عمر نشابة
كان من المفترض أن يتقدّم الأمين العام للأمم المتحدة، اليوم، بتقريره عن سير العمل في إنشاء المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى مجلس الامن الدولي. لكن المتحدثة باسم بان كي مون، ميشال مونتاس، توقّعت تقديم التقرير في نهاية الشهر الجاري. وفي سياق التحضيرات لإنشاء المحكمة، قرّرت الأمم المتحدة إرسال بعثة برئاسة رئيس الدائرة القانونية في الأمانة العامة نيكولا ميشال إلى هولندا لتفقّد المباني والمواقع التي يمكن أن تُعقد فيها المحكمة الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وآخرين، والتي أنشئت بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1757 في 30 أيار الفائت. ويزور أعضاء البعثة وزارة الخارجية الهولندية في لاهاي للاجتماع بالوزير ماكسيم فيرهاغن، والاتفاق على الصيغة النهائية للاتفاقية الدولية التي ستوقّع بين الأمم المتحدة وهولندا بخصوص استضافة المحكمة. وكان من المفترض أن يشترك لبنان في هذه الاتفاقية (بحسب نصّ مشروع المحكمة)، لكن تعذّر إقرار مشروع المحكمة محلياً وتمريره بواسطة قرار دولي سيحول دون ذلك. كما تزور البعثة وزارة العدل للاجتماع بالوزير هيرش بالين ولاستعراض الخيارات المتعلّقة بمقرّ المحكمة، ودراسة مدى تناسبها مع متطلّبات المحكمة من النواحي اللوجستية والأمنية والقضائية. ومن بين الخيارات المطروحة، عدد من المباني الحكومية الموجودة في مدينة لاهاي، ومقرّ تابع لوزارة العدل يقع قرب مدينة أوترخت شرق البلاد يُدعى كامبزايست. هذا المقرّ كان يستخدم سابقاً كقاعدة عسكرية، لكنه اليوم مجهّز تقنياً بالكامل لانعقاد جلسات محاكمة فيه، وكان قد استخدم لهذه الغاية في قضايا دولية أخرى، ومنها جريمة تفجير طائرة البان آم الأميركية فوق مدينة لوكربي البريطانية في الثمانينيات والتي أدانت ليبيين بالإرهاب. وعلمت «الأخبار» أن المسؤولين الهولنديين، كما أعضاء بعثة الأمم المتحدة، يميلون إلى اختياره لاستضافة المحكمة الخاصة بجريمة اغتيال الحريري والجرائم الأخرى إذا ثبت تلازمها.
ومن المتوقع أن تزور بعثة الأمم المتحدة المقرّ بالقرب من أوترخت الأسبوع المقبل لمعاينته والتأكد من أن جميع لوازم المحكمة بحسب القرار 1757 متوافرة، إضافة إلى الإجراءات الأمنية والنقليات وسكن القضاة والموظفين وعائلاتهم. وسيعود أعضاء البعثة بعد ذلك إلى نيويورك لتقديم تقريرهم المفصّل وتوصياتهم إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. وبناءً على تلك التوصيات، سيختار بان المقرّ المناسب للمحكمة، ومن ثمّ ستجري اجتماعات ثنائية بين مسؤولين هولنديين ومسؤولين أمميين لوضع الصيغة النهائية للاتفاقية الدولية، التي ينبغي أن تُعرض على البرلمان الهولندي قبل إقرارها بحسب الدستور الهولندي. ويُتوقّع أن يجري كلّ ذلك مطلع الخريف المقبل، وبالتالي يرجّح أن تكون قاعات المحكمة والمكاتب جاهزة للاستعمال بداية 2008.
كيف تجاوزت هولندا قلقها
وزير خارجية هولندا ماكسيم فيرهاغن قال منذ أسبوعين إنه فخور بطلب الأمم المتحدة من بلاده في 23 تموز الماضي إيواء المحكمة الدولية، ورأى أن هذا الطلب هو تأكيد أن لاهاي هي «العاصمة القضائية الدولية»، وهي تسمية تسعى الحكومة الهولندية إلى ترسيخها لأهداف ثقافية واجتماعية واقتصادية أيضاً. لكن مع ذلك، لا يخفى أن المسؤولين الهولنديين كانوا قد عبّروا عن قلقهم من ثلاثة أمور بما يخصّ استضافة المحكمة الخاصة بالحريري وهي:
1ــ تغطية نفقات المحكمة:
بحسب مشروع المحكمة، يفترض أن يغطي لبنان 49 في المئة من نفقات المحكمة التي يُتوقّع أن تبلغ 30 مليون دولار أميركي خلال السنة الأولى، أي 15 مليون دولار تقريباً. لكن مع تعذّر انعقاد مجلس النواب اللبناني الذي يمثّل السلطة التي تأذن بتحويل هذه الأموال من خزينة الدولة، ومع استمرار التجاذبات الداخلية بشأن المحكمة ذات الطابع الدولي، إثر عدم مناقشة مشروع إنشائها في مجلس الوزراء بحضور كل الوزراء أقطاب الحكومة، برزت بوادر قلق لدى المسؤولين الهولنديين بخصوص تأمين النفقات. ويرغب هؤلاء في تجنّب الوصول إلى حال قد تضطرّهم إلى طلب تغيير مقرّ المحكمة بسبب عدم تسديد النفقات أو التأخير في ذلك.
وعلمت «الأخبار» أن موضوع النفقات كان مدار بحث بين ميشال والوزير فيرهاغن. وأكد ميشال أن الأمم المتحدة حصلت على ضمانات في هذا الشأن، وأن مصاريف المحكمة ستؤمّن بالكامل وفي الوقت المحدّد. بدوره طلب وزير الخارجية الهولندية إدراج مسألة تغطية النفقات في الاتفاقية الدولية بين الأمم المتحدة وهولندا، التي يعمل على صياغتها.
2ــ تحديد مكان تنفيذ عقوبات المذنبين:
يقع سجن شيفينينغن في لاهاي، وهو من أكبر السجون في أوروبا وأهمها. ففي هذا السجن جناح خاص بالموقوفين في قضايا دولية. وبينما يتولى عناصر أمنيون هولنديون حماية السجن من الخارج، يتولى أمنيون تابعون للأمم المتحدة إدارة وحماية الجناح الخاص بالموقوفين في قضايا جنائية من اختصاص المحاكم الدولية. لكن الحكومة الهولندية تشدّد على أنها ترفض تنفيذ عقوبات السجن المفروضة من قبل المحاكم الدولية على أراضيها. وفي هذا الشأن أيضاً، أكّد مسؤولون أمميون لنظرائهم الهولنديين أن عدداً من البلدان أعرب عن استعداده لاستقبال المُدانين من قبل المحكمة الدولية في سجون خاصة على أراضيها، وقُدّمت للهولنديين ضمانات في هذا الشأن، ما بدّد قلقهم من بقاء الموقوفين في قضية الحريري في سجونهم، حتى بعد صدور الأحكام في حقّهم.
3ــ الإطار القانوني:
قالت صحيفة فولكسكرانت الهولندية إن الحكومة الهولندية تدرس حالياً الشؤون الأمنية والمالية والقانونية المتعلّقة بالمحكمة الخاصّة بالحريري. وبما أن مشروع إنشاء المحكمة لم يحظَ بتأييد كامل أعضاء مجلس الأمن الدولي، وكانت لسفراء الصين وجنوب أفريقيا وأندونيسيا وقطر وروسيا ملاحظات قانونية على مشروع المحكمة خلال جلسة التصويت على القرار 1757، جرت مراجعة دقيقة لنصّ المشروع، ودُوِّن بعض الملاحظات للمراجعة خلال صياغة الاتفاقية الدولية بين الأمم المتحدة وهولندا، لتحديد مقرّ المحكمة.
الخطوات المقبلة
يُتوقّع أن تنهي بعثة الأمم المتحدة، برئاسة ميشال، جولتها في هولندا خلال الأسبوعين المقبلين، ثمّ تعود إلى نيويورك حيث انطلقت عملية درس ملفات القضاة الدوليين المرشحين للانضمام إلى هيئة المحكمة أو إلى محكمة الاستئناف. ويجري العمل حالياً بكثافة على دراسة ملفات المرشّحين إلى منصب المدعي العام الدولي وقاضي ما قبل المحاكمة، وسينطلق عمل هؤلاء قبل انعقاد المحكمة.
إذا استمرّ العمل بهذا النشاط، فقد ينطلق عمل المحكمة في الربيع المقبل أو مطلع الصيف حدّاً أقصى. فعلى المدعي العام الدولي وقاضي ما قبل المحاكمة، بعد تعيينهما، دراسة تفاصيل الملفات التي سترسلها إليهم لجنة التحقيق الدولية والقضاء اللبناني.