إبراهيم الأمين
وضع الرئيس نبيه بري أمس رجله، مانعاً إقفال باب التسوية. هو يعرف أن فريق 14 آذار يتناقل كرة النار الرئاسية، ويصعب رميها منذ الآن في الهواء حتى يضطر لرمي نفسه بقصد التقاطها فتكون النتيجة أن يحرق يديه، فيما باب التسوية يقفل. وإذا كان رئيس المجلس يدفع عنوة باتجاه ترك المكان مكرهاً أو محرجاً، فهو يملك رصيداً من الألاعيب السياسية التي تتيح الرقص حول نار فريق 14 آذار. وما فعله أمس في بعلبك لم يكن خارج هذا السياق.
قبل يومين، وصل إلى رئيس المجلس رسول على تواصل مع الخارجية الفرنسية، سمع منه أفكاراً منسوبة إلى الوزير برنار كوشنير، تتضمن دعوة إلى إسقاط التزامن بين موعد تأليف حكومة الوحدة الوطنية وموعد الانتخابات الرئاسية. لكن الأمر على حقيقته كان في أن فرنسا حصلت مبدئياً على موافقة أقطاب من فريق الأكثرية، ولا سيما النائب سعد الحريري، على تأليف الحكومة إذا قدمت المعارضة ضمانات بشأن حصول الانتخابات الرئاسية في موعدها. والضمانة يختصرها الحريري باتفاق كامل وموقع على اسم الرئيس المقبل. ووجد كوشنير أنه يمكن إيجاد مخارج متعددة، بينها ما يشيع المناخ الإيجابي ويتمثل في الدعوة إلى عقد لقاءات جديدة لأقطاب طاولة الحوار، مع تشديد من الفرنسيين هذه المرة على رفع مستوى التمثيل إلى مستوى الصف الأول، مع مراعاة جوانب معينة تتصل بالوضع الخاص للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، علماً بأن ثمة من قال سابقاً إن الدعوة السابقة إلى حوار في فرنسا لرجال من الصف الثاني كانت لتفادي أزمة سياسية ودبلوماسية فرنسية ـــــ فرنسية وفرنسية ـــــ أميركية إذا شوهد السيد نصر الله يمر تحت قوس النصر في العاصمة الفرنسية، علماً بأن التفكير الفرنسي يذهب باتجاه رعاية باريس للاجتماع في مقر السفارة الفرنسية في بيروت أو مشاركة فرنسا في لقاء يعقد في المجلس النيابي.
وبرغم أن خبيراً جدياً في الشأن الفرنسي يعتقد أن خطاب الرئيس نيكولا ساركوزي أعطى إشارة قوية إلى تراجع الملف اللبناني عن مقدمة الأولويات الفرنسية، فإن القوى اللبنانية تسعى إلى استثمار الدور الفرنسي إلى حدوده القصوى. وفي هذا المجال تبدو قوى المعارضة، للمرة الأولى منذ ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أقرب إلى الموافقة على دور فرنسي متقدم على الدور الأميركي الذي يراه فريق 14 آذار بوليصة التأمين الفعلية له. ويرى معارضون أن فرنسا تريد فعلاً التوصل إلى حل، وأنها تشجع بقوة على توافق على الرئاسة، وهي تناقش الأمر بجدية سواء في لبنان أو مع الأطراف الإقليمية والدولية، وخصوصاً مع الأميركيين. ويمكن قراءة موقف بري أو مبادرته في إطار تشجيع التحرك الفرنسي الذي فيه الكثير من التقاطعات مع الموقفين السعودي والإيراني، وهو الأمر الذي يمكن أن تنسفه الولايات المتحدة إذا ما وجدت نفسها غير مستعدة الآن لاتخاذ قرار بشأن لبنان ما دامت عمليات المقايضة لم تبدأ بعد في العراق ولا في فلسطين، ثم لم يلتقط أحد بعد موقع لبنان في المؤتمر الدولي الذي تعد له واشنطن في الخريف المقبل. وهل ستتصرف واشنطن على أساس أن فريقها اللبناني يجب أن يكون مشمولاً بالغطاء نفسه الذي يتوافر للمحور العربي الحليف لها، أم هي مستعدة لمقايضة من النوع الذي لا يؤذي نفوذها الحقيقي من جهة، ولا يترك البلاد للفريق الآخر.
وفي هذا السياق يفهم القلق البادي على الدبلوماسيين الغربيين الذين يتحركون حاملين أسئلة أميركية عن نيات المعارضة وبرنامجها إذا مضت الأكثرية نحو خيار الانتخاب الأحادي، حيث إن الخشية من انفجار كبير في لبنان يطيح فريق السلطة من شأنها هدم الهيكل الأميركي على ضعفه. فكيف إذا تم الأمر في الفترة نفسها التي تعمل فيها الولايات المتحدة على وضع استراتيجية جديدة لإشراك العرب الحلفاء لها في برنامج ضد قوى المقاومة في المنطقة العربية. وبهذا المعنى يمكن النظر إلى التمهل الأميركي على أنه إشارة إلى أن وقت المزاد لم يحن بعد، وأن فريقها قد لا يكون جاهزاً للمعركة، كما أنه ليس جاهزاً لتسوية.
وبالعودة إلى خطاب بري، يرى قطب معارض أنه قال كلاماً واضحاً حيال «تعالوا خذوا ما تريدون، وإذا كانت حجتكم أننا نريد الحكومة الآن لأجل عرقلة الانتخابات الرئاسية، فها نحن نتخلى عن مطلب قيام حكومة الوحدة الآن، وندعوكم إلى التوافق على رئيس جديد وفق الأصول، وهو ربما بالغ في تعهده بأنه مستعد لفتح كل أبواب الحوار من أجل التوصل سريعاً إلى توافق على الرئيس المقبل».
وبحسب القطب نفسه فإن بري كان «يخاطب قسماً لا بأس به من النواب اللبنانيين، كما يخاطب الدول المعنية في المنطقة والعالم، وهو يراهن على تأثيرات جدية لطرحه هذا على كل المداولات اللاحقة بشأن الملف الرئاسي». أما عن طريقة تصرف فريق 14 آذار، فإن القطب المعارض يرى «أن هؤلاء لا يحتاجون إلى تبرير لكي يواصلوا التهرب من التوافق والمشاركة، لكن بري لفت انتباههم كما لفت انتباه الجميع في لبنان وفي المنطقة وفي العالم إلى أنه إذا لم يحصل هذا التوافق، فإن الأيام العشرة الأخيرة من المهلة الدستورية ستكون مساحة للشر المستطير».
وذكر قيادي حزبي معارض آخر أن ما طرحه بري كان محل تشاور مكثف خلال الأيام القليلة الماضية بين قادة المعارضة على مستويات رفيعة، وأن تفاهمات جرت بين هؤلاء على عدم الانجرار إلى أي نوع من الخطوات الهادفة إلى منح الطرف الآخر الأعذار التي قد يستثمر فيها المزيد من الدعم الخارجي، أو يعمل على أساس مزيد من الاستنفار الطائفي والمذهبي، مع ما يعني ذلك من عدم الاستعجال لأي نوع من الخطوات ذات البعد الانقسامي. وحسب القيادي نفسه، فإن المعارضة لن تلجأ إلى أي خطوة دستورية أو سياسية أو شعبية، إلا متى لجأت الأكثرية إلى خطوات من النوع التي تقود البلاد إلى الدمار، وساعتها قد يصح القول إن «بعضهم من يجر إلى الجنة بسلاسل»!