فاتن الحاج
يُتوِّج المشروع الوطني للدمج سنتين من العمل بحملة إعلامية بدأت في 19آب الجاري وتنتهي في منتصف أيلول المقبل. ويُختتم المشروع في 12 أيلول بمؤتمر يعرض النتائج التي توصلت إليها الجمعيات الأربع المشاركة: جمعية الشبيبة للمكفوفين، اتحاد المقعدين اللبنانيين، الجمعية اللبنانية لتثلث الصبغية 21، ومنظمة رعاية الأطفال السويدية

«ليس هناك مدرسة دامجة في لبنان حتى الآن»، هذا ما توصل إليه المشروع الوطني للدمج الذي عمل على تهيئة عشر مدارس خاصة في المحافظات الخمس، لتصبح قادرة على استقبال ذوي الاحتياجات الإضافية. لكنّ المشروع انتهى، والتأهيل لا ينفع، كما يقول رئيس جمعية الشبيبة للمكفوفين ومدير المشروع عامر مكارم، إذا بقي المجتمع غير مقتنع بأولوية الدمج، علماً بأنّ المدارس العشر حققت اندماجاً فعلياً خلال فترة تنفيذ المشروع. وينفي مكارم أن تُسمّى التجارب السابقة في استقبال المعوّقين دمجاً، بل كانت مبادرات فردية تنتهي مع رحيل أصحاب المبادرة، أو أنّ الاستقبال يقتصر على وضع المعوّقين في صفٍ واحد، وعدم السماح لهم بالانخراط مع زملائهم العاديين.
أما المعضلة الأهم فتبرز في تخلي وزارة التربية عن مسؤولياتها كمرجعية لتعليم المعوّقين، وما يجري حالياً هو دعم وزارة الشؤون الاجتماعية لمؤسسات أهلية تتولى تعليم ذوي الحاجات الإضافية. من هنا اقترح المشروع الوطني للدمج إيجاد مرجعية إدارية في وزارة التربية تتابع القضايا التعليمية للمعوّقين، وحدّد المهام، في مذكرة قدّمها إلى المعنيين في الوزارة.
ويوضح مكارم «أنّ السنتين اللتين استغرقهما العمل في المشروع، لم تكونا كافيتين لترويج فكرة الدمج في مجتمع يمارس التمييز وسياسات العزل بوضوح». لكنّ مكارم يبدو راضياً عن نتائج المشروع، ولا سيما لجهة تهيئة المدارس، والمرافق الحكومية وأرباب العمل، الذين وظّفوا في مؤسساتهم عدداً لا بأس به من المعوّقين. ويرى أنّ الشراكة بين الجمعيات والقطاع العام تحققت للمرة الأولى في المشروع الذي أشرف عليه مجلس الإنماء والإعمار، بتمويل من البنك الدولي. ففي السابق كانت الجهة الحكومية إما مموّلاً أو طرفاً يضع الخطة ويطلب من الجمعية تنفيذها، و«لكن هذه المرّة، الخطة خطتنا والمشروع مشروعنا».
وعن اختيار المدارس الخاصة دون الرسمية، يقول مكارم: «سعينا كتجربة أولى إلى تقديم نموذج للمدارس الدامجة، ووجدنا أنّ العمل مع المدارس الخاصة أسهل، لأن أي تعديل يحتاج إلى قرار من المدرسة لا من وزارة التربية».

