البقاع ــ عفيف دياب
«لا حياة سياسية في البقاع». جملة صغيرة تختصر واقع منطقة كبيرة كانت، قبل نحو سنة تقريباً، تضجّ بالنشاط السياسي والحزبي والاحتفالات والمهرجانات والمسيرات التي من خلالها كانت تطلق الرسائل السياسية نحو «الأخصام». «الموالاة» غابت عن إقامة مهرجاناتها واحتفالاتها، ولم تعد تحشد جمهورها ليكون «مدداً» لها في «حفلات» الصراع السياسي مع المعارضة التي تعدّ اليوم، نسبياً، أكثر نشاطاً وحضوراً في المنطقة، وهو حضور بدأ يتلمّس طريقه نحو لعب دوره في إعطاء الحياة السياسية البقاعية حراكاً يُخرجها من الركود السياسي، الذي بدأ يتأثر بالركود الاقتصادي وكساد مواسم الزراعة.
غياب «الموالاة» عن الحياة السياسية البقاعية يعزوه أكثر من قيادي في هذا الفريق، أو بالأحرى، ممن بقي منهم على أرض السهل، ولم يركب بعد الطائرة نحو شواطئ البحر الأحمر أو منتجعات الـ«كوت دازور» الفرنسية من أجل «الأمن والأمان»، إلى «الأجواء السياسية العامة في البلاد. ولكن ليس صحيحاً أننا غبنا عن الساحة البقاعية، فنحن نقوم بأنشطة محلية ونعقد لقاءات دورية في القرى والبلدات».
هذا التبرير لا يجده أحد النواب السابقين، ممن يعدّون اليوم الأقرب إلى فريق «الوسط»، كما يسميه، «منطقياً وواقعياً». ويقول وهو يعتني بزهور حديقة منزله إن «غياب القيادات البقاعية العليا في الأكثرية عن المنطقة أحدث التباساً كبيراً في صفوف الجمهور الموالي، حيث بدأ يفتقد دوره الذي طبع الحياة السياسية في المنطقة قبل نحو سنة، إذ يجد هذا الجمهور نفسه اليوم أسير طروحات وشعارات لم يصنعها أو يعمل على بلورتها، وهو يقف اليوم حائراً أمام ما يجري في البلاد، وبدأ يتلمّس المسافة الشاسعة بينه وبين قادته الذين لم يصنعهم، وإنما فُرضوا عليه فرضاً في الانتخابات النيابية السابقة أو ما بعدها».
ويوضح النائب السابق، الذي كان يجول ويصول في البقاع طولاً وعرضاً قبل «أفول» نجمه، بحسب قول «قادة موالين»، أن «البقاعي، وتحديداً في البقاعين الأوسط والغربي، هُمّش سياسياً ولم يعد يقوى على إطلاق صرخته تحسباً لأي استغلال سياسي لاعتراضه من قبل المعارضة». ويضيف: «لقد وجد القادة الموالون في البقاع في شل الحياة السياسية في المنطقة، خير وسيلة للهروب من مواجهة الناس الذين يعانون من أزمات اقتصادية واجتماعية وتدنٍ في تأمين الخدمات. فالقادة الموالون وأحزابهم دخلوا في غيبوبة سياسية تحت حجج شتى، أبرزها الوضع الأمني ومنع الخصوم من استغلال أي حال اعتراضية».
هذا الغياب السياسي لقادة الأكثرية والاكتفاء بأنشطة «صغيرة» لقيادات وكوادر وسطى محلية، يقدم له نائب في فريق «الأكثرية» قراءة مختلفة، موضحاً «أننا في أحزاب وكتل نيابية نجتمع دورياً ونصدر قرارات سياسية على صعيد الوطن ككل، ولكن هذا لا يبرر غيابنا عن الساحة السياسية البقاعية، ولا بد من قول حقيقة غيابنا القسري الذي نعلم أنه لا يقنع الناس مئة في المئة. فالأوضاع الأمنية فرضت علينا التزام منازلنا أو حتى سفر بعضنا إلى الخارج». ويعترف النائب «الأكثري» بأن «الأسباب الأمنية» ألحقت «ضرراً فادحاً بعلاقتنا بالناس والتواصل معهم، أو إقامة احتفالات وأنشطة سياسية واجتماعية وثقافية. ونحن نعرف أن هذا الغياب القسري أفسح المجال أمام المعارضة لملء الفراغ الناجم عن غيابنا».
اعتراف النائب البقاعي في فريق 14 آذار بدور «قوى معارضة» في ملء الفراغ السياسي والاجتماعي الناجم عن غيابهم لأسباب أمنية، يرفضه مطلقاً قيادي معارض، ويقول: «ليس صحيحاً على الإطلاق أن الأسباب الأمنية هي التي أملت علينا استغلال غياب الموالاة عن المنطقة، بل إن هناك إعادة قراءة سياسية يقوم بها الجمهور المحسوب على الموالاة. فالحياة السياسية في البقاع ليست في غيبوبة كما يصفها البعض، وقوى المعارضة لم تغب سياسياً أو اجتماعياً عن المنطقة نهائياً. لقد أجرينا حوارات ونقاشات سياسية مع عدد كبير من الناس، ووجدنا أصداءً إيجابية لطروحاتنا، بعد محاولات يائسة من قوى في الأكثرية لمصادرة قرار الناس وإلباسهم مواقف سياسية لا تعبّر عن انتماءاتهم أو مواقفهم التاريخية وقناعاتهم الحقيقية». ويتابع: «نحن لم نغادر سياسياً المنطقة، والأيام المقبلة ستثبت صحة خياراتنا السياسية التي تملأ الفراغ الذي أحدثته سياسات قوى الموالاة، التي نجحت، لفترة لا بأس بها، في خطف الشارع نحو أفكارها، وهي بدأت تشعر أن الشارع يفلت من يدها، وتبرر ذلك بالأوضاع الأمنية، رافضة الاعتراف بفشل طروحاتها السياسية».
ويؤكد القيادي المعارض أن «نشاطنا في البقاع كقوى معارضة، هو الأكثر حضوراً، لأن لا أحد يستطيع تزوير وجه البقاع السياسي. ولأن حضورنا هو الأبرز والأكثر حراكاً ونشاطاً، فإن الموالاة في المنطقة بدأت تتحدث بلغة سياسية تحريضية لا تخلو من الطائفية، لإعادة شد عصب جمهورها الذي لم يعد يقتنع بالخطاب السياسي الموجه إليه من قادة مركزيين، فيما قادته المحليّون غائبون صوتاً وصورة».