لم تكن عودة «المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى» إلى مركزه القديم في الحازمية، بعد 37 عاماً من مغادرته، مجرّد «صدفة» خالية من الدلالات. فالعودة إلى ذاك «الصرح الوطني اللبناني الذي يجمع في أحضانه كل الطوائف اللبنانية»، على حدّ تعبير نائب رئيس المجلس الشيخ عبد الأمير قبلان، حمل دلالتين في الشكل والمضمون.فمن حيث الشكل، يختصر وجود المركز في منطقة الحازمية «الهمّ» الذي ساور الإمام المغيّب موسى الصدر، وعمل على تبديده من خلال تحديد المكان الذي يؤمّن «الإجماع الوطني، والاهتمام بكل المواطنين»، وفق تعبير قبلان. ولذلك، كانت العودة إلى المركز القديم، بعدما اقتضت ظروف الحرب الأهلية إخلاءه لسنوات طوال، متزامنة مع الذكرى الـ29 لتغييب الإمام الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والإعلامي عباس بدر الدينومن حيث المضمون، شدّد «العائدون» على ضرورة ألا تتخذ عودتهم أي شكل من أشكال التحدّي، بل «جمع الكلمة ورأب الصدع»، كما أوضح قبلان، وذلك ترجمة للمبدأ الذي أرسى مفهومه الإمام المغيّب عند شرائه المركز، لا سيما أن «ذاكرة المكان» لا تزال تحتفظ بمشهد جمع الإمام الصدر و77 مثقفاً لبنانياً للتحاور والتشاور لحلّ الأزمات التي عصفت بلبنان في السبعينيات.
وكان استهلال العودة قد توّج، أمس، بجلسة عقدها المجلس بهيئتيه الشرعية والتنفيذية، برئاسة الشيخ قبلان الذي أكّد أن تغييب الإمام الصدر ورفيقيه «كان إحدى أخطر المؤامرات التي تعرّض لها لبنان».
وفي بيان أصدره إثر الجلسة، كرّر المجلس إدانته للنظام الليبي لـ«ارتكابه جريمة الإخفاء»، وأبدى أسفه لكون الجهات الرسمية اللبنانية المسؤولة «تخلّفت عن القيام بما يجب عليها» حيال هذه القضية التي تعدّ «أهم قضية وطنية وإنسانية، ومعياراً أساسياً في وطنية من يتصدّون للشأن العام»، داعياً القادة العرب و«منظمة المؤتمر الإسلامي» والمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية، لـ«تحمّل مسؤولياتهم في كشف الحقيقة الكاملة لهذه الجريمة الإرهابية».
وإذ أكد ضرورة «الالتزام بالثوابت الوطنية واتفاق الطائف والعيش المشترك والشراكة الوطنية، في تحمّل مسؤوليات الحكم»، شدّد على أهمية «نبذ أساليب التفرقة والتخوين، وسياسة العزل والاستئثار والتفرّد بالحكم»، داعياً الفريق الحاكم إلى «تحمّل مسؤولياته التاريخية في مقاربة الاستحقاقات الدستورية، ولا سيما استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية، وذلك بالتخلّي عن الخيارات التي تؤدّي إلى التقسيم والفتنة الداخلية، بشكل مباشر أو غير مباشر، كالدعوة إلى انتخاب رئيس للجمهورية بالنصف زائداً واحداً».كما أكّد دعمه للمؤسسة العسكرية التي تعدّ «إحدى الضمانات الأساسية لوحدة البلاد، ومواجهة عوامل الفتن وقوى التآمر والتفتيت»، مهيباً بالجميع «التزام الحذر من زجّ الجيش في المآزق والفخاخ التي لن يستفيد منها إلا أعداء لبنان».
وفي إطار آخر، ترافقت عودة المجلس إلى مركزه القديم مع تكريم أمين سرّه عبد الله موسى، برعاية الشيخ قبلان، في حضور ممثل رئيس الجمهورية العماد إميل لحود الوزير السابق وديع الخازن، والوزير السابق ناجي البستاني، وأعضاء الهيئتين الشرعية والتنفيذية.
وبعدما قلّد الخازن موسى وسام الأرز الوطني من رتبة فارس، باسم رئيس الجمهورية، ألقى قبلان كلمة من وحي المناسبة، أشار فيها إلى أن الرئيس لحود شكر له العودة إلى الحازمية.
بدوره، نوّه مفتي البقاع الشيخ خليل شقير بـ«مناقبية» موسى، شاكراً لرئيس الجمهورية «بادرته الطيّبة».
واستذكر المكرّم موسى الإمام الصدر الذي «أخفته جريمة دولة إرهابية منظّمة، طالت رمزاً من رموز الوحدة الوطنية في لبنان، وإمام المقاومة وصوت المستضعفين الذين لا صوت لهم»، مؤكّداً أن «العيش الإسلامي ـــــ المسيحي ثروة وطنية يجب التمسّك بها».
(الأخبار)