strong> وفاء عواد
لـ «مصالحة تاريخية» مع سوريا و«حلّ مشرّف» لسلاح المقاومة... و«رفع عبء الحوار» عن برّي

تحت قبّة البرلمان، وعلى بعد خطوات من القاعة العامة التي ستفتح أبوابها في 25 أيلول لانتخاب رئيس للجمهورية، تسنّى لنائب البترون بطرس حرب الجلوس في القاعة التي شهدت فصول جلسات الحوار فالتشاور، ليعلن ترشّحه رسمياً لمنصب الرئيس، واعداً بـ«رفع عبء الحوار» عن رئيس مجلس النواب نبيه برّي ونقله الى قصر بعبدا، إذا تحقّق حلمه. وإذا كان إعلان ترشّحه قد خلا من أية مفاجأة، وهو المرشّح «المزمن»، منذ إطلالته الأولى على الحياة النيابية عام 1972، وترجمه «إقداماً» لم يكتب له النجاح في استحقاقَي عامي 1998 و2004، فإن مضمون بيانه الرئاسي لهذه الدورة جاء ترجمة حقيقية لإيمانه بضرورة عدم تحويل موقع رئاسة الجمهورية الى «شجرة مشمش» يهزّها التجاذب السياسي والتهديد بتعطيل النصاب القانوني لجلسة الانتخاب.
فبعد أن نال «بركة» البطريرك نصر الله صفير، و«الضوء الأخضر» للانطلاق في السباق الى قصر بعبدا من الرئيس برّي الذي فتح له أبواب المجلس لعقد مؤتمره الصحافي، أمس، أدرك المرشّح الرئاسي أنه قطع نصف الطريق أمام تحقيق حلمه، وما كان عليه سوى ترجمة قناعاته إعلاناً بضرورة «ربح» خصومه، وعدم «خسارة» حلفائه.
ومعلناً رفضه المطلق لأن يفتح ترشّحه هوّة جديدة في المشاكل «المتأجّجة» بين المعارضة والموالاة، ولا سيما في ظل «الجدل» الدستوري والقانوني والسياسي القائم في شأن موضوع نصاب جلسة الانتخاب، شدّد حرب على أن ترشّحه «مرتبط، بصورة غير مباشرة، بالتوافق الوطني»، تاركاً لـ«التطورات السياسية» تحديد موقفه من الاستمرار في الترشّح أو في مشاركته بجلسة قد تعقد بنصاب النصف زائداً واحداً.
وكان المؤتمر قد استُهلّ بكلمتين ألقاهما نقيبا الصحافة والمحرّرين محمد بعلبكي وملحم كرم، فأشاد الأول بـ«نائب الأمة»، على مدى 35 عاماً، الذي كان «واحداً من العتّالة الذين صاغوا مشروع الوفاق الوطني»، ورأى الثاني أن حرب «نزع من قلبه كل ما هو حقد وتعاطٍ سخيف في الشأن العام، ليطلّ على الناس بخلق».
ووسط غياب لافت للشخصيات الموالية، باستثناء النائب غسان تويني، وبعد أن وجّه عبارات الشكر للرئيس برّي لـ«إعطاء توجيهاته تسهيلاً لعقد المؤتمر»، وللحضور الإعلامي، ولكل شهداء لبنان معاهداً إياهم بأن «دماءهم لن تذهب هدراً»، أعلن حرب تصميمه على الترشّح لمنصب رئيس الجمهورية انسجاماً مع اقتناعه بأن «الانتخاب يجب أن يكون ثمرة اللبنانيين فقط، لا نتيجة صفقة خارجية تبرم في الظلمة»، مرفقاً برفضه «الاستسلام لليأس والضياع».
وفي عرض لما يجب أن تكون عليه مواصفات الرئيس العتيد، بوصفها «ثمرة التجارب المرّة والحلوة» التي عايشها، أكّد حرب أن لبنان يحتاج الى «رئيس يتمتع بالمواطنية والاستقلال والنزاهة، بحيث لا يكون مرتهناً لأحد غير لبنان»، و«يتصرّف بوصفه رئيساً لكل اللبنانيين، لا باسم فريق».
ومن العموميات، أطلّ حرب على الخصوصيات التي تعني ترشيحه، معلناً وضع نفسه في خدمة لبنان، لا لـ«دخول حلقة الصراعات»، لأن الاستحقاق «مناسبة لإطلاق النقاش الجدّي، لا مباراة في الشتم».
وانطلاقاً من موقعه في 14 آذار، مرفقاً بتأكيده ضرورة «الانفتاح» على كل القيادات من دون «استثناءات»، أفرغ المرشّح الرئاسي ما في جعبته من تصوّرات لما يجب عمله، عارضاً الخطوط العريضة لبرنامجه الرئاسي المؤلّف من ثلاثة عشر بنداً، وفق العناوين الآتية:
1ـــــ الكيان والدولة: لبنان كيان لا يمكن تقسيمه، ولا قبول لتبعية أو خضوع لأي احتلال أو وصاية.
2ـــــ الدفاع عن لبنان والمقاومة: وعد باستئناف الحوار وفق المبادئ الآتية: «لا إرادة تعلو فوق الإرادة الوطنية، لا سلطة إلا السلطة الشرعية، لا شرعية على حساب المؤسّسات الشرعية، اعتبار مقاومة الاحتلال قضية وطنية، والعمل على تحرير مزارع شبعا والأسرى».
3ـــــ علاقات لبنان الخارجية: أشار الى ضرورة «أن يحافظ لبنان على صداقاته الدولية ويعزّزها، بما لا يؤثّر على حرية قراراته السياسية»، مفنّداً نظرته لهذه العلاقات بثلاثة محاور:
ـــــ العلاقات العربية: دعا إلى تطوير صيغة الجامعة العربية بما يتناسب مع المرحلة.
ـــــ العلاقات اللبنانية ـــــ السورية: أبدى أسفه لكونها بلغت هذا الحدّ من «التأزّم»، داعياً الى حوار لبناني ـــــ سوري و«تحقيق مصالحة تاريخية» بين البلدين، مبنيّة على «تأكيد الدولتين إقامة علاقات نديّة محرّرة من أي وصاية أو تبعيّة، التعاون في القضايا التي تهمّ البلدين، اعتبار المحكمة وسيلة لمعاقبة المجرمين لا مادة خلافيّة بين البلدين، إقرار عدم تدخّل أي دولة في شؤون الأخرى، علاقات دبلوماسية بين البلدين على مستوى سفارات، رسم الحدود مع سوريا وعلى حدود مزارع شبعا، مراجعة الاتفاقات الثنائية بين البلدين بروح إيجابية، التعاون على الحدود، مكافحة الإرهاب، وسحب المنظمات الفلسطينية التي وصلت الى لبنان عبر الحدود السورية».
ـــــ العلاقات اللبنانية ـــــ الفلسطينية: لفت الى «ضرورة تطبيق اتفاق الطائف الذي نصّ على جمع السلاح في المخيمات وخارجها، وتسليمه الى الدولة اللبنانية»، إضافة الى «وجوب القبض على كل المطلوبين للعدالة»، مؤكّداً رفضه لـ«أي مشروع يهدف الى توطين الفلسطينيين».
4ـــــ حياد لبنان الإيجابي: شدّد على ضرورة «إيجاد حلّ جذري يحيّده، من دون أن يسقط انتماءه الى محيطه».
5ـــــ التوجّه الإصلاحي: في الإصلاح السياسي، طالب بوضع قانون جديد للانتخابات النيابية وفق مرحلتين: «الأولى، آنية تعتمد القضاء. والثانية، تعتمد الدائرة الوسطى والنسبية، مع خفض سنّ الاقتراع الى 18 عاماً».
وفي السلطة الإجرائية، أكّد وجوب البدء بـ«إعادة الاعتبار لموقع رئيس الجمهورية وشخصه»، معتبراً أن «دور المعارضة لا يقلّ أهمية عن دور الموالاة»، إذ «لا ديموقراطية من دون مساءلة، ولا مساءلة من دون معارضة».
6ـــــ الإنماء المتوازن: رأى أن مكافحة الفساد توجب خطة عاجلة وشاملة تعتمد عدداً من العناوين، ومنها: «رفع الهيمنة عن الإدارة وإسقاطها، إعادة النظر في هيكلية الإدارة، تفعيل المعهد الوطني للإدارة، وتحسين أوضاع الموظفين».
7ـــــ المغتربون: رأى أن جمع المغتربين حول لبنان يستدعي «تسهيل إعطاء المنحدرين من أصل لبناني الجنسية، توطيد العلاقات مع المغتربين ومنحهم الإعفاءات الضريبية وإشراكهم في الحياة العامة والانتخاب، بدلاً من توزيع الجنسية على غير اللبنانيين وغير المستحقّين مثلما حصل عام 1994، وهو ما يستدعي سحبها، خصوصاً من عشرات الآلاف من الفلسطينيين، الأمر الذي يُعدّ توطيناً مبطّناً».
كذلك حملت البنود الستّة الباقية في بيانه العناوين الآتية: التربية، الإصلاح، تعزيز دور المرأة في الحياة العامة، الاهتمام بالشباب، البيئة، والثقافة.
وردّاً على سؤال في شأن سلاح المقاومة، رأى حرب أن هذه القضية «تعني كل اللبنانيين»، وهي «تقرّر بحوار جامع وعقل منفتح»، مذكّراً بأن الدولة هي «حامية الحق الوحيد بحمل السلاح في لبنان»، وداعياً الى إيجاد «حلّ مشرّف» لسلاح «حزب الله».
وإذ لفت الى أن «لا أحد يملك عصا سحرية لإيجاد كل الحلول»، وإلى أن برنامجه الرئاسي «ليس قرآناً منزلاً ولا إنجيلاً»، ختم حرب مؤتمره قائلاً: «إذا كتب لي أن أكون رئيساً، فأنا أطمح لأن أتلقّى التهنئة بعد 6 سنوات من عملي، لا بعد أن أنتخب مباشرة. وأؤكّد أنني، بعد أن أنتهي من ولايتي، لن أسعى لأن أجدّد، ولو حتى لنصف نهار».