مراحل المشروع

المشروع لم يكن تربوياً فحسب، إنما طال الدمج المجالَيْن الاجتماعي والمهني أيضاً، وانقسم إلى مرحلتين. استمرت المرحلة الأولى من حزيران 2004 لغاية تشرين الأول 2004، أي أربعة أشهر، جرى خلالها تقويم الواقع في لبنان، بعد جمع المعلومات عن التشريعات والدراسات والإحصاءات المتوافرة، والسياسات الوطنية المعمول بها والبرامج القائمة في مجالات عمل المشروع. وحدّدت الأطراف المعنية العاملة على الدمج أو الراغبة في التشارك لتحقيق مجتمع دمج للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. ونتج عن المرحلة الأولى تقرير وطني بعنوان «الإعاقة والدمج في لبنان»، لخّص القضايا الأساسية التي برزت، وطرح بعض التوصيات كما يراها أصحاب القضية والأطراف المعنية بتحقيق الدمج. وقد ساعدت هذه المرحلة الجمعيات المشاركة في المشروع على تعديل الخطة الموضوعة للمرحلة الثانية، أي المرحلة الميدانية.
توقف المشروع سنة كاملة، ثم استؤنف العمل به في كانون الثاني 2005 ولغاية آب 2007، علماً بأنّه كان مقرراً أن ينتهي في أيار 2007. فعلى الصعيد التربوي، اختار المشروع عشر مدارس هي: مدرستا مار الياس وروضة الأطفال في طرابلس، المدرسة الأهلية ومدرسة التراث في بيروت، مدرسة حسام الدين الحريري في صيدا، المدرسة العالمية في النبطية (Lycee Mondiale) مدرسة الثقافة وكلية بعقلين، ومدرسة الفن والثقافة في جبل لبنان، ومدرسة الأمين في بر الياس ـــــ البقاع.
ونظمت حملات توعية وورش عمل تدريبية في المدارس للمعلمين والتلامذة والأهالي، واعتمدت في كل مدرسة مربّية متخصصة موظفة بدوام كامل في المشروع، لمتابعة أوضاع التلامذة المعوّقين. ويشرح مكارم في هذا الإطار أنّ المشروع لم يهدف إلى إدخال تلامذة يعانون إعاقات، بل تهيئة الأرضية لتصبح المدرسة قادرة على الدمج، وتشعر بأنّ تعليم المعوّقين من مسؤولياتها، من دون العودة إلى الجمعيات. وقد أبدت بعض المدارس استعدادها لاعتماد مربّيات متخصصات من ضمن فريقها التعليمي والإداري. وأصدر المشروع دليلاً استرشادياً عن تكييف المنهج الدراسي، ليستهدف تلامذة ذوي قدرات مختلفة، ودليلاً آخر عن المحاور والخدمات التي يجب أن تقدمها المدرسة لتكون مدرسة دامجة، إضافة إلى كتاب عن التدخل المبكر الذي يفيد الأهل والمربّين في كيفية التعاطي مع الأولاد في سن مبكرة.
وفي المجال الاجتماعي، عمل المشروع على خمس لجان في المناطق، بإشراف عاملات اجتماعيات، تألّفت من أهالي المعوّقين ومعوّقين راشدين خضعوا لتدريبات خاصة باحتياجات الطفل المعوّق، وكيفية الكشف عن الإعاقة في مرحلة مبكرة، وتنظيم نشاطات توعية وحملات تطالب بالحقوق التي تنص عليها المواثيق الدولية، وصولاً إلى شبكة الدمج التربوي والاجتماعي.
واستطاع المشروع، في المجال المهني، إرساء ثقافة مفادها أنّ المعوّق يستطيع ممارسة مهن تتجاوز حياكة القش والصوف ووظيفة السنترال.
وقد أظهرت إحدى الدراسات التي قام بها المشروع على بعض المؤسسات أنّ المعوق يستطيع أن يزاول بعض المهن التي لا تخطر ببال أحد، فالمعوق جسدياً قد يكون أخصائياً اجتماعياً، أو محاسباً، كما تم تدريب مكفوفين للعمل في معامل لانتاج الكلينكس وما شابه




بدّي شويّة تغيير

تنتشر في الطرقات اللبنانية «بوسترات» إعلانية هي جزء من الحملة الإعلامية للمشروع الوطني للدمج. وحملت «البوسترات» شعارات: «ما بدّي إتعوق عن الدرس، ما بدّي إتعوق عن الضهرة، ما بدّي إتعوق عن الشغل». ومما كتب على اللوحات الإعلانية: «حقوقي بالمجتمع بدا منك شوية تغيير، وإذا ما بتعرف كيف، أنا بقلك، ما تتلبّك. بالتفكير وبالتدبير، متل ما إنت ما بتحب حدا يعوقك عن درسك أو شغلك أو تسلايتك، كمان الناس اللي عندن إعاقة ما بيحبوا إنّو تحط حواجز تحرمن الاندماج بالمجتمع بشكل طبيعي، خلّي عندك تمييز وما تميّز إلّا بحالة وحدة بس: لما بدك إنسان يتخطى العوائق».
يذكر أنّ حملة المشروع تشمل توزيع «flyers» مع الصحف وفي الطرقات، إضافة إلى حلقات توعية تلفزيونية.