علي محمد
«لست أبالي حتى لو وجدت هيكلاً عظمياً، المهم أن أجد ولدي مرة أخرى». تصدّرت هذه الكلمات أولى صفحات الدراسة الدورية الأخيرة لوكالة البحث عن المفقودين في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تحت عنوان: «الأشخاص المفقودون، مأساة إنسانية»، وهي كلمات لوالدة أحد المفقودين. وبمناسبة اليوم العالمي للمفقودين، عقدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مؤتمراً يوم أمس في بيروت، تحدثت فيه المساعِدة المسؤولة في وكالة البحث عن المفقودين في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، كريستين رشدان، عن 17 ألف مفقود في لبنان بحسب إحصاءات الجمعيات المدنية والأهلية. ورأت رشدان أن عوائق عدة تحول دون تحقيق التقدم المفروض في هذه القضية، إذ إن «الدولة تقذف بالمسؤولية على الآخرين من جهة، والتجاذبات السياسية تحدّ من عمل الوكالة من جهة أخرى». ولذلك طالبت الدولة اللبنانية بالمزيد من الاهتمام والمشاركة لحل هذه المشكلة. ولفتت رشدان إلى أن أحد أهم العوائق هو عدم وجود قاعدة بيانات للحمض النووي المأخوذ من أهالي المفقودين، وذلك لسببين: عدم وجود الأموال، ووفاة العديد من الأهالي، الأمر الذي يزيد من صعوبة التعرف على الرفات والجثث التي يُعثر عليها. وكشفت رشدان عن مشروع تقدمت به إحدى الجمعيات غير الحكومية لحصر بيانات كل المفقودين، «إذ لا رقم محدداً لعددهم أو هويّاتهم، لا سيما لتضارب عدد الطلبات المقدمة من ذوي المفقودين الذين يقدّمون طلباتهم في أكثر من مكان». وكشفت أن المشروع الذي يُدرس الآن «قد يمهّد لتأسيس قاعدة بيانات للحمض النووي، بعد مشاركة عدد من الجمعيات غير الحكومية بجزء من تمويله، على أن يُستكمل التمويل من الدولة أو من الصليب الأحمر وفق آليات معينة». كذلك شرحت المسؤولة في الوكالة خطة العمل التي ابتدأ بها الصليب الأحمر في عام 2003، وتعتمد على ملء طلبات بحث عن المفقودين من قبل الأهالي، مشيرة إلى أن المدير العام لقوى الأمن الداخلي، اللواء أشرف ريفي، كان قد أصدر تعميماً على جميع المخافر للحصول على طلبات البحث ليملأها المعنيون، «وبلغ عددها حتى الآن 4000 طلب، لكن المشكلة هي في تعدد الطلبات للمفقود الواحد، ما يسبّب حالاً من الفوضى».
من جهة أخرى، أثارت رشدان موضوع الكشف على المقابر الجماعية، وكيفية إدارتها من قبل الأجهزة المعنية. وقالت إن الوكالة قد وجّهت العديد من الملاحظات عن ذلك، وإن الوكالة أصدرت كتيّباً عن المعايير المهنية في تحليل الحمض النووي والتعرف على الرفات، «وأرسلناه إلى مدّعين عامّين للاطلاع عليه وللاستفادة والإفادة». وفي مساهمات الوكالة في شأن تحسين القدرات على إدارة مسارح المقابر الجماعية والتكيّف مع الرفات المجهول، فإنها تقيم دورات تخصصية كل عام في الأردن لعدد من الأطباء الشرعيين، ومنهم لبنانيون. أما عن «تأخر» الدولة اللبنانية في الاستجابة لطروحات الوكالة، فبرّرته رشدان «بمسؤوليات الدولة الكبيرة في هذه المرحلة». ولفتت إلى أن موضوع المفقودين «لا تعدّه الحكومة من أولوياتها»، قائلة إنها تقدمت من الجهات المعنية بطلب لزيارة السجون في عام 2003، «وما زلنا ننتظر الرد».
وفسّرت رشدان أن الوكالة تقوم بتقديم توصيات إلى الدولة ولكنها لا تستطيع العمل إلا بموافقتها، متسائلة: «هل الإرادة السياسية الموحدة موجودة ليصار إلى حل مشكلة المفقودين؟»، وأكملت أن «على مجلس الوزراء إقرار التوصيات التي تقدّمنا بها، لا إدراجها في الجوارير». ولكنها أفادت أن الوكالة ما زالت تقوم باتصالات متعددة مع الدولة والأجهزة الأمنية والجيش، وحتى الأحزاب والنقابات. وقالت إنها لا تستطيع تحقيق أي شيء إذا لم يكن هناك اتفاق سياسي أو ضغط شعبي.
وفي موضوع الجنديين الإسرائيليين اللذين أسرهما حزب الله العام الماضي، قالت رشدان إنها تناشد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، السماح للصليب الأحمر بزيارة الجنديين، للوقوف على حالهما، «لأن أمّيهما مثل أمهات الكثير من الأسرى في السجون الإسرائيلية».
بدورها، قالت رئيسة لجنة أهالي المفقودين، وداد حلواني، في اتصال مع «الأخبار»، إن الحقيقة ليست استنسابية لفئة دون أخرى. وأشارت إلى أن الحقيقة تبدأ من ملف المفقودين. واستنكرت حلواني موقف الدولة في التعاطي مع هذه المشكلة، ورأت أن «المضحك المبكي هو أن أمراء الحرب السابقين، الذين هم اليوم من أركان السلطة، يتاجرون بهذا الملف ويثيرونه بحسب ما تستدعي حاجتهم السياسية إليه». وطالبت بنبش القبور بطريقة علمية وتقنية، منددة بطريقة نبش القبور في عنجر بالجرافات. وذكّرت بالعام 2000، عندما أنشأ مجلس الوزراء لجنة رسمية للبحث عن المفقودين، وقدّمت تقريرها في تموز من العام نفسه، مقتبسة من التقرير جملة: «لم نجد أي مفقودين أحياء، ولكن وجدنا قبوراً جماعية». وأشارت إلى أنه «من بين الأموال الطائلة التي تبذّرها الدولة، يستحق ملف المفقودين شيئاً منها، لإنشاء قاعدة بيانات للحمض النووي، بغية التعرّف على أصحاب الرفات التي يُعثر عليه».