البقاع - نقولا أبو رجيلي
«وُلدتُ هنا وسأموت هنا مهما حصل. ولا يخطر على بالي أن أترك الأرض التي دَفنتُ فيها والديّ اللذين استشهدا في قصف الطائرات الإسرائيلية للمنطقة خلال حرب تموز 2006». يقول بصراوي موسى هذا الكلام، في ظل وفيء خيمة الخيش التي يعيش فيها مع زوجته في منطقة دير زنون الواقعة بين بلدتي بر الياس وعنجر (قضاء زحلة)، رغم شكواه الدائمة من تعرّضه لمضايقات رجال الأمن اللبنانيين بسبب عدم حيازته أوراقاً ثبوتية.
فبصراوي (25 عاماً) من النَّوَر الرّحّل الذين ورثوا عن أجدادهم التنقل بين جميع بلدان المشرق العربي من دون جوازات سفر أو وثائق تثبت الهوية. وفي التاريخ أن معظم مجموعات النّور رفضت على مر السنين الاستقرار في مكان ثابت، رغم عرض بعض الدول العربية تخصيص أمكنة لهم تمكِّنهم من العيش من دون ترحال. وفي منتصف الخمسينيات من القرن الماضي منحت بعض البلدان العربية هويتها للنَّور الرُّحَّل الموجودين على أراضيها. وفي لبنان، نال عدد كبير منهم الهوية اللبنانية بناءً على مرسوم التجنيس الصادر عام 1994، ولا يزال القسم الأكبر منهم يعيش في الخيم، وخاصة في منطقة البقاع الأوسط.
من جهة أخرى، فإن مكتومي القيد أو من لا يحملون وثائق رسمية، يشكون بشكل دائم أسلوب تعاطي أجهزة الأمن اللبنانية. فعلى سبيل المثال، يقول بصراوي إنه لكثرة التوقيفات، أصبح معروفاً لدى معظم رجال الأمن في المنطقة. ويضيف: «كنت أتعرّض للضرب والإهانة في كل مرة يُحقّق فيها معي، ولم يكن يُخلى سبيلي إلا بعد حضور أشخاص من بلدة بر الياس للتعريف عني، لكوني أعيش بينهم منذ 13 عاماً. أما أحمد صطوف (22 عاماً) الذي يسكن في المحلة نفسها، ورغم دخوله إلى لبنان بصورة شرعية بموجب هوية سورية، إلا أنه يشكو تعرّضه «للإهانة» مرات عدة، لكونه «نوري» يعمل في مسح الأحذية. يقول أحمد إن ما يجبره على تحمل هذه الإساءات هو سعيه الدائم لتأمين لقمة العيش. ويضيف مستغرباً: «لا أعرف لماذا يعاملونني بقسوة، مع أنني لا أقوم بأي أعمال مخلة بالأمن». هنا، تتدخل امرأة من النَّور في الستين من عمرها، تقول إنها تحمل الجنسية اللبنانية وترفض الكشف عن اسمها لتشيد بالسلطات اللبنانية «التي تساعدنا بكل ما نحتاجه من أوراق ثبوتية، كما أنّه لا أحد من عناصر الأمن تعرّض لنا بأي إهانة، معارضة بذلك ما قاله بصراوي وأحمد.
ورغم اختلاف أوضاعهم القانونية وأسلوب تعامل الأجهزة الأمنية معهم، يبقى أن أبناء هذا الشعب الذي يحمل إرثاً ثقافياً متجذّراً في منطقة المشرق العربي يحتاجون إلى إيجاد حل قانوني يضمن لهم العيش الكريم، والابتعاد قدر الإمكان عن تعرضهم للإهانات، وعدم إشعارهم بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية (أو ما دون ذلك). فحالياً، يعاني العدد الأكبر من النَّوَر مشاكل مع الأجهزة الأمنية اللبنانية، لعدم حيازة الجزء الأكبر منهم الوثائق الثبوتية، في حين أن حيازة أوراق تعريف صادرة عن مختار المحلة التي يقطنون فيها قد تكون خطوة أولى في سُلّم إثبات الهوية. مصدر أمني أوضح «للأخبار» أنه «في حال توقيف أحد الذين لا يحملون أي أوراق ثبوتية، فإن القوى الأمنية تبعدهم عن الأراضي اللبنانية عبر المراكز الحدودية البرية، بناءً على إشارة القضاء المختص». يضيف: «لكن السلطات السورية ترفض تستلم أي شخص لا يحمل مستنداً رسمياً، بما فيهم النور الرحل والذين يحملون بطاقات تعريف مصادقة من المختار. لذلك، يعمد هؤلاء إلى معاودة الدخول إلى لبنان بأساليبهم الخاصة».
بدوره، ذكر مصدر في قوى الأمن الداخلي لـ«الأخبار» أن دوريات الأمن الداخلي لا توقف حاملي بطاقات التعريف الصادرة عن المخاتير، إلا في حال مخالفتهم للقانون. وفي هذه الحالة، يتم استيضاح المخاتير منظمي هذه البطاقات شفهياً، إذا كانت المخالفة عادية. أما من يُتهمون بارتكاب جنح أو جنايات، فيجري استماع إفادة المختار وتوقيعه على محضر التحقيق، ثم يحالون على القضاء المختص.
ومن جهته أكّد مختار بلدة بر الياس، محمد الجمّال لـ«الأخبار» أنه حالياً لا ينظم أي مستند للنور، بناءً على توجيهات السلطات الإدارية. وذكر أنه كان سابقاً يقوم بتنظيم بطاقات تعريف لأشخاص يقيمون في المنطقة، بعد إحضارهم لشاهدين لبنانيين يثبتان شخصية طالب البطاقة ومحل إقامته، فيما يقتصر دور المختار على المصادقة على توقيع الشاهدين، ووضع صورة شمسية على الأنموذج، وتوقيعها ومهرها والبطاقة بالخاتم الرسمي، بعد احتفاظه بصور شمسية لصاحب العلاقة، ونسخة عن المستند لإبرازها عند اللزوم.