نهر البارد ــ نزيه الصديق البدّاوي ــ عبد الكافي الصمد

نازحـــو البـــارد يعتصمـــون: نخـــرج مـــن المـــدارس إلى مخيّمنـــا... أو إلى فلسطيـــن!

على الرغم من دخول الاشتباكات في مخيم نهر البارد بين الجيش اللبناني ومسلّحي تنظيم «فتح الإسلام» يومها الأول بعد المئة، فإن أية ملامح لانتهاء العمليات العسكرية وحسم المعركة في الأيام القليلة المقبلة لم تتضح بعد، في ظل استمرار المواجهات على مختلف محاور المربع الأمني الأخير الباقي للمسلحين داخل المخيم.
وتجددت الاشتباكات بقوة في محيط حي سعسع، مترافقة مع قصف مدفعي عنيف استهدف المواقع الأخيرة التي يتحصّن فيها المسلحون، حيث استهدف تحديداً ملجأ أبو عمار، وهو آخر تحصينات فتح الإسلام. ولم يستثن القصف حي سعسع الذي تمكن الجيش من الاستيلاء فيه على مخزن للأسلحة.
في مقابل ذلك، قامت أفواج الهندسة بفك العبوات ونزع الألغام، وقد قامت بحرق عدد من المنازل والأبنية المفخخة، وشوهدت أعمدة النار والدخان الأسود تتصاعد في أجواء المخيم، يضاف إلى ذلك الإطلاق العشوائي لرصاص القنص الذي يقوم به مسلّحو فتح الإسلام، ويطال مراكز الجيش اللبناني في المخيم ومحيطه، ويصل أحياناً ليطال بلدات قضاء عكار القريبة من المخيم.
وسجلت بقية المحاور حصول رمايات مدفعية متقطعة، وتحديداً خلف التعاونية وعند مدخل السوق القديمة، إضافة إلى اشتباكات متقطعة بالأسلحة الرشاشة والمتوسطة دارت وسط المخيم، كما واصلت وحدات الجيش تمشيط الأبنية والمواقع التي سيطرت عليها.
في هذا الوقت توقع مصدر عسكري أن «تنتهي الحرب في مخيم نهر البارد قبل بداية شهر رمضان المبارك في منتصف الشهر المقبل»، لكنه أشار إلى أن «تنظيف المخيم من الألغام والقذائف والأفخاخ سيستغرق وقتاً».
أما بالنسبة للوساطات، فلا جديد بشأن إجلاء حوالى 40 جريحاً من فتح الإسلام، وهذا ما تأكد عبر اتصال أجراه الناطق باسم فتح الإسلام أبو سليم طه مع عضو رابطة علماء فلسطين الشيخ محمد الحاج، وتمنى عليه إحياء المبادرة لنقل الجرحى إلى خارج المخيم.
وأكد الحاج أن «الاتصالات مع تنظيم فتح الإسلام ومع الجيش اللبناني مستمرة لإجلاء جرحى التنظيم، لكنها لم تبلغ بعد وضع آلية لإخراجهم من مخيم نهر البارد»، لافتاً إلى أن «الاتصالات مستمرة مع الجيش اللبناني ومع أبو سليم طه (الناطق باسم فتح الإسلام)، لكن لم نتوصل بعد إلى وضع آلية». ورداً على سؤال عن عدد الجرحى الذين يجري التشاور لإجلائهم قال الحاج: «إلى الآن لم نتلق عدداً».
وفي مخيم البداوي، لم ينتظر نازحو مخيم نهر البارد الموعد الذي ضربته لهم الأونروا يوم أمس، لتعلن رسمياً توقيعها عقود استئجار أراضٍ في جوار المخيم حسبما وعدتهم، بهدف إقامة بيوت مؤقتة لهم فيها، بانتظار إعادة إعمار المخيم وعودتهم إليه، بل استبقوا ذلك بخطوة تصعيدية «مدروسة» من خلال الاعتصام الذي نفذوه في باحة مدرسة الناصرة، وسط إجراءات أمنية «ملحوظة» قامت بها القوة الأمنية المشتركة، من أجل منع خروج تظاهرات أو مسيرات خارج نطاق المدرسة أو المخيم، خشية وقوع مشاكل كما حصل في السابق.
فعلى وقع الأناشيد والأغاني التي تمجّد مخيم نهر البارد، ووسط صور الرئيس الراحل ياسر عرفات، وصورة للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله كُتب تحتها: «السلام عليك يا أصدق الرجال في هذا الزمان»، وفي ظل الأعلام الفلسطينية واللبنانية، بدأ الاعتصام الذي رُفعت فيه لافتات عديدة كُتب على بعضها: «لن نخلي المدارس إلا إلى فلسطين أو إلى تخوم مخيم نهر البارد»، و«نطالب الأونروا بإيجاد حل مناسب لموضوع المدارس المؤقتة أو استئجار مدارس بديلة»، و«نريد العودة إلى مخيمنا فور توقف المعارك، والسكن فوق ركام
منازلنا».
ألقيت في الاعتصام كلمة واحدة جرى الاتفاق عليها مسبقاً، تلاها أمين سر اللجان الشعبية في مخيم نهر البارد لطفي الحاج أحمد، الذي لفت إلى أنه تسلم عرائض كثيرة من نازحين مقيمين في المدارس، أوضحوا فيها أنهم لن يخرجوا منها إلا إلى مخيمهم، مشيراً إلى أن «وزير التربية اللبناني لم تصدر منه كلمة واحدة تدعو النازحين إلى إخلاء المدارس»، داعياً «من يأتي من الزواريب لتحريض النازحين في هذا الموضوع إلى التوقف عن ذلك، لأنه أمر معيب»، مهدداً «من يستمر منهم بذلك سنقوم بشرشحته في العلن في المرة المقبلة».
وأوضح الحاج أحمد أنه جرت «مطالبة الأونروا بإلغاء عقود استئجار عقارات في جوار مخيم البداوي، عدا عن مطالبتنا بالعودة إلى الجزء الجديد من مخيم نهر البارد عند أول فرصة، وتقديم تعويضات إلى النازحين الذين تضررت منازلهم ومحالّهم وممتلكاتهم»، مشيراً إلى أن «صور الآباء والأجداد قد سرقت من بعض منازل مخيم نهر البارد».
ووجه النازحون بعد اعتصامهم ثلاثة كتب مفتوحة إلى كل من رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، والمدير العام للأونروا في لبنان ريتشارد كوك، والأمناء العامين لفصائل المقاومة الوطنية والإسلامية. وجاء في الكتابين الأول والثاني تأكيد النازحين تمسكهم «بحق العودة إلى مخيم نهر البارد لأنه عنوان نضالنا من أجل العودة إلى فلسطين، مع تأكيدنا رفض كل أشكال التوطين والتهجير، وعلى حق أبنائنا في التعليم وإنجاز العام الدراسي، بنفس إصرارنا على حقنا في العودة إلى مخيم نهر البارد، وعلى الأونروا تقع مسؤولية إيجاد أمكنة أو مدارس بما يضمن استئناف العام الدراسي 2007 / 2008».
وطالب الكتاب بـ«الإسراع في توزيع الهبات المالية التي قدمت من دولتي الكويت والإمارات، ودول الاتحاد الأوروبي، نظراً للظروف الإنسانية الصعبة التي يمر بها النازحون».
أما الكتاب الثالث الموجه إلى الأمناء العامين لفصائل المقاومة الوطنية والإسلامية، فقد أكد النازحون فيه «حقنا بالعودة إلى مخيم نهر البارد، لأنه عنوان نضالنا من أجل العودة إلى فلسطين، والمطالبة بتحمل المسؤوليات الوطنية تجاه أبناء مخيم نهر البارد المنكوبين، تعبيراً عن التزامكم قضيتنا الأم فلسطين».