إبراهيم الأمين
هل لا يزال هناك من يعمل على إقحام السلاح الفلسطيني في اللعبة الداخلية اللبنانية؟
منذ اندلاع معارك نهر البارد، برز تفاهم وتطابق لا سابق له بين فريقي الحكم في لبنان والسلطة الفلسطينية على ضرورة الحسم العسكري الشامل. ورفض الطرفان أيّ نوع من المعالجات غير الأمنية التي تقع تحت عنوان الاستئصال. كما اتفقا على أن سوريا هي الراعية لمجموعات فتح ـــــ الإسلام، وأن الفلسطينيين واللبنانيين ليسوا على علاقة بالأمر. ثم ما لبث أن تطور التفاهم بين الجانبين إلى مستوى البحث في إمكان قيام قوة فلسطينية من حركة فتح ـــــ السلطة، لتتولى هي حسم المعركة من داخل المخيم، بالتنسيق مع القوى الأمنية اللبنانية. وحصلت عمليات تجنيد سريعة لعشرات المقاتلين من مخيمي الرشيدية وعين الحلوة، ونقل قسم منهم إلى مخيّم البداوي بهدف الاستعداد للقيام بهذه المهمة، فيما بوشرت عمليات تدريب لعشرات المقاتلين الآخرين في هذين المخيّمين، فيما كانت الأموال تصل فجأة إلى قيادة فتح ـــــ السلطة وتوزَّع المساعدات بسرعة على عائلات عناصر من هذا الفريق، كذلك العمل أيضاً على فتح قنوات تنسيق واسعة مع فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، مقابل تراجع آلية التنسيق مع مديرية المخابرات في الجيش اللبناني.
وبرغم كل التباين الشكلي أو الضمني بين قيادات هذه الجهة الفلسطينية، إلا أن العقبات بدت من أمكنة أخرى، إذ رفض كوادر كثر في فتح المشاركة في حملة عسكرية من شأنها فتح حرب أهلية فلسطينية ـــــ فلسطينية، وترافق ذلك مع سيل من المعلومات عن أن عناصر فتح الإسلام هم في غالبيتهم الساحقة من اللبنانيين، ومعهم العشرات من المواطنين العرب الذين سبق لهم أن شاركوا في أعمال عسكرية في العراق وأفغانستان، وهم من جنسيات سورية وسعودية وأردنية ويمنية، ومن دول أخرى، وإن عدد الفلسطينيين محدود قياساً إلى ما كان الكثيرون يعتقدون. كذلك برزت اعتراضات من لجان أهلية وشعبية، وترافقت مع ضغط قامت به قوى فلسطينية معارضة لفتح ـــــ السلطة، حتى حسم الجيش اللبناني الأمر بإعلانه توليه الأمر بنفسه من جهة، وبرفضه قيام أي تشكيل فلسطيني مسلح لا يضم جميع الفصائل الفلسطينية ولا يكون بقيادة فتح ـــــ السلطة، وصولاً إلى التثبت من أن الفريق القادر على إدارة مفاوضات عملياتية داخل المخيم هو رجال الدين الذين لا تربطهم علاقات ود كثيرة بفتح ـــــ السلطة.
في هذه الأثناء، كان هناك من يعمل على نقل المشكلة إلى مخيمات أخرى، وسارعت قوى بارزة في فريق الأكثرية إلى الضغط على الجيش وعلى قوى أمنية أخرى للقيام بما سمّاه النائب وليد جنبلاط «عمليات استباقية» ضد مجموعات من الجبهة الشعبية ـــــ القيادة العامة ومن فتح ـــــ الانتفاضة في الناعمة وفي البقاع الغربي، وأن يكون الأمر على شكل حملة عسكرية ساحقة تنهي وجود هؤلاء في هذه الأمكنة. وإزاء رفض الجيش التوسع في هذه اللعبة التي اكتشف سريعاً أنها فخ مدبر في وضح النهار، لا في ليل، سعت القوى المؤثرة في 14 آذار إلى تكثيف الحملات الإعلامية على هذه المجموعات وجعلتها خبراً يسبق أخبار نهر البارد، وترافق ذلك مع سعي إلى اختلاق مشكلات في هذه المناطق بقصد فرض واقع توتر أمني يجبر الجيش على القيام بعمل عسكري. لكن الذي حصل أن هناك من كان يعمل على توفير تفاهمات من النوع الذي يريح الجيش من جهة، ويجنّب هذه المناطق مواجهات إضافية، ما دفع بالفريق نفسه، بالتعاون مع جهات فلسطينية، إلى نقل الجهد باتجاه مخيم عين الحلوة، وذلك بقصد القيام بالأمر نفسه، وعلى خلفية أن أي انفجار عسكري سوف يفرض وقائع سياسية وأمنية داخلية. وكان في بال قادة في 14 آذار أن ذلك سوف يمكنهم من وضع اليد على وضع متفجر كهذا واستخدامه مرة جديدة في اللعبة الداخلية وبوجه المقاومة على وجه التحديد. وحصلت المداخلات غير المسبوقة التي نزعت فتيل الانفجار الكبير، وقدمت قوى 14 آذار تنازلات كبيرة، منها تبرئة عصبة الأنصار من أي تهم بأعمال تخريبية أو إرهابية مخالفة للقانون، وجرى ذلك تحت ستار من القصف الإعلامي حول ضرورة القيام بعمل من النوع الذي يضفي المزيد من الغموض على علاقة بعض أطراف السلطة مع مجموعات مثل جند الشام، التي أُعلن حلها من دون ترجمة الأمر عملياً، حتى أظهرت التحقيقات الجارية في ملف الهجوم على وحدات من قوات اليونيفيل جنوباً تورّط عناصر من هذه المجموعة فيها، علماً بأن النقاش الدائم حول وجود هؤلاء اتصل بالكثير من المعلومات عن تلقي عناصر جند الشام دعماً مالياً من تيار «المستقبل»، وهو الأمر الذي يبرره بعض قيادات صيدا السياسية والدينية بأنه كان نوعاً من الإسهام في إيجاد حلول لأوضاع اجتماعية صعبة تعيشها عائلات أفراد هذه المجموعة، وكان لهذه الأوضاع التأثير الكبير في قيام هذه المجموعة وتلقيها الدعم والسلاح من مجموعات أخرى في لبنان وخارجه.
في هذه الأثناء، كانت القوى الأمنية اللبنانية تعيش اللاانسجام نفسه في متابعة وضع التسلح الفلسطيني خارج المخيمات، ليتبيّن بعد بعض الوقت أن بعض الشبان اللبنانيين من أبناء محلة الناعمة قد تلقوا تدريبات عسكرية في مخيم الرشيدية، وأن بعض هؤلاء حصلوا على أسلحة فردية نُقلت بطريقة مغطاة من خلال مواكب لقيادات لا تخضع عادة للتفتيش. وترافق ذلك مع تعاظم الشكوك لدى مديرية المخابرات في الجيش اللبناني حول عمليات تهريب السلاح من المخيمات باتجاه بعض أحياء العاصمة أو بعض التجمعات الفلسطينية القريبة من العاصمة والضاحية الجنوبية، ثم بدا لهذه المديرية كما لقوى نافذة في المنطقة أن قيادة فتح ـــــ السلطة وكوادر فيها، بما في ذلك قيادتها السياسية تعمل بتنسيق متنامٍ مع تيار «المستقبل» ومع فرع المعلومات في قوى الامن، حتى حصل أخيراً أن الجيش كان ينتظر تسليمه مطلوباً من مخيم الرشيدية، ليتبيّن لاحقاً أن المسؤول الفلسطيني سلطان أبو العينين سلمه لفرع المعلومات، وذلك خلافاً للاتفاق مع الجيش.
ولما عمدت عناصر الجيش اللبناني قبل مدة إلى توقيف موكب أبو العينين وتجريده من السلاح ومنعه من مغادرة المخيم مع أسلحة، خرج النقاش إلى العلن، وتلقت جماعات فلسطينية مؤثرة داخل كل المخيمات تحذيرات من رغبة لدى بعض قيادات فتح ـــــ السلطة وبعض العواصم العربية في توريط المخيمات الفلسطينية في الأمور الداخلية اللبنانية، وكذلك التحذير من اللعب على التناقضات أو اللاانسجام التام بين الأجهزة اللبنانية، الأمر الذي يشير إلى احتمال حصول تطورات من النوع الذي يقفل هذا الملف، حتى لا يتحول البديل إلى انفجار سيُحصر في نهاية الأمر داخل المخيمات، لا خارجها بخلاف ما يرغب كثيرون من قوى السلطة في لبنان والخارج.