا الصعيد لم ينبع من فراغ، بل أتى بعد ضغط كبير مارسه النازحون ومسؤولو الفصائل الفلسطينية عليها، بعدما رفضوا فكرة إقامة بيوت مؤقتة في تخوم مخيم البداوي أو غيره، قبل توقيع عقود استئجار أراض في جوار مخيم نهر البارد، وهو الأمر الذي كانت ترفضه الأونروا بحجة أنها لن تقدم على خطوة كهذه في أرض لم تزل منطقة عمليات عسكرية، فضلاً عن أن بدلات إيجارها مرتفعة للغاية.
إلا أن هذه التعقيدات بدأت بالتلاشي والانحسار، بعدما عرض فلسطينيون ولبنانيون يمتلكون عقارات في جوار مخيم نهر البارد على الأونروا تقديمها مجاناً لهذه الغاية، أو قبولهم تأجيرها رمزياً بقيمة تبلغ دولاراً أميركياً واحداً فقط في العام الأول، وهو الأمر الذي لم تمتلك الأونروا حياله إمكان الرفض، وخصوصاً بعدما بدا ذلك مخرجاً للجميع من مأزق أزمة منتظرة.
وفي الوقت الذي رأت فيه مصادر فلسطينية إقدام الأونروا على هذه الخطوة بمثابة «ورقة ضغط ستمارسها على الحكومة من أجل القبول بخطة إقامة البيوت المؤقتة للنازحين في محيط مخيم نهر البارد»، أوضحت مصادر معنية في الأونروا لـ«الأخبار» أنه «تمّ توقيع عقدين لاستئجار عقارين لهذا الغرض، الأول تبلغ مساحته 25 ألف متر مربع ويقع جنوبي مخيم نهر البارد، والثاني مساحته 23 ألف متر مربع ويقع شمالي المخيم»، رافضة الإفصاح حالياً عن أسماء من وقّعت معهم عقود الايجار، إلا أنها أوضحت أن «خطط إعادة إعمار المخيم بشكله الكامل ستستغرق ما لا يقل عن ثلاث سنوات على الأرجح».
وكان أمين سر اللجان الشعبية في مخيم نهر البارد لطفي الحاج أحمد قد أبدى لـ«الأخبار» قبل ذلك «قلق النازحين من رفض الأونروا عروضاً عدة قدّمت لها لاستئجار عقارات متاخمة للمخيم، ما طرح شكوكاً حول إذا ما كان لا يوجد قرار بهذا المعنى، فإن ذلك يعني أنه يوجد قرار مغاير له».
في مقابل ذلك، عقد اجتماع موسع في دارة رئيس «المركز الوطني للعمل الاجتماعي في الشمال» كمال الخير في المنية، وأصدر المجتمعون بياناً شدّدوا فيه على «ضرورة العودة الفورية والكريمة، وعلى إقامة المساكن المؤقتة للنازحين في محيط مخيم نهر البارد”.