إبراهيم الأمين
تدرس المعارضة خطوات فريق الأكثرية بقليل من التوتر. هذه المرة يبدو التوتر أكبر على تصرفات فريق 14 آذار وخصوصاً على القادة غير الراغبين في حلّ مؤقت أو دائم، ويرون فيه ما يناقض مصلحتهم في مزيد من الشحن الذي يغذي ما تفترضه عصبيتهم الطائفية أو المذهبية. ومع ذلك، فإن هدوء المعارضة وقلة كلامها عن الخطوات المقابلة لخطوة انتخاب رئيس من طرف واحد، لا يعنيان أنها ليست بوارد خطوات نوعية. وإذا كان خروجها من الحكومة واعتصامها في وسط بيروت قد شلّا حركة الحكومة وجعلاها حكومة غير قادرة على الحكم، فإن الخطوات التي يمكن أن تلجأ إليها سوف تتيح تقاسم السلطة مع الفريق الحاكم، وربما دفع الأمور باتجاه إلزام الطرف الآخر ومن يدعمه في الخارج العودة الى التسوية التي تتيح شراكة منطقية وعادلة بين الطرفين.
وبحسب قادة بارزين في فريق المعارضة فإن التوتر القائم في خطاب قادة الأكثرية ولا سيما النائب وليد جنبلاط وقائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع، يدلّ على أن هناك خشية جدية من عدم نجاح الضغوط في توفير نصاب الثلثين للجلسة الأولى، وأن هذه الخشية تتناول الآن احتمال عدم توافر نصاب النصف زائداً واحداً، الأمر الذي رفع من منسوب التواصل مع النواب المعترضين والسعي الى تأجيل بت ترشيحات 14 آذار الى اليوم الأخير حتى لا يكون الأمر مدخلاً لانفجار يطيح التماسك الضعيف أصلاً لهذه القوى. وتسعى هذه القوى الى الاستفادة أكثر من الموقفين الأميركي والسعودي بغية الحصول على إجماع كلّ نواب 14 آذار على أي خطوة أُحادية.
وحسب المصادر نفسها فإن الحديث يدور هنا عن فريق نيابي يضم خمسة من المرشحين المعلنين وغير المعلنين للرئاسة من صفوف 14 آذار الى جانب نواب ليسوا دائماًَ في واجهة الصفوف، إضافةً الى نواب التكتل الطرابلسي، وإن نجاح هؤلاء في خلق تكتل الوسط كما يفترض أحدهم سوف يمنع قيام نصاب الثلثين من دون توافق، كما سيمنع نصاب الـ65 نائباً، وهذا ما دفع ببعض أركان فريق 14 آذار الى البحث عن فتوى تقول إنه إذا لم يتأمّن الانتخاب في الجلسة الأولى من نصاب الثلثين فإنه يمكن اللجوء الى نصاب النصف زائداً واحداً. وإذا تعذّر ذلك يمكن اللجوء الى انتخاب رئيس بمن حضر من النواب. وهي الخطوة الأكثر خطورةً، والتي يقول المنطق والعقل إنها لن تحصل.
لكن ماذا إذا حصلت؟
بحسب قادة المعارضة فإن خياراتهم متنوّعة، بينها ما هو استباقي ويمكن حصره في خيار الحكومة الثانية قبل أن يحين موعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، بحيث تتسلّم هذه الحكومة الحكم. وإذا لم تكن هذه الخطوة كافية أو حوصرت بخطوات سياسية ومواقف دبلوماسية، فإن لجوء فريق الحكم الى خطوة انتخاب رئيس بالنصف زائداً واحداً، سوف يوجب على المعارضة اتخاذ الخطوات التي تحول دون وصول الرئيس المنتخب من فريق الأكثرية الى القصر الجمهوري، والقيام باحتجاجات متنوّعة بينها الشعبي من أجل منع الفريق الآخر من الإمساك بإدارات الدولة. أما إذا لجأ فريق الحكم الى انتخاب رئيس بمن حضر من النواب، فإن المعارضة لا تستبعد الاستفادة من هذه السابقة وتكرار الأمر وانتخاب العماد ميشال عون في جلسة تعقد بمن حضر من النواب. وبالتالي توفير قاعدة تشريعية وسياسية وشعبية لانتخاب رئيس جديد يتم تسليمه القصر الجمهوري من الرئيس الحالي إميل لحود، وبعدها تضع المعارضة نفسها والآخرين أمام مهمة إعادة توحيد البلاد ومؤسسات الدولة، وحفظ القوى المسلحة وتعزيز دورها لمنع أي انفجار أمني في أي مكان من لبنان.
ومع أن قادة كثيرين في فريق المعارضة لا يبدون تفاؤلاً بإمكان حصول اختراقات كبيرة ما لم يحصل تغيير جدي في موقف الولايات المتحدة والسعودية وتحوّله الى عنصر ضغط جدي على فريق 14 آذار، فإن الرئيس نبيه بري يظلّ الوحيد الراغب في إخفاء هذا الإحباط، وهو الذي يعتقد أن الأبواب ستظل مفتوحة ويجب أن تظل مفتوحة حتى اللحظة الأخيرة من أجل التوصل الى تفاهم يجنّب البلاد مأساة الانقسام على مستوى مؤسسات الدولة، وهو الذي أقنع بعض الجهات العربية والدولية بأن ما يُتهم به لجهة إقفال المجلس النيابي كانت له حسنته لناحية عدم تسريع الخطوات الانقسامية، عدا عن أن بري يقول علناً إنه غير متحمّس لخطوات أُحادية حتى من جانب المعارضة، وهو يسعى الى الابتعاد عن السجال الداخلي الذي يعمل جنبلاط وجعجع بقوة من أجل جرّه إليه، إدراكاً منه أن رئاسة المجلس سوف تظل حتى إشعار آخر المكان الوحيد للحوار، وهو أمر يقرّ به أقطاب من فريق 14 آذار من الذين يرفضون الحملات القائمة بمعزل عن موقفهم الضمني من الرئيس بري.
أما لناحية الرئيس لحود، فإن المعارضة تجد الآن وأكثر من أي وقت مضى أن مهمتها المحافظة عليه وعلى دوره بغية ملاءمة الخطوات المقرر اتخاذها مع الخطوات التي يفكر فيها هو، ولا سيما أنه أمام خيارات محدّدة، بعدما تعذّر تأليف حكومة أقطاب مصغّرة برئاسة قائد الجيش العماد ميشال سليمان الذي يبدو أنه لا يريد الإقدام على خطوة تكون محل اعتراض قسم من اللبنانيين، وهو يتسلّح في هذا السياق بموقف البطريرك الماروني نصر الله صفير الذي لم يعد لديه من مخرج سوى خلق مناخ ضاغط على جميع القوى لأجل الاتفاق إمّا على ترشيح سليمان أو اختيار رئيس مدني من خارج فريقي المعارضة والموالاة.
ومع ذلك، فلا أحد في البلاد يشعر بأن الأمور تسير باتجاه التسوية، بل إن هناك الكثير من الاستعدادات لمواجهة ما هو أسوأ، وكان لافتاً أن كثرة الحديث عن تعرض دبلوماسيين عرب لتهديدات إرهابية قد تكون مقدمة لانسحاب دبلوماسي يعكس قلق هذه الدول أو معلوماتها عن احتمال حصول توتر إضافي وتفجير أمني في لبنان.