غسان سعود
مؤتمرات وبيانات وجبهتان مشتعلتان فيما المغتربون وهمومهم أبرز الغائبين

لم يسمع معظم المغتربين الذين يزورون لبنان هذه الأيام بالجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، ويقول بعضهم إنهم لم يروا أثراً لهذه الجامعة طوال عقود، حتى حين تعرضت حقوقهم لانتهاكات مختلفة. فيما يجمع المغتربون على تفاجئهم أخيراً بأنه بدل الجامعة، لديهم جامعتان وثلاث ربما، مستغربين أن يطال الانقسام السياسي هذا الجسم التمثيلي المفترض للمغتربين اللبنانيين، فيما معظم النوادي والهيئات الاغترابية الصغيرة تضم أشخاصاً من مختلف الانتماءات السياسية يعملون بشكل متجانس مؤمّنين للمغتربين احتياجاتهم دون التمييز بين هذا المغترب وذاك على أساس الانتماء.
وبصراحة، يقول أحد المغتربين إنه ومعظم معارفه خارج لبنان لا يعلمون تفاصيل الخلاف داخل ما يسمى «الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم» أكثر مما سمعوه عبر الإعلام ولم يفهموا منه شيئاً. ويؤكد أن الفريقين المتنازعين لا يمثّلان من الاغتراب إلا نفسيهما، و«الأدلة على إنجازاتهما العظيمة تبدأ في موقع الجامعة الإلكتروني، وجدول نشاطاتهما الموجّهة بعناية فائقة لتعزيز الروابط بين المغترب ووطنه من تكريم المبدعين (للمرة المئة ربما) عند هذا الفريق إلى رفض المهادنة والحوار في فرض تطبيق القرار 1559 عند الفريق الآخر».
ويبدي مغترب آخر شارك في اجتماعات إحدى لجان الجامعة تفاجؤه بما سمعه، وبما نوقش خلال الاجتماع من استراتيجية لبنان الدفاعية إلى موقف المغتربين (الذين لا يحق لهم الاقتراع بعد) من تهريب المازوت عبر الحدود اللبنانيّة – السوريّة.
وبسخرية يقول إن الاجتماع كان أشبه بالجلوس في متحف جمعت فيه نماذج عن ممثلين «للغباء اللبناني» بمختلف أشكاله.
علماًَ أن السجال الذي خرج إلى العلن أخيراً، بالتزامن مع محاولة وزير الخارجية والمغتربين فوزي صلوخ العودة إلى قصر بسترس للحد من خسائر المعارضة في الدبلوماسية الخارجيّة ليس ابن اليوم، وجذوره أقدم بكثير من المعارضة الحالية والموالاة. فيما بدا واضحاً، بحسب المتابعين، أن المواجهة الأولى بين الفريقين المتصارعين انتهت بتقدم واضح للفريق الاغترابي المقرب من بعض أطراف 14 آذار، حيث انتزع هذا الفريق الذي يرأسه إيلي حاكمة (ولم يمض على انطلاقته ثلاثة أشهر) مساحة اعلامية وسياسية مهمة، دفعت بالفريق الثاني الذي يرأسه أحمد ناصر إلى الاستيقاظ من اطمئنانه إلى وضعه والبدء بخطوات عملية تعزز حضوره محلياً واغترابياً.
وفي التفاصيل، لا يفصل المتابعون المشكلة المستجدة عن الاتفاق الرباعي الذي استوعب أضداداً واستثنى أصدقاء. فالتقى في 28/7/2005 بعد ثلاثة أشهر على انسحاب السوريين و«سقوط الجهاز الأمني اللبناني – السوري» مغتربين من مختلف أنحاء العالم في قصر اليونسكو بحضور ممثلين عن الرؤساء الثلاثة ومراقبين من وزارتي «الداخلية» و «المغتربين» سجلوا محاضر بانتخاب أحمد ناصر رئيساً للجامعة (بالإجماع) وهيئة إدارية جديدة تمثل فيها بطريقة غير مباشرة تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وحركة أمل وحزب الله. وفيما كان بعض النواب (يتقدمهم النائب نعمة الله أبي نصر) يحاولون عبثاً تصحيح الخلل التمثيلي، تقدم المحامي جوزف نجم بصفته عضواً دائماً في المجلس العالمي للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم بدعوى ضد الجامعة يطالب فيها بإبطال مقررات مؤتمري الجامعة الحادي عشر والثاني عشر وعدم الاعتراف بكل ما صدر عن المجتمعين حتى «ما سمي انتخابات الهيئة الإدارية». واستند المدعي في طلبه هذا على مخالفة المؤتمرين لشروط توجيه الدعوات. وفي 28/5/2007 صدر قرار الغرفة الابتدائية الأولى في بيروت وفيه رد الدفع بعدم الاختصاص وانتفاء الصفة ومرور الزمن وطلب إدخال وزارتي الداخلية والمغتربين في المحاكمة، وإعلان بطلان المؤتمرين الحادي عشر والثاني عشر، وتضمين المدعى عليها الرسوم والنفقات القانونية كلّها.
واللافت أن هذا القرار صدر بعد ثلاثة أيام فقط من اجتماع مجموعة مغتربين غير تلك التي اجتمعت في بيروت، في مدينة سان باولو ـــــ البرازيلية في غياب أي ممثلين رسميين للدولة اللبنانية باستثناء سفير لبنان في البرازيل الذي أوضح لاحقاً أن حضوره لم يكن بصفة رسميّة. وانتخب هؤلاء إيلي حاكمة رئيساً لما أطلقوا عليه أيضاً اسم «الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم» إضافة إلى ثمانية أعضاء من جميع القارات. وأكد هذا الفريق سعيه إلى توحيد جهود الاغتراب، مطالباً الوسائل الإعلامية والمؤسسات الرسمية بعدم الاعتراف بغيره ممثلاً للمغتربين اللبنانيين في العالم. علماً أن البيان الختامي لوفد الجامعة برئاسة حاكمة إلى لبنان تضمن نقاطاً كثيرة غالباً ما تتجنب قوى 14 آذار قولها بهذا الوضوح.
وطالب بإعطاء الحق للمغتربين بالاقتراع وتسهيل معاملات تسجيل الولادات والزيجات التي تحصل في الاغتراب. وأشار إلى «ضرورة إعادة النظر في الجنسية اللبنانية المعطاة لغير مستحقيها». مقدّماً رؤيته للواقع الاغترابي على صعيد المستويات الاقتصادية، الأكاديمية، دعم لبنان في المحافل الدولية، والمحافظة على التراث والثقافة اللبنانية في المغتربات.
غير أن هذه «الرؤية» بحسب ناصر مجرد وعود فارغة لا يملك فريق حاكمة الاغترابي الإمكانات البشرية واللوجستية والامتدادات الاغترابية المطلوبة لتحقيقها. مؤكداً من جهة أخرى أن الحكم القضائي يعدّ مجمداً من لحظة استئنافه. ومشيراً في هذا السياق إلى أن القرار القضائي، مهما يكن، لا يشرع وجود الفريق الاغترابي الآخر كممثل للمغتربين اللبنانيين في العالم. ويوضح ناصر أن مؤتمر اليونسكو الذي انتخب فيه رئيساً عام 2005 حصل تنفيذاً لطلب وزارة الخارجية والمغتربين ونداء مجلس الوزراء، وحصلت عدة اتصالات قبله وبعده للمّ شمل المغتربين، لكن الفريق الآخر، بحسب ناصر أصر على رفض الانخراط بأي تسوية، «معوّلاً على دعم القوات اللبنانية من تحت الطاولة».
ويشير إلى أن بعض الذين جالوا برفقة حاكمة على المسؤولين اللبنانيين كانوا طوال السنوات الماضية فاعلين ضمن فريقه وطالبوه أكثر من مرة برفع دعوى أمام القضاء ضد حاكمة بصفته منتحل صفة. ويرى ناصر، الذي خدم الاغتراب اللبناني في أفريقيا قرابة أربعين عاماً، أن ظهور الفريق الثاني بهذا الوقت لا يعدو كونه حلقة من سلسلة محاولات يخوضها أحد أطراف السلطة للإمساك بما يتوافر له من مؤسسات، وتحويل الجامعة إلى بوق إضافي يستخدم دولياً في سياق الحملات المبرمجة للضغط على بعض الأطراف اللبنانية، وإقناع قادتهم في الخارج بحجم ودور وهميين.
ووسط مؤتمرات الفريقين، وحرب بياناتهما، وردودهما المتبادلة، وادّعاء كل منهما الشرعية، يقول متابعون إن كل ما يحصل لا يعدو كونه بروفة أولى لما ستكون عليه الحال عندما يصبح لبنان لبنانين في ظل الحكومتين المتوقعتين أو الرئيسين.