بعلبك ــ عُبادة كسر
كشف وزير الثقافة الدكتور طارق متري عن مشروع بناء مكتبة وطنية في بعلبك تضم محتويات مكتبة الراحل عبده مرتضى الحسيني الذي توفي وفي قلبه غصة بأن مقتنيات مكتبته لن تكون في مكتبة عامة باسمه في بعلبك. ولفت متري إلى «أنه يحاول منذ سنتين تحقيق حلم الراحل إلى أن تبرعت المملكة العربية السعودية بإعمار ما تهدم نتيجة العدوان الإسرائيلي وبناء مكتبة عامة تضم مقتنيات مكتبة «السيد (لقب) الحسيني»، واعداً بتنفيذ المشروع قريباً.
وعد وزير الثقافة جاء خلال توقيعه اتفاق تعاون مع 22 مكتبة عامة، لتصبح هذه المكتبات ضمن سلسلة المكتبات الشريكة مع وزارة الثقافة. وتحدث متري عن إطلاق حملة وطنية في العام الماضي والحالي تحت شعار «بلد يقرأ، بلد يعيش». ولفت إلى أن المطلوب من الجميع إنجاح مشروع عام 2009 الرامي إلى جعل بيروت «عاصمة دولية للكتاب». ووعد بزيارة كل المكتبات الشريكة.
وكان الرجل التسعيني قد رحل وهو قلق على مصير ما جناه خلال عمره، إذ كان يرعى مكتبته كأحد أبنائه فترعرعت حتى شبّت وبلغت أكثر من مليون كتاب. عشش تعب السنين في جسد الرجل الذي حلم بأن تصير مكتبته مكتبة عامة في مدينة الشمس ومقصداً يحتضن كل فعاليات بعلبك الفكرية والثقافية والسياسية والأهلية. وقد وضع الحسيني حجر الأساس لمكتبته وهو في السابعة من العمر يوم حمل مصروفه وراح يشتري الكتاب. أول مجموعة كتب اشتراها كانت تركية على رغم أنّه لم يُجِد اللغة التركية، وأقدم كتاب في مكتبته طُبع منذ أكثر من 300 سنة وهو كتاب هندسة بناء باللغة الفرنسية. أما أحدث ما لديه فهو مجلات مصرية. ملازمة «السيد»، كما ناداه أهالي بعلبك، الفراش منعته من اللقاء اليومي لمكتبته، وفي فترة العدوان الإسرائيلي الأخير صار ابنه جهاد يحمل إليه بعض الكتب لـ«يفلفشها» ويحاول قراءة بعض المقاطع، ويطمئنه إلى أن مكتبته لا تزال بخير. كان الحسيني يغمض عينيه ويستعيد حلمه القديم نفسه وهو أن تتحول مكتبته إلى مكتبة عامة وتبقى صامدة في بعلبك. استيقظ الحلم مراراً لكنّه اليوم يغفو في قيلولة أبدية. لقد تخطت الوعود بأن تتحول مكتبته إلى مكتبة عامة عددَ صفحات كتب أكبر مكتبة خاصة في الشرق الأوسط. هوى جاحظ بعلبك ورحل وبقيت المكتبة على حالها تئن من خوائها وتستغيث وتستجدي القرّاء والمهتمين. فهل ستبصر النور من جديد بعدما أثقلتها الوعود الزائفة، وهل ستصبح مكتبة وطنية عامة تغني بعلبك بتراث آخر يحمل اسم أحد أبنائها «مكتبة عبده مرتضى الحسيني»؟
يؤكد رئيس بلدية بعلبك بسام رعد أنّ التعاون قائم بين وزارة الثقافة وبلدية بعلبك لإنشاء مكتبة عامة في بعلبك منذ أن زار الوزير المختص المدينة وجرى البحث في إقامة المشروع، غير أن البلدية طلبت، بعد اجتزاء المشروع واقتصاره على المكتبة العامة فقط، إنشاء قصر ثقافي في المدينة يشمل المكتبة وقاعات كمبيوتر للتدريب والإنترنت وقاعات للمؤتمرات والمحاضرات العلمية وورش العمل. من جهتها، طلبت الوزارة أن تقدم البلدية الأرض (العقار). وهنا يقول رعد: «قدّمنا العقار ونرحب بمشروع المكتبة العامة ونحن على استعداد لتلبية ما يطلب منا، على رغم أننا طالبنا بالقصر الثقافي، لكننا لن نيأس وسنقوم بالتواصل مع الوزارة لمتابعة القصر».
ووصفت أسرة الراحل عبده مرتضى الحسيني قرار وزير الثقافة بالبشرى السارة، متمنية أن يترجم القرار بالتطبيق الفعلي وبأن يطلق اسم الوالد على المكتبة العامة كما كان يحلم. ويشير جهاد مرتضى الحسيني إلى أنّه لم يتصل بنا أحد من وزارة الثقافة أو من بلدية بعلبك في ما يتعلق بشأن تحويل مكتبة الوالد إلى مكتبة عامة، وسيبادر إلى الاتصال بالجهات المختصة لأنه لن يترك فرصة كهذه تفوتهم، متمنياً أن يبصر القرار النور ويوضع حيز التنفيذ بما يلائم ما أراده الراحل، وأن يكون بعكس الوعود السابقة التي بنت عليها عائلة «السيد» آمالاً كبيرة، لكنها خابت